الملك محمد السادس يشجع حوار الأديان .. والتركيز يطال 9 قضايا كبرى
الأديان أصلها لبنات في صرح واحد والتأويلات تسحب المجتمعات نحو المجهول ونحو الحروب، والمغرب أرض عرفت تاريخيا بضمان التعايش بين أفرادها من مختلف الديانات، والحوار لم يستنزف في ملف القضية الفلسطينية، واليمين المتطرف والمستقطبون نحو التطاول على المقدسات والقرآن ضحايا خطاب تبسيطي سطحي، وتفاصيل أخرى ذات صلة بواقع المغرب وعدد من الدول، كانت محور مقابلة صحافية أجرتها هسبريس مع أحمد عبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء.
في أول نسخة للمؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان، المنعقد بمراكش من 13 إلى 15 يونيو، الذي جمع حوالي 800 برلماني وشخصيات دبلوماسية من مختلف دول العالم، أثنت الوفود على المبادرة التي يحتضنها المغرب، وشددت على أهمية أن يخلص هذا المؤتمر إلى توصيات تنهي عددا من المشاكل التي تعيشها دول المنطقة.
في الحوار التالي، يقدم أحمد عبادي، الذي أشرف خلال اليومين الأول والثاني من هذا المؤتمر على إدارة عدد من حلقات النقاش، أبرز القضايا المطروحة على المنطقة التي تحتاج إلى الحوار كمدخل لمعالجتها.
هل نحن بحاجة إلى حوار بين الأديان في وقت يتحدث البعض عن عدم وجود مشكل بينها في الأصل؟
الأديان في أصلها لبنات في صرح واحد تدعو إلى السلام، والخلاف بفعل تأويلات البشر الذين ينتمون إلى هذه الأديان، والبشر بطبيعته كائن نسبي، وذلك من أبعاده كلها، سواء من خلال بعده الوجودي التمثلي، حيث خارطة الوجود التي يحملها والرؤية للوجود والعالم وللذات والآخر، كلها أمور إذا لم تدعم بالعكوف العلمي الساعي للاستكمال مع الحفاظ على مسافة النسبية، إذا لم تدعم بهذا البحث الذي يروم قدر الطاقة لهذه الخرائط عن الذات والوجود، فإن تلك الخرائط تبقى ناقصة، وحين تكون ناقصة، تكون الأفعال كذلك متسمة بالقصور، وبالتالي فالرشد لا يمكن أن يحل إلا إذا تم التعاون لاستكمال هذه الخرائط ورفع صرح رؤى تكون أقرب إلى الحقيقة وإلى واقع الحال.
البعد النفسي أيضا للإنسان يعمق هذه الأمور، لأن تدبير العواطف ومقومات الوجدان يحتاج كذلك إلى خبرة وتجربة، وفي أحيان كثيرة إلى مواكبات، حتى يكون تدبير الوجدان أقرب إلى الاتزان والرشد، فحينما لا تكون الخبرة الكافية في تدبير العواطف وتدبير مقومات الوجدان، يمكن أن يحل الغضب وردود الأفعال والعواطف السلبية التي تؤثر على التعاطي المشترك بين بني البشر، وقد يكون الدين أو الوفاء للسابقين أو المصلحة العامة ذريعة لتطفح هذه الأمور المخفية، التي حين لا يتم الاستبصار بها وتسليط الضوء عليها، قد تقود إلى مآسي.
الأبعاد كذلك المتصلة بالذاكرة يمكن أن تلعب أدوارا سلبية إذا لم ننتبه إليها ونحاول أن نستكمل أوجه القصور، وهي كلها أبواب بالإضافة إلى النظم القيمية المستبطنة من قبل بني آدم، التي قد تكون أصيلة في الأديان وقد لا تكون، فنحتاج إلى معايير ومؤشرات ومقاييس لكي نتفحص ما نحمله من قيم ونتأكد أنها فعلا صادرة من هذه الأديان في نصوصها الأصلية كما وقعها الأنبياء عن مرسلهم بالهدى وبالحق للعالمين. هذه كلها أمور تجعل من الحوار داخل الدين الواحد وما بين الأديان، أمرا وظيفيا وليس استطيقيا ترفيا.
ما هي التجارب التي أثبتت أن الحوار بين أهل الدين الواحد وبين أهل الملل والأديان المختلفة يمكن أن يعطي نتائج إيجابية؟
مثلا الحالة الإيرلندية، والإشكالات التي كانت تعرفها عاصفة، ولما تم الاهتداء إلى الحوار ما بين أهل الدين المسيحي الواحد، سواء في شقه البروتستانتي أو الكاثوليكي، استطاعوا تجاوز الكثير من الإشكالات.
كذلك التجربة العراقية، تجربة فضلى بهذا الخصوص بين الشيعة والسنة، وهي تجربة لم تعبر بعد كل لبنات القنطرة لكنها وتجارب أخرى تدل على أن الحوار مهما كان عاصفا بين أهل الملة الواحدة أو المختلفة يمكّن من التعرف ليس فقط على الآخر، وإنما كذلك على الذات.
