المناورات البحرية بين المغرب واسبانيا بين تكريس التواجد الإقليمي وحماية الحدود الوطنية

شهدت المنطقة المتوسطية الأطلسية خلال العقدين الأخيرين تزايد وتيرة المناورات البحرية الاسبانية والمغربية بهذه المنطقة ، مما عكس تقوية التواجد الإقليمي للمملكة المغربية وفي نفس الوقت حماية حدودها الوطنية
مناورات البحرية المغربية كتجسيد للتواجد الاقليمي
منذ تولي الملك محمد السادس الحكم ، أولى المغرب أهمية خاصة لتطوير البحرية الملكية لتقليص فارق القوة العسكرية بينه وبين كل من الجزائر واسبانيا. وقد تزايد هذا الاهتمام خاصة بعد قرصة الأذن التي تعرض لها بعد أزمة جزيرة ليلى مع إسبانيا بعدما انتبه إلى أن بحريته هي أضعف قوة عسكرية مقارنة بالسلاح البري والجوي. وبالتالي فقد استغل المغرب توجس الولايات المتحدة من استهداف تنظيم القاعدة للبوارج والسفن الحربية التي تمر من المضيق، للظفر بموقع شريك استراتيجي للحلف الأطلسي عام 2004،لإقناع الولايات المتحدة و بريطانيا بضرورة انضمامه إلى نادي الدول الممتلكة لقواعد عسكرية على البحر الأبيض المتوسط، مرتكزا في ذلك إلى موقعه الجغرافي المطل على مضيق جبل طارق و موقعه الاستراتيجي المهم على الواجهتين الأطلسية والمتوسطية، وكذا قربه من المركب المينائي طنجة المتوسط. بالإضافة إلى أن بناء هذه القاعدة سيوفر للمغرب وجودا استراتيجيا في مضيق جبل طارق، وتعزيز تواجده على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق للعب دور استراتيجي في حماية مضيق جبل طارق، الذي ظل حكرا على بريطانيا واسبانيا العضوان في حلف الشمال الأطلسي. إلى جانب ذلك فبناء هذه القاعدة البحرية سيسهل على المغرب مراقبة شرق البحر الأبيض المتوسط ،وكذا منطقة الساحل جنوب الصحراء وغرب إفريقيا. وقد أثار قرار المغرب بإحداث هذه القاعدة بالقصر الصغير، قلق القيادة العسكرية الإسبانية، التي اعتبرت ذلك تحولا جديدا في الاستراتيجية العسكرية للمغرب والتفكير في تشييد قاعدة عسكرية مماثلة بمدينة سبتة المحتلة، قبل التراجع عن هذه الفكرة بسبب التكلفة الباهضة للمشروع، وانخفاض الميزانية العسكرية الإسبانية بسبب الأزمة المالية التي كانت تعرفها المملكة الاسبانية .وهكذا عمل المغرب على إنشاء أكبر قاعدة بحرية على البحر المتوسط ، حيث أعطى الملك محمد السادس، بوصفه القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، تعليماته لانطلاق الأشغال الفعلية لبناء قاعدة بحرية عسكرية على بعد 25 كلم فقط من مدينة سبتة حيث تحولت، بعد الانتهاء من بنائها وتجهيزها بعدة فرقاطات هولندية وفرنسية الصنع ،إلى قاعدة لرسو السفن التابعة للبحرية الملكية، تتولى المساهمة في حماية أمن المنطقة .وبالتالي فقد عكست المناورات البحرية التي نظمت بمناسبة الذكرى 50 لتأسيس القوات المسلحة الملكية بمدينة أكادير إلى جانب قوات الحلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة التواجد الإقليمي للمغرب كقوة بحرية واستعداده للمشاركة في مواجهة كل الاخطار المحدقة بالمنطقة على الصعيد الدولي. وفي هذا السياق ترأس الملك محمد السادس المناورات البحرية التي شاركت فيها فرقة البحرية البلجيكية بليس، والبحرية الملكية البريطانية سوتراند، وفرقة البحرية الأمريكية كار، والبحرية الفرنسية، والبحرية الإسبانية إضافة إلى كل من القوات البحرية الإيطالية والبرتغالية ، في حين شاركت البحرية الملكية ب 15 قطعة بحرية مغربية من بينها السفينة الحربية «الحسن الثاني» المختصة في المراقبة، وسفينة الكولونيل الرحماني، وناقلة الدبابات المسماة سيدي محمد بن عبد الله، وثمانية فرقاطات لأعالي البحار، منها فرقاطة الرايس بركاش و« الرايس الشرقاوي»، والرايس معنينو» والسفينتان الحربيتان «عقبة» و«تريكي».من هنا حاول المغرب أن يظهر من خلال مشاركته في هذه المناورات حضوره كقوة بحرية تريد أن تلعب دورا أساسيا ضمن الاستراتيجية العسكرية لدول الحلف الأطلسي سواء في مواجهة «قوارب الهجرة السرية» أو تسرب أية خلايا إرهابية إلى منطقة جنوب الصحراء.
المناورات البحرية المغربية واستغلال الثروات المعدنية
اندلع سباق مفتوح بين إسبانيا والمغرب للسيطرة على الثروات المعدنية الموجودة في أعماق البحار، لا سيما الجبل البحري النفيس الذي يحمل اسم “Tropic”والذي يقع على عمق ألف متر تحت مستوى سطح البحر، جنوب جزر الكناري وقبالة سواحل الأقاليم الجنوبية للمملكة . فعلى الرغم من أنه يقع خارج المنطقة الاقتصادية الحصرية لكل من إسبانيا والمغرب، وإن كان أقرب جغرافيا من المغرب إذ يبعد عن جنوب غرب جزر الكناري 250 ميل بحري (475 كم)، وعن السواحل المغربية ب241 ميل بحري (458 كلم)، إلا أصبح يشكل هدفا استراتيجيا لكل من الرباط ومدريد لما يتوفر عليه من ثروة معدنية، حيث خلصت نتائج دراسة قامت بها البعثة البريطانيةالإسبانية في عام 2016 إلى أن الجبل قد يحتوي على ما يكفي من الكوبالت لصنع بطاريات لـ 277 مليون سيارة كهربائية وهو مادة مهمة في صناعة الهواتف المحمولة ، وكذلك كمية كبيرة من التيلوريوم، وهو عنصر يستخدم في الألواح الشمسية إلى جانب النفط، ورواسب معدنية مهمة أخرى. وبالتالي فغنى منطقة تعتبرها كل من إسبانيا والمغرب ملكا لهما يمس بشكل مباشر بالمصالح الاستراتيجية للمملكتين والتنافس حول السيطرة على أكبر المواقع في هذه المنطقة البحرية.
وبالتالي ، فقد شهدت المياه القريبة من جزر الكناري خلال شهر ماي 2021 مناورات عسكرية كبرى شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية والمغرب ، حيث شاركت القوات البحرية لكلا البلدين بالإضافة لحاملة الطائرات «أيزنهاور»، والعديد من المدمرات والمقاتلات في منطقة تقع على بعد 50 ميلا بحريا فقط من أرخبيل الكناري.ورافق حاملة الطائرات عدد كبير من المدمرات والوحدات البحرية الأخرى بالإضافة إلى أسراب من المقاتلات. Le F18 « Super Hornet » est un avion de chasse et un avion de chasse. .كما شاركت الفرقاطة الحديثة عن الجانب المغربي طارق بن زياد بالإضافة إلى مقاتلات مختلفة من طراز F16 et F5.E2.. وكان من بين الوحدات المشاركة المدمرة « يو إس إس بورتر » المتواجدة في قاعدة روتا (قادس).وهي سفينة صواريخ موجهة تنتمي إلى ما يسمى بـ « الدرع المضاد للصواريخ » الذي نشرته الولايات المتحدة في إسبانيا بعد اتفاقية 2011 التي وقعت بين حكومة خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو وإدارة باراك أوباما. وقد تسببت مشاركة سفينة ذات قاعدة مستقرة في قاعدة بحرية إسبانية في مناورات مع المغرب على مسافة قصيرة جدا من مياه الكناري في انزعاج في الأوساط العسكرية الإسبانية.خاصة وأن توقيت هذه المناورات قد تزامن مع تأكيد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي خلف الرئيس ترامب الذي وقعت إدارته اتفاقية ابراهام مع المغرب . بالإضافة إلى توقيع السلطات المغربية بعض عقود التنقيب في مناطق قريبة من جزر الكناري. على الرغم من أن المعاهدات الدولية ما زالت لم تعترف بالسيادة المغربية على هذه المياه.
المناورات البحرية المغربية وحماية الحدود الوطنية
على الرغم من تأخر المغرب في ترسيم حدوده البحرية لسنوات ، إلا أن ذلك لم يمنعه من التوقيع على عدة اتفاقيات تهم استغلال ثرواته البحرية قبل أن تتهيأ الظروف السياسية المناسبة لهذا الترسيم. وقد ساهمت عدة عوامل خارجية في إسراع المغرب إلى المطالبة بترسيم حدوده البحرية تتمثل بالأساس في:
تجاوز الأمم المتحدة خطة التسوية الأولى والتي تقضي بتنظيم استفتاء في الصحراء وانتقالها إلى البحث عن حل سياسي، فيما طرح المغرب سنة 2007 مقترح الحكم الذاتي الذي وصفته الولايات المتحدة الأمريكية بـ”الجدي والواقعي وذي المصداقية”.
حالة الجمود التي يعيشها نزاع الصحراء. فالجهود الأممية، لا سيما المائدتان المستديرتان المنعقدتان في مدينة جنيف السويسرية في شتنبر 2018 ومارس 2019، بدعوة من مبعوث الأمين العام السابق للأمم المتحدة في الصحراء “هورست كوهلر” لم تتمكن من تحريك هذا الملف
دخول اتفاقيتي الصيد البحري والشراكة مع أوروبا حيز التنفيذ سنة 2019 شجع المغرب على التقدم خطوة للأمام في ترسيم حدوده البحرية، حيث أدمجت كلتا الاتفاقيتين المنتجات الفلاحية والصيد البحري في المناطق البحرية المقابلة لسواحل الأقاليم الصحراوية.
وبالتالي ، فقد كان المغرب بحاجة إلى استكمال منظومته التشريعية في هذا المجال، للحاق بإسبانيا التي لاءمت منذ سنوات نصوصها التشريعية مع اتفاقية قانون البحار، حيث قامت الحكومة بالتصديق على النصوص القانونية، لاسيما مشروع القانون رقم 37.17 الذي يدرج المجال البحري المقابل لسواحل الصحراء المغربية ضمن المجال القانوني المغربي، ومشروع القانون رقم 38.17 الذي يحدد منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية. لتتم المصادقة عليهما بالاجماع من طرف البرلمان. حيث حدد هذا التشريع الجديد حدود المغرب البحرية لتشمل المياه والجرف القاري للصحراء.
ولتكريس هذا الوضع قرر المغرب في 6 أبريل 2024 تنظيم واحدة من أضخم المناورات العسكرية البحرية، في السواحل الأطلسية بين الصحراء المغربية وجزر الكناري، بغرض تمكين القوات البحرية في الجيش المغربي من تدريب عسكري يقوم على حماية السواحل من مختلف التهديدات المرتبطة أساسا بالجريمة المنظمة والاتجار الدولي في المخدرات ومحاربة الهجرة الغير الشرعية مع التدريب على مواجهة التهديدات الأمنية التي قد تعرفها السواحل الجنوبية للمملكة المغربية. ووفق المعطيات غير رسمية، فهذه التداريب العسكرية ستستمر على مدار ثلاثة أشهر ، تشارك فيها ست فرقاطات و20 زورق دورية، من البحرية الملكية المغربية التي ستقوم بمناورات بحرية بجنوب البلاد وفي مياه الصحراء المغربية. مما أدى إلى إثارة مخاوف المسؤولين السياسيين في أرخبيل جزر الكناري. وقد حاولت الحكومة المركزية الإسبانية، على لسان وزير خارجيتها خوسيه مانويل ألباريس تبديد مخاوف مسؤولي جزر الكناري بمن فيهم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي حاولت استغلال المناورات العسكرية البحرية التي أطلقها المغرب في مياه أقاليمه الجنوبية سياسيا، من خلال الإشارة إلى أن التدريبات العسكرية المغربية التي بدأتها القوات البحرية للجيش المغربي تبعد بحوالي 125 كيلومترا عن سواحل الجزر وتتم في “مناطق محدودة للغاية” و”بعيدة جدًا” عن المياه الإسبانية، كما أنها لا تُشكل أي تهديد عسكري أو أمني مرتقب على المياه الإقليمية الإسبانية. لكن هذا لم يمنع من قيام البحرية الإسبانية، كرد على المناورات البحرية المغربية بمناورة مهمة يوم 4 مارس 2024، شاركت فيها قوة العمل البحري التابعة لجزر الكناري، تكونت من فريقي العمليات الأمنية (EOS) التابعين لقوة الحماية (FUPRO) التابعة لمشاة البحرية ومروحية B212 “Gato” التابعة للسرب الثالث من أسطول الطائرات FLOAN). في حين أفاد راديو وتلفزيون كناريا، أن وحدات من الجيش والقوات الجوية تتعاون أيضًا في هذا التمرين، وأن الغرض من هذه المناورات هو “حماية المصالح البحرية الوطنية ” . كما أفادت البحرية الإسبانية، أن وحدة الغوص في جزر الكناري أجرت أيضًا تمرينًا لتحييد لغم منجرف، من خلال نشرها من مروحية AB212 التابعة للسرب الثالث، وتضم هذه الوحدة، ومقرها في لاس بالماس أرسنال، 29 غواصًا من ذوي الكفاءة العالية، تشمل مهامهم “حماية السفن الحربية والأرصفة والمنشآت والدفاع عنها ضد الأعمال التخريبية أو الأعمال الخبيثة التي يمكن تنفيذها تحت مياه الموانئ والمساحات البحرية”. وأشارت البحرية الاسبانية ، إلى أن إجمالي 400 شخص يشاركون في هذا التمرين في البحر، حيث يقومون بتدريبات بحرية مثل التزييت بين السفن أو نقل الأوزان في البحر، بالإضافة إلى تمارين الحظر البحري والنزول باستخدام تقنية الحبل السريع بواسطة وحدة أمن جزر الكناري (USCAN) التابعة للمشاة البحرية.من هنا يظهر بأنه على الرغم من أن إسبانيا تعتبر الشريك التجاري الرئيس للمغرب وتجمعهما ملفات مشتركة منها قضايا الهجرة ومكافحة التطرف، بالإضافة على تغيير موقفها من قضية الصحراء ، فإن معركة التسابق الحاصلة بين الدولتين بسبب “جبل تروبيك” (تروبيكو) الممتد تحت مياه المحيط الأطلسي والذي يحوي ثروات ضخمة واحتياطات هائلة من المعادن والغاز، القابعة تحت مياه الأطلسي ما بين سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية وجزر الكناري التابعة للسلطات الإسبانية والتداخل الحاصل بين المياه الإقليمية المغربية والإسبانية، يؤرق السياسيين والإعلاميين الإسبان كما المغاربة، خصوصاً أن القانون الدولي يتيح استغلال المنطقة الاقتصادية. وإضافة إلى ذلك ،فقضية سبتة ومليلية ستجعل المملكتان في مناورات متواصلة كقوتين بحرتين في المنطقة يجمعهما تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة قائدة الحلف الأطلسي.
المصدر: العمق المغربي