الهجمات السيبرانية تستنفر قطاعات حكومية.. وتحذيرات من تصاعد الاختراق الإلكتروني

تعيش عدد من القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية حالة استنفار قصوى بين طواقمها الفنية المتخصصة في الأمن السيبراني، وذلك في أعقاب سلسلة من الهجمات السيبرانية الأخيرة التي استهدفت مواقع إلكترونية رسمية. وقد تسببت هذه الهجمات في اختراقات وتسريب معطيات حساسة، مما أثار مخاوف جدية بشأن أمن المعلومات وقدرة المؤسسات على حماية بياناتها.
وتأتي هذه الإجراءات الاحترازية في ظل تزايد حدة وتطور الهجمات السيبرانية على المستوى العالمي، واستشعارا للخطر المتزايد الذي يمكن أن تشكله على البنية التحتية الحيوية والمعلومات الحساسة للمملكة. وذكرت مصادر مطلعة لجريدة “العمق”، أن تعليمات صارمة صدرت لكافة المؤسسات العمومية لرفع درجة اليقظة وتفعيل أنظمة المراقبة الأمنية على مدار الساعة.
وأضافت المصادر ذاتها، أن عددا من القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، أخذت في مراجعة أمن أنظمتها المعلوماتية ومدى قدرتها على الاستجابة للحوادث الأمنية، بالإضافة إلى الاستعانة بخبراء ومستشارين في مجال الأمن السيبراني لتقييم الثغرات وتطوير استراتيجيات دفاعية فعالة.
وقبل تعرض موقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لهجوم سيبراني من مجموعة “هاكرز” جزائريين قبل أسبوعين، كان الصندوق قد أطلق صفقة لاقتناء حل لحماية البيانات من التسرب (DLP)، وذلك في خطوة ترمي إلى تعزيز إجراءات الأمان المعلوماتي، وضمان بيئة رقمية آمنة لحماية المعطيات الحساسة من التسريب عبر مختلف القنوات الرقمية.
ومن المرتقب خلال الأسبوع المقبل فتح الأظرفة المتعلقة بهذه الصفقة، التي تُقدَّر كلفتها بـ 2.600.400,00 درهم، بالإضافة إلى تكاليف صيانة سنوية تبلغ 1.986.000,00 درهم.
تحذيرات من الذكاء الاصطناعي
وفي تعليقه على هذه التطورات، حذّر الخبير في الأمن السيبراني، حسن خرجوج، في حديث مع جريدة “العمق” من أن تطور الذكاء الاصطناعي ساهم في تسهيل عمليات الاختراق، حيث بات من الممكن توليد رسائل إلكترونية (Emails) احتيالية يصعب تمييزها عن تلك التي يكتبها الإنسان.
وأكد خرجوج أن المغرب يشهد تطورا سريعا في بنيته التحتية الرقمية، لكنه أشار إلى أن هذا التقدم لا يُواكبه بالموازاة نفس النسق داخل المؤسسات الحكومية، ما يستوجب تحقيق توازن حقيقي بين الرقمنة والحماية.
وأشار إلى أن المغرب يُصنّف ضمن الخمسة أو الستة الأوائل في إفريقيا في مجال المعاملات البنكية الرقمية، ما يجعله هدفا مغريا للقراصنة، محذرا من أن الهجمات السيبرانية ستتزايد، وستصبح أكثر تعقيدا، خاصة بعدما تمكن المهاجمون مؤخرا من الوصول إلى قواعد بيانات حساسة.
وشدد الخبير على أن “المشكل الحقيقي ليس في الرقمنة، بل حتى في العنصر البشري”، داعيا إلى توعية المواطنين والأطر والمهندسيين في المجال، لأن البيانات المغربية أصبحت تُتداول عبر العالم، وليس فقط على “الدارك ويب”، وهو ما يشكّل تحديا حقيقيا للمجتمع والدولة.
كما دعا المؤسسات العمومية إلى عدم الاعتماد على البرامج المقرصنة أو أنظمة الحماية المجانية غير المحدثة، داعيا إلى تقييم يومي للمخاطر، وتوفير فرق عمل دائمة تعمل على الرصد والاستجابة الفورية، إضافة إلى ضرورة وضع خطة وطنية مسبقة لاسترجاع البيانات بعد الاختراق، تقوم على رؤية مستقبلية وأطر متخصصة.
ضعف الميزانية والكفاءة
من جهته، أرجع الخبير في الثقة الرقمية، الطيب صديقي، التحديات التي تواجه المغرب في الأمن السيبراني إلى محدودية الميزانيات المخصصة، وضعف الإدراك بخطورة الحوادث الرقمية وتكلفتها، إضافة إلى نقص الكفاءات المتخصصة.
ورغم إشادته بالخطوات التي اتخذتها الدولة، خاصة منذ إحداث المديرية العامة لأمن نظم المعلومات سنة 2011، وتعزيزها بوضع استراتيجية وطنية طموحة للأمن السيبراني تمتد إلى 2030، إلا أنه شدد على ضرورة تسريع وتيرة الاستثمار في تدريب وتوظيف الأطر، وتحسين بروتوكولات الأمان، مع الاستفادة من خبرات دولية في هذا المجال.
جهات خارجية معادية
من جانبه، أكد مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، أن موقع وزارة الإدماج الاقتصادي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تعرضا لهجمات سيبرانية، نجم عنها تسريب معطيات نُشرت لاحقًا على شبكات التواصل، مشيرًا إلى أن “جهات معادية” تقف وراء هذه العمليات، بهدف التشويش على المغرب.
وأوضح بايتاس أن بعض المعطيات المسربة شابتها مغالطات، كما أشار بلاغ للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي بادر بإشعار السلطات القضائية المختصة للتحقيق. واعتبر أن هذه الهجمات تأتي في سياق سياسي حساس، يتزامن مع تجديد الولايات المتحدة اعترافها بمغربية الصحراء، واصفًا ذلك بـ”الانتصار الدبلوماسي الكبير”.
وختم بأن هذه الاعتداءات تعكس انزعاج خصوم المغرب من الثقة الدولية المتزايدة التي تحظى بها المملكة بقيادة الملك محمد السادس، مؤكدًا أن الجهات المختصة شرعت في اتخاذ إجراءات لتقوية بنياتها الرقمية وتعزيز قدراتها في مجال الأمن السيبراني.
المصدر: العمق المغربي