حين نحاور انطلاقا من ديننا نكون مضطرين لنعرف هذا الدين أحسن، وحين نحاور أهل الفهوم الأخرى من نفس ديننا نحتاج إلى أن نتبين ونستمع وننصت ونقف على منطلقاتهم، وعلى مناهج تأويلاتهم لكي نفهم ماهية الإشكالات ويكون هناك نوع من الإغناء المتبادل بهذا الخصوص ونتمكن من الوقوف على البؤر والعقد التي تكون عالقة بين أهل الملة الواحدة والأخرى.
حين يكون الحوار بين أهل الدين الواحد والأديان المختلفة ويكون التركيز على الوظيفية والقضايا الحارقة التي نحتاج أن نواجهها ونحلها انطلاقا من الحكمة المتساوية لتراثنا الديني الذي هو بامتياز أخلاقي وقيمي وتجاوزي لمجرد الدنيا، نسمو نحو آفاق أخرى أكثر إشعاعا للحكمة بين أهل الدين وأهل الأديان المختلفة.
ما هي أبرز القضايا المطروحة على دول العالم التي يمكن أن يكون الحوار بين الأديان مدخلا لمعالجتها؟
هناك على الأقل تسع قضايا كبرى؛ الأولى هي القضية البيئية، نحن بصدد تدمير كوكبنا، والحفاظ على البيئة هو في الآن ذاته حق وواجب، لأنه من الحقوق التضامنية التي تتضافر فيها الحقوق مع الواجبات. وهذا التدمير المتسارع للكوكب يجعل من الأجيال كالولد الشقي الذي رجع قبل إخوته من المدرسة ووجد أمه قد صنعت حلوى لهم جميعا، فأكلها بمفرده دون أن يترك لإخوته شيئا، فنحن نستهلك حظنا وحظ الأجيال المقبلة.
الإشكال الثاني مرتبط بالتسلح المتنامي نتيجة الخوف من بعضنا بعض، ومن المستقبل والمجهول، ونعتقد من خلال هذا الخوف أن التخزين للمقدرات والأسلحة والمعلومات التي يمكن أن نهاجم بها الآخر والأسرار التي يمكن أن نبتز بها الآخر، يقود إلى كل هذه الأمور.
الأفضع أن 17 ترليون دولار ننفقها في السنة بشكل مباشر وغير مباشر على التسلح، إذا قسمناها على ساكنة الكوكب نحصل على حوالي 2280 دولارا للشخص الواحد. تصوري لو تم منح عائلة في صوماليلاند من عشرة أشخاص هذه المبالغ، ما الذي يمكن أن تصنعه بها؟
القضية الأخرى تتعلق بالهدر، هدر الزمان والفرص والجهود، مثلا عدد الأطروحات التي تنجز سنويا عبر العالم يقدر بـ80 مليون أطروحة، أي 80 مليون سنة ننفقها شذر مذر، تصوري لو أن هذه السنوات وجهت لحل الإشكالات العالقة ولإعطاء حلول للقضايا التي تقض مضجع المجتمعات، أي مشكل يمكنه الصمود أمام 80 مليون سنة من التفكير؟ لكننا نهدر هذه الفرص.
لو أننا في السودان التي تعد “قفة العالم” عوض هذا الاحتراب، لو أن هذه المياه التي تأتي في النيل الأزرق والنيل الأبيض قد تم استغلالها للإنبات في هذه الأراضي الفارغة، كان يمكن تغذية المحتاجين. للأسف، نهدر ملايين الدولارات يوميا بسبب عدم الحوار.
الإدمان لكل شيء، قضية أخرى مطروحة على العالم، الإدمان للبعد الرقمي للأدوية، والمخدرات، الأكل والإباحية والتسلية، إلى غير ذلك من الإدمانات التي تجعلنا لا نتسم بالحرية التي هي شرط من شروط العطاء المبدع.
ثم إشكالية الذكاء الاصطناعي، كيف يمكن تدبير هذه الطفرة بحكمة كي لا نقع نهبا للادعاءات بأننا أصبحنا علماء؟ بيد أننا نفتقر للمنهج و”شات جي بي تي” هي التي تحل الإشكالات في مكاننا، ثم كيف سنواجه فقدان الشغل الذي يهدد الملايين من ساكنة الكوكب إذ هناك العديد من المهن التي ستتوارى بسبب الطفرة الرقمية؟
أضف إلى ذلك الإرهاب الذي ينطلق من موقع ادعاء امتلاك الحقيقة، كيف يمكن أن نوقف هذه الكوارث من أن تحطم الأمم؟ بالإضافة إلى قضايا تتصل بالاحتياجات للاستقرار والغذاء والماء الشروب والتعليم.
لو أن حوارنا باعتبارنا أهل دين واحد أو أهل أديان مختلفة كان لمواجهة هذه القضايا الحارقة عوض أن يكون شعاراتيا أو فقط إعلانا عن النوايا الحسنة، وهو بالضبط ما أشارت إليه الرسالة الملكية الموجهة لهذا المؤتمر. نحن بحاجة لأن ننتقل من مجرد تحالف الحضارات إلى تحالف الإرادات، وأن نقرن القول بالعمل، ونحتاج إلى بناء الكفايات والقدرات من خلال التربية ونحتاج الآليات والتشريعات التي تجعل هذه الأمور مستدامة وليس موسمية.
كيف تقرؤون ما يجري على الصعيد الدولي من حيث حوادث الاعتداء على المقدسات وحرق القرآن في ظل صعود اليمين المتطرف؟
أقل ما يمكن أن يقال في هذا هو أن المستقطبات والمستقطبين ضحايا لهذا النوع من الخطاب الذي يكون في الغالب ثنائيا، من مثل أنا والآخر، أهل الأرض والأجانب، أهل الحق والباطل. وأول طريقة لاستنقاذ المستقطبين لهذا الخطاب التبسيطي الثنائي هي أن تتم تجلية حقيقة الأمر من أجل تقويض مفهوم الآخرية المبالغ فيه، وإذا استطعنا أن ننور من لا يعرفنا بتعريفنا بأنفسنا عوض أن نترك الآخر يعرف بنا، سوف يسهم ذلك في حل الكثير من الإشكالات المتصلة بهذا الصعود لليمين المتطرف.
كيف ذلك وهي مسؤولية من؟
بأن يظهر الأكاديمي من خلال الأبحاث العلمية وكتابة الكتب والمقالات وإنتاج الكبسولات سهلة المتناول التي تعرف بحضارتنا وديننا وتزيل هذا السربال من الخوف الذي يلف حولنا وديننا وحول ثقافتنا، ويصفنا بالعدوانيين واستبداديين دينيين أو ثقافيين، من خلال طرح حقيقة الأمر والبوح بمدى جمال هذا الدين وهذه الحضارة كما هما في الحقيقة، وهذا يحتاج إلى مهنية ودراية لكي نعد المضامين سهلة المتناول التي تزيل الأوهام التي تخوف بعضنا من البعض الآخر.
اليمين المتطرف ضحية لهذه المقاربة التبسيطية الثنائية، والمستقطبون بسبب هذه الإرادة لحل الإشكالات بسرعة أيضا ضحايا للخطاب التبسيطي الثنائي.
الخطوة الثانية هي أن يكون لنا من الاجتهادات ما يجعل القوة الاقتراحية لتجاوز واقع الحال السلبي نحو آفاق من الفهم المشترك من التعارف والمعرفة لبعضنا البعض وتحطيم سمك الآخرية بما لا يضيع الخصوصيات، لكن يبين أوجه التشابه، وذلك سيسهم في تقويض هذه الأوهام والدفع بنا نحو الأداء المشترك والعيش المشترك عوض العدوانات المبنية على سرابات قناعات ليست لها أصول.
هل فعلا استنفد الحوار في القضية الفلسطينية جميع مساراته ولم يعد للحوار مع إسرائيل أي نتيجة يستفيد منها هذا الملف الذي عمر طويلا؟
بأي سلطة يمكن أن ينبري شخص ليقول إن الحوار استنفد؟ وماهي السلطة التي تخول للقائلين باستنفاد إمكانية الحوار أن يقولوا هذا القول في حين إن المجالات لا تزال شاسعة ومتعددة؟
القول بأن الحوار قد فرغنا منه واستنزفت إمكاناته في حد ذاته استبداد، إذ لا ينبغي أن يغلق الباب ورب العزة يقول “يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”، مهما بلغت الاختلافات، ورغم أن ذلك قد تعتريه صعوبات لكن تبقى إمكانية العكوف المشترك لاستبانة واقع الحال ولمحاولة إيجاد حلول قبل أن يلعلع السلاح وتستعمل الوسائل المدمرة.
لا يمكن أن ندعي أن الحوار قد استنفد إمكاناته، ولا شك أنك خلال هذا المؤتمر قد استبنتِ أن الأذربيجانيين مع الأرمنيين كان بعضهم يشكو من بعض، وأن الإيرانيين كانوا يشكون من الغرب، والفلسطينيين يشكون من الإسرائيليين، والهنود يشكون من الباكستانيين، وبعض الدول الشقيقة الإفريقية بعضها يشكو من بعض، لكن الإيجابي في مثل هذه المنتديات هو أنها تمكننا من وضع اليد على الدمامل المؤلمة ومحاولة إشفائها لاستخراج كل المؤاخذات والتبرمات.
أليست للقضية الفلسطينية خصوصية، أي إن الصراع بالنسبة لهذه القضية لا يشبه الصراع في الدول التي ذكرت؟
بهذا المنطق كل أهل المشكل سيشهرون لواء الخصوصية، أكيد هناك خصوصية لكل بؤر التوتر في عالمنا، لكن هذا المنتدى يمنح منصة للنظر المتملي المنصف لكل هذه البؤر المتوترة لمحاولة معانقة الحكمة الوظيفية المتسامية، التي بإيزاء الجهود والمناكفات والمعاكسات السياسية تحاول أن ترتقي إلى أفق آخر جديد نجتنب به الأفظع.
نحاول معا أن نبحث دون أن نزيل خصوصيