المنتدى العربي للحرية.. دعوات لتحرير الأسواق وكسر قيود التدخل الحكومي
تلاقت رؤى متنوعة، خلال المنتدى العربي للحرية، الذي خصص لمناقشة الحرية الاقتصادية بالمغرب، حول الدور الحاسم للدولة في الاقتصاد وإعادة صياغة العلاقة بين السياسات العامة وحرية الأسواق، إذ أجمعت المداخلات على أن التدخل الحكومي، رغم كونه ضرورة في بعض الأحيان، قد يتحول إلى عائق أمام الابتكار والنمو إذا افتقر إلى الكفاءة والمرونة، مسجلة أنه ابتداء من احتكار البنوك لتوزيع الائتمان، إلى قيود سوق العمل التي تُثقل كاهل القطاع الرسمي، وصولاً إلى البيروقراطية التي تعرقل ريادة الأعمال، تبرز الحاجة إلى تفكيك الأنظمة التقليدية التي تحكم الاقتصاد، وفي هذا الإطار.
ودعا المتدخلون إلى تحرير الأسواق، وكسر احتكار النخب، وتمكين القطاع الخاص من قيادة النمو، مؤكدين أن تجاوز العقبات الراهنة يتطلب إعادة النظر في الفرضيات التي تحكم تدخل الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
في هذا السياق قدم يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، مجموعة من التوصيات التي تهدف إلى تعزيز الحرية الاقتصادية في المغرب، وأهمها التركيز على ضرورة ترشيد النفقات العامة كخطوة أولى نحو تحقيق كفاءة أكبر في الميزانية.
العدالة الضريبية
وأشار المتحدث إلى أن العجز الكبير الذي تعاني منه الميزانية المغربية، مع إيرادات تبلغ 369 مليار درهم مقابل نفقات تصل إلى 450 مليار درهم، ناهيك عن كون 90% من الإيرادات تأتي من الضرائب، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على المواطنين، ما يستلزم حسب المتحدث إصلاح نظام الوظيفة العمومية، من خلال ربط الأجور بالكفاءة والجدارة، ما يعزز من فعالية الإدارة العامة وجودة الخدمات.
وتناول الكراوي الفيلالي، مشكلة الاستثمار في المغرب، مسجلا أن المغرب يحتاج إلى 9 وحدات من الاستثمار لتحقيق وحدة واحدة من النمو الاقتصادي، ما يؤكد ضرورة زيادة حصة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإزالة العوائق التي تواجهها هذه الشركات في دخول الأسواق، علاوة على أهمية دعم التنافسية من خلال تشجيع الشركات الناشئة وتبني سياسات تعزز الحرية الاقتصادية.
وسلط المتحدث الضوء على الضغوط التي تفرضها الضرائب على المواطنين، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، قائلا إن 90% من موارد الدولة تأتي من الضرائب، مما يجعل النظام الضريبي بحاجة إلى إصلاحات حقيقية لتحقيق العدالة الضريبية، مشيرا إلى ضرورة تعزيز دور البرلمان في مراقبة السياسات الضريبية لضمان تحسين توزيع العبء الضريبي.
وتطرق المحلل الاقتصادي، إلى دور المؤسسات العامة في الاقتصاد الوطني، موضحا أنها حققت في عام 2022 رقم معاملات بلغ 330 مليار درهم، إلا أنها تعاني من مشاكل في الأداء نتيجة لسوء الإدارة والهدر، مشددا على ضرورة تحسين الشفافية داخل هذه المؤسسات من خلال تقديم تقارير دقيقة عن نفقاتها وإيراداتها، مما يساهم في تعزيز المساءلة والمراقبة.
الوعي بالجانب القانوني
ودعا المتحدث إلى ضرورة تبني عقلية القطاع الخاص في أداء المؤسسات العامة، لتحقيق الكفاءة والنمو الاقتصادي المستدام، مسجلا ضرورة تحسين البيئة الإدارية وتنفيذ إصلاحات هيكلية التي تساهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الاستدامة الاقتصادية في البلاد.
ومن جانبه أولى محمد تمالدو، من شبكة الليبراليين العرب، أهمية بالغة إلى ضرورة تعزيز الوعي بالقوانين لدى المواطنين، مع تبسيط الإجراءات القانونية، خاصة في ما يتعلق بتطبيق القوانين المتعلقة بالعقود.
وأشار المتدخل إلى أن الحرية الاقتصادية لا يمكن أن تتطور في بيئة تفتقر إلى وجود إطار قانوني واضح وآمن، مما يتطلب تعزيز الوساطة القانونية وتدريب المحامين والقضاة بشكل مستمر لضمان حسن تطبيق القوانين.
وأكد تمالدو، على أهمية تحسين استقلالية القضاء وتعزيز نزاهته، موضحا أن الوضع الحالي للقضاة يعكس قوة تأثيرهم، وهو ما قد يؤدي أحيانًا إلى صدور أحكام غير متوازنة، لذا، اقترح تمالدو تبني عملية مساءلة القضاة من خلال تدقيق ومتابعة مستمرة للأحكام الصادرة، لضمان تحقيق العدالة بشكل عادل وفعال، مسحلا ضرورة توحيد الاجتهادات القضائية من خلال لامركزية القرارات القضائية، وهو ما يساعد في تعزيز الثقة في النظام القضائي.
المساواة بين الجنسين
وفي سياق آخر، تناول تمالدو موضوع التحفيظ العقاري، الذي يعد أحد الجوانب الأساسية لتطوير الاقتصاد الوطني، إذ أوصى بتبسيط الإجراءات المتعلقة بالتحفيظ العقاري وتعميمها لضمان وصول المواطنين إلى الأراضي بشكل أكثر سهولة ووضوح. ناهيك عن أهمية توعية المواطنين بضرورة التحفيظ العقاري وكيفية تنفيذه بطريقة صحيحة.
وفيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، شدد محمد تمالدو على أهمية هذا الموضوع في تعزيز الحرية الاقتصادية، مشيرًا إلى أن تحقيق المساواة يتطلب إصلاحات قانونية وتوعوية، مضيفا بالقول إن المساواة بين الجنسين ضرورية لضمان بيئة اقتصادية مزدهرة وشاملة، حيث يجب تبسيط الإجراءات القانونية وتعزيز الوعي المجتمعي لدعم مشاركة النساء بشكل أكبر في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جهة أخرى يرى المحلل الاقتصادي وعضو سابق بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، رشيد أوراز، أن التضخم كانت له آثار سلبية على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة بعد الارتفاعات الأخيرة في أسعار المنتجات الغذائية، التي تراوحت بين 2% و13%، وهو ما يعزى إلى الصدمات الخارجية كالحرب الروسية الأوكرانية وجائحة كوفيد19، بالإضافة إلى السلوك الاستهلاكي المحلي.
ضعف المنافسة
وأبدى أوراز دعمه لمجموعة من السياسات التي يمكن أن تساهم في كبح التضخم، مثل التحكم في أسعار السلع الأساسية وتعزيز الرقابة على الأسواق.
ومن بين التحديات الأساسية التي لفت إليها المتحدث هو ضعف المنافسة في القطاع المصرفي المغربي، الذي يراه قريبًا من الاحتكار، مقترحا ضرورة تعزيز المنافسة في هذا القطاع لضمان حرية أكبر للأفراد والشركات في الوصول إلى الخدمات المصرفية، ومسجلا ضرورة بتخفيض معدلات الفائدة البنكية لتوسيع قاعدة العملاء المستفيدين وتحفيز النشاط الاقتصادي.
وتطرق أوراز أيضا إلى مسألة حرية الأفراد في فتح حسابات بالعملات الأجنبية، مشيرًا إلى ضرورة السماح للمغاربة بإجراء هذا النوع من المعاملات بحرية، ووفقًا لأوراز، فإن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز ثقة المواطنين في النظام المالي، بالإضافة إلى تقليل تأثيرات تقلبات السوق العالمي على الاقتصاد المحلي.
وأوصى المحلل الاقتصادي، بإدخال متغيرات نوعية في المؤشرات النقدية، بحيث يتم أخذ العوامل الثقافية والاجتماعية بعين الاعتبار عند قياس مستوى الحرية النقدية في المغرب، كون أن هذا الأمر سيساعد في تحسين الفهم العميق للعلاقة بين المغاربة والنظام المالي، وبالتالي صياغة سياسات اقتصادية أكثر فعالية.
خفض الأجور
هشام المساوي، أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان مولاي سليمانبني ملال، أكد من جانبه على ضرورة مراجعة سياسة تخفيض الأجور، مشيرًا إلى أن هذه السياسة قد تكون مفيدة في بعض الحالات، لكنها قد تضر بالموارد البشرية إذا لم يتم تطبيقها بحذر، مؤكدا أهمية إجراء دراسات تأثير قبل اتخاذ مثل هذه القرارات لضمان عدم الإضرار بالاقتصاد الوطني.
وأشار المساوي إلى أن سياسات التجارة الحرة لا يمكن أن تحقق النجاح المنشود إذا لم تكن متوافقة مع سياسة صناعية شاملة، لافة إلى أن المغرب قد وقع اتفاقيات تجارية دون التنسيق الكافي مع السياسات الصناعية، مما أدى إلى مشاكل في الاندماج المحلي والتنافسية، ما جعله يوصي بضرورة وجود رؤية شاملة تنسق بين السياسات القطاعية المختلفة.
وركز المتدخل على أهمية تحسين التنافسية الوطنية من خلال تقليل التكاليف المرتبطة بالأراضي والطاقة والفساد والإجراءات الإدارية المعقدة، مضيفا بأن تحسين الإنتاجية عبر الاستثمار في رأس المال البشري والتدريب المتخصص هو السبيل لتقوية التنافسية الاقتصادية.
سياسة تحريرية
في الختام، شدد أستاذ الاقتصاد على ضرورة تبني سياسة تحرير تدريجية تتيح للمغرب التكيف مع التحولات الاقتصادية العالمية، مع ضمان التنسيق بين الأطراف المختلفة وتحديد أهداف واضحة لضمان نجاح هذه السياسات.
ومن جهة أخرى تناول الأستاذ نبيل عادل، المدرس الباحث بمدرسا إسكا للإدارة، عدة قضايا جوهرية تتعلق بتدخل الدولة في الاقتصاد والمشاكل التي تواجه السياسات العامة في المغرب.
وسلط المتدخل الضوء على الفلسفة السائدة داخل الأوساط الليبرالية التي تتناقش حول كيفية تحسين تدخل الدولة بدلاً من التساؤل عن جدوى هذا التدخل من الأساس. وقال إن معظم الليبراليين أنفسهم يعيشون في “قفص” الدولة، حيث يقبلون ضمنياً بوجود دور أكبر للدولة في الاقتصاد، معتبرا أن هذه الرؤية تعيق التفكير في أساليب جديدة للتنمية دون تدخل سياسي مباشر.
وأوضح عادل أن معظم السياسات العامة التي تطبقها الدولة غالباً ما تفشل، مشيراً إلى أن السياسات الصناعية هي المثال الأكثر وضوحاً، إذ أن الدولة عند تتخذها قرارات بشأن السياسة الصناعية، لا يتم استشارة القطاع الخاص الذي سيكون مسؤولاً عن تنفيذ هذه السياسات، ونتيجة لذلك، غالباً ما تبقى هذه السياسات مجرد خطط نظرية دون تنفيذ حقيقي.
الافتراضات الخاطئة
وانتقد المتحدث ما أسماه “الافتراضات الخاطئة” التي تقوم عليها معظم السياسات العامة، أولها افتراض حياد الدولة، مؤكداً أنها غالباً ما تكون تعبيراً عن علاقات قوة يخدم فيها البعض مصالحهم الخاصة، وثانيًا، الفكرة القائلة بأن الدولة تضمن المصلحة العامة، وهو ما لا يحدث في الواقع، وأخيرًا، انتقد الافتراض أن الدولة قادرة على تنفيذ التحولات الرقمية الكبرى، رغم أن معظم المسؤولين عن التحول الرقمي لا يملكون خبرة حقيقية في هذا المجال.
وتابع: إن إحدى القضايا الهامة التي يجب معالجتها هي احتكار القطاع المصرفي لتوزيع الائتمان، قائلا إن جميع المناقشات تدور حول كيفية تقليل تأثير البنوك في الاقتصاد، دون التساؤل عن السبب في منح الدولة احتكار توزيع الائتمان للبنوك فقط.
ودعا المتحدث إلى تحرير السوق الائتماني، مما يسمح لأي شخص بتوزيع الائتمان دون الحاجة إلى المرور بالبنك، وهو ما قد يساهم في تحقيق الشمول المالي.
وفيما يخص سوق العمل، انتقد الأستاذ الباحث القوانين التي تحد من تحركات العمال في سوق العمل الرسمي، حيث تخلق هذه الحواجز توترات اقتصادية وتعزز القطاع غير الرسمي، مشيرا إلى أن فرض القيود على الفصل من العمل يزيد من تكلفة العمالة ويؤدي إلى تدني مرونة السوق.
وأخيرًا، تناول عادل قضية ريادة الأعمال في المغرب، مسجلا وجوب حصول رواد الأعمال على موافقة مسبقة من الإدارة لبدء أي نشاط اقتصادي، معتبرا أن هذا الإجراء يعوق نمو القطاع الخاص ويحد من فرص الاستثمار.
جدير بالذكر أن تقرير الحرية الاقتصادية بالمغرب، الصادر عن معهد فريزر، كشف تقدم المغرب بسبع مراتب على مستوى مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2024، مقارنة بالسنة الماضية ليحتل المرتبة 90 من بين 165 دولة.
هذا وتم تنظيم المنتدى العربي، من قبل المركز العربي للأبحاث، بشراكة مع مؤسسة فريدريش ناومان بالمغرب، وبالتعاون مع معهد فريزر (كندا) وشبكة أطلس (الولايات المتحدة الأمريكية)، كما يهدف إلى تحليل واقع الحرية الاقتصادية في المغرب، من خلال مناقشة نقاط القوة والضعف، وتحديد السبل المثلى لتعزيزها.
المصدر: العمق المغربي