الهشومي: الحوار الاجتماعي يقيس مصداقية الحكومة ويجب ألا يرتهن للظرفيات

أكد أستاذ القانون الدستوري، بجامعة محمد الخامس بالرباط، كمال الهشومي، أن مستقبل الحوار الاجتماعي في المغرب يتوقف على مدى القدرة الجماعية على تحويله إلى رافعة تعاقدية لبناء عدالة اجتماعية مستدامة، لا مجرد وسيلة لتدبير الأزمات، معتبرا أنه “أمام مفترق طرق”، “إما أن يُفعّل كأداة استراتيجية لصياغة تعاقد اجتماعي جديد ومستدام، أو يبقى رهين الظرفيات والتوترات، ما يجعله هشاً، وعاجزاً عن مواكبة التحولات الهيكلية الكبرى”.
وتأتي هذه الخلاصة في سياق خاص يتزامن مع مسيرات فاتح ماي التي خرجت صباح اليوم الخميس بمناسبة فاتح ماي في عدد من المدن المغربية، حاملة مطالب اجتماعية واحتجاجات على ما تعتبره النقابات “تباطؤاً” في تنفيذ الالتزامات السابقة، بالتوازي مع انطلاق جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، جمعت رئيس الحكومة بالمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، وسط تصاعد الضغط الشعبي وتراكم الملفات العالقة.
وأوضح الهشومي، في تصريح لجريدة “”، أن الحوار هذا العام يجري في لحظة بالغة الرمزية والدقة، تجمع بين ثلاثة ملامح أساسية، تتمثل أولاها في السياق الاقتصادي المتأزم بفعل التضخم، وتوالي سنوات الجفاف، وضغوط تمويل ورش الحماية الاجتماعية، ما يحد من قدرة الحكومة على تلبية المطالب الاجتماعية بشكل شامل.أما الملمح الثاني فهو التوقيت السياسي الحاسم الذي يأتي بعد منتصف الولاية الحكومية ويختبر صدقية شعار “الدولة الاجتماعية”، وثالثاً، لحظة رمزية مرتبطة بفاتح ماي، اختارتها الحكومة لتقديم نفسها كفاعل حواري ملتزم، في محاولة لاحتواء التوتر الاجتماعي.
ويعتبر الهشومي أن قابلية المطالب المطروحة للتحقيق تظل مشروطة بثلاثة عوامل متقاطعة: توفر الإرادة السياسية والمالية، إحداث توازن حذر في مراجعة مدونة الشغل بين الحماية ومرونة التشغيل، واحترام الحريات النقابية، خاصة في ظل استمرار تطبيق مقتضيات قانونية مثيرة للجدل كالفصل 288 من القانون الجنائي واعتماد مشروع قانون الإضراب خارج فضاء التفاوض.
ولتجاوز هذا الانسداد، يدعو الهشومي إلى ترسيخ الحوار الاجتماعي كآلية مؤسساتية دائمة من خلال تقنين دوراته الزمنية، وتسريع الإصلاحات التشريعية المعلقة، وإخراج المؤسسات المنصوص عليها في ميثاق 30 أبريل 2022 إلى حيز التنفيذ، وعلى رأسها المرصد الوطني للحوار الاجتماعي وأكاديمية التكوين في مجال التشغيل والوساطة الاجتماعية.
واعتبر الأستاذ الجامعي، أن نجاح هذا الورش رهين بإرادة سياسية حقيقية تلتزم بالتنفيذ الشفاف للاتفاقات، وتفتح أفق المشاركة أمام البرلمان والمجتمع المدني والخبراء، بما يضمن صياغة سياسات عمومية عادلة وشاملة، بدل الاكتفاء بإدارة ظرفية للتوترات الاجتماعية.
بالإضافة إلى قراءته للسياق العام، يلفت كمال الهشومي الانتباه إلى محاولة الحكومة توظيف التوقيت الرمزي لفاتح ماي لتحويل لحظة احتجاجية تقليدية إلى لحظة تفاوضية مهيكلة. أوضح أن “هناك سعيا واضحا إلى احتواء التعبئة النقابية وتوجيهها نحو مسار تفاوضي مضبوط، وهو ما يعكس في ظاهره التزاماً بالحوار، لكنه يخفي أيضاً رغبة في تطويق التصعيد وتحجيم أثره السياسي والاجتماعي، خاصة في ظل مؤشرات القلق المتبادل بين الأطراف بسبب تأخر تنفيذ عدد من الالتزامات السابقة”.
كما شدد الهشومي على أن احترام الحريات النقابية يجب أن يشكل مقياساً حقيقياً لصدقية الحكومة في هذا الحوار، مشيراً إلى أن “الجدل الدائر حول استمرار العمل بالفصل 288 من القانون الجنائي، واعتماد القانون التنظيمي للإضراب خارج فضاء الحوار الاجتماعي، يقوض الثقة بين الدولة والنقابات”. ويؤكد أن هذه المطالب لا تتطلب كلفة مالية، بل إرادة تشريعية، مما يجعلها مرآة لمدى التزام الحكومة ببناء مناخ ديمقراطي حاضن للممارسة النقابية الحرة.
وفي معرض حديثه عن الشروط البنيوية للحوار، دعا الهشومي إلى توسيع التمثيلية داخل فضاء الحوار الاجتماعي ليشمل فاعلين إضافيين دون المساس بإطار “الأكثر تمثيلية”، قائلاً: “انفتاح الحوار على البرلمان، والمجتمع المدني، والخبراء الأكاديميين يمكن أن يسهم في إنتاج سياسات عمومية أكثر توازناً وعدالة، ويمنح النقاش بُعداً استراتيجياً يتجاوز منطق الترضيات الظرفية أو المقايضات التقنية المحدودة”.
المصدر: العمق المغربي