أكد الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن المغرب حقق نجاحًا في كرة القدم فقط، بينما تعاني باقي الرياضات الوطنية من ضعف كبير، وأن المنظومة الرياضية تحتاج اليوم إلى مراجعة شاملة وسياسات جديدة تتجاوز نموذج إدارة كرة القدم وحدها.
وأوضح اليازغي، خلال مداخلته في أشغال المنتدى الدولي حول الرياضة المنظم بمجلس النواب، أمس الخميس، أن المغرب يعاني من كروية المشهد الرياضي، حيث تسيطر كرة القدم على الموارد والاهتمام، فيما باقي الرياضات الوطنية، خصوصًا الجماعية، لا تحظى بالمتابعة أو الدعم الكافي، وهو ما يجعل موقع المغرب في هذه الرياضات متراجعًا على المستوى الإقليمي والقاري، مبرزا أن الممارسة الرياضية بالمغرب في تراجع مستمر، وأن الرقم الصحيح لعدد الممارسين لا يزال غامضًا، ما يطرح تحديًا كبيرًا أمام أي استراتيجية وطنية.
وشدد على ضرورة اعتماد سرعتين متوازيتين في تطوير الرياضة، بحيث تسير كرة القدم وفق منهجية ناجحة، بينما تحظى باقي الرياضات بالاهتمام والدعم المناسب عبر تقائية السياسات العمومية، مؤكدًا أن الوقت قد حان لتطليق الطريقة الحالية في تسيير الرياضة الوطنية وخلق مؤسسة مستقلة لتسيير القطاع.
وتابع: “قوانيننا الرياضية صلبة وجامدة ولا تواكب التطورات، وحتى الدستور لم يترجم دسترة الرياضة في برامج سياسية واضحة. إذا أردنا التقدم بسرعة أكبر، يجب أن تسير الرياضة بسرعتين متوازيتين، مع مراعاة باقي الرياضات بجانب كرة القدم، وأن تُنشأ وكالة وطنية مستقلة سياسيًا وماليًا لضمان تنفيذ البرامج والمشاريع بفعالية”.
وفي هذا الصدد، طالب الدكتور الباحث بإنشاء وكالة مستقلة لتدبير القطاع عوض دمج الرياضة في كل حكومة مع قطاع مختلف بالقول: حان الوقت لنطلق هذه الطريقة التي نسير بها الرياضة من خلال المرور إلى مندوبية أو وكالة وطنية، على الأقل تكون مستقلة سياسيا، ولديها مشاريع ولديها برامج، فالتجربة السابقة لم تكن ذات بعد تطبيقي كبير، وهي المجلس الوطني سابقا في فترة من فترات تاريخ المغرب، لكن ربما حان التفكير في هذا الأمر بشكل جدي ضمانا للفعالية”.
وأبرز أن الوضع الحالي للرياضة الوطنية يثير القلق ويستدعي مراجعة شاملة للسياسات والاستراتيجيات المعتمدة. واعتبر أن الورشات واللقاءات المتعلقة بالاستراتيجية الوطنية للرياضة يجب أن تركز على تحديد خطوات ملموسة للارتقاء بالرياضة وليس مجرد التشخيص.
وأوضح أن الاستراتيجية السابقة (20082020) لم يتم تقييم نجاحها بشكل دقيق، ولم تصدر أي تقارير حول نسبة تحقيق أهدافها، مما يضع المغرب في مرحلة انتظار أو تأمل بالنسبة لمستقبل القطاع الرياضي.
وأشار اليازغي إلى أن الرياضة المغربية تواجه حالة من “النجاح الكروي مقابل تراجع باقي الرياضات”، مبرزًا أن كرة القدم تسير بمنهجية واضحة وتحصد نتائج إيجابية، بينما الرياضات الأخرى تعاني من ضعف التمكين والدعم، ما يضعها في مهب التهميش على المستوى الإقليمي والقاري والعربي.
وحذر من أن الاعتماد المفرط على كرة القدم قد يخفي المشاكل الهيكلية التي تواجه باقي الجامعات الرياضية، والتي قد تتكشف في حال فشل كرة القدم في أي منافسة كبرى.
ولفت الباحث إلى تراجع الممارسة الرياضية في المغرب وعدم وضوح بيانات عدد الممارسين، مشيرًا إلى أن الأرقام تتفاوت بين التقارير الرسمية المختلفة، بما فيها تقرير وزارة الشباب والرياضة، الذي أقر بوجود صعوبات في الحصول على معطيات دقيقة من الجامعات الرياضية.
وأوضح أن ضعف الديمقراطية المجالية يظهر جليًا في الوحدات الرياضية، حيث لم يتم إنجاز عدد مسبحيات وفق المخطط المقرر، فيما بعضها غير صالح للاستخدام أو لم يتم افتتاحه رغم الاستثمارات الكبيرة، مثل مسبح قرب مولاي عبد الله الذي كلف حوالي 100 مليون درهم.
كما أشار إلى قصور القوانين الحالية، التي تلزم بتدريس التربية البدنية في المدارس وإنشاء جمعيات رياضية في المؤسسات التعليمية، لكنها لم تُطبق عمليًا في المدارس الابتدائية والثانوية والمهنية والسجنية، بل إن بعض المؤسسات تستخدم الحرمان من الرياضة كعقوبة للتلاميذ المشاغبين، ما يعكس غياب التفاعل الحقيقي مع البرامج المقررة.
ولفت اليازغي أيضا إلى التأخر الكبير في تنزيل اللجنة البارالمبية منذ إصدارها، مقارنة بدول إفريقية أخرى، بالإضافة إلى عدم وضوح مهام لجنة الرياضة لذوي المستوى العالي، وتراجع أعداد الجمعيات الرياضية من حوالي 8500 إلى 6000 فقط، مع غياب أطباء رياضيين وضمانات صحية أساسية للرياضيين، مؤكدا أن هذه الإشكالات تشير إلى أن القوانين الرياضية الوطنية جامدة ولا تواكب التطورات أو التحديات المعاصرة في القطاع.
المصدر: العمق المغربي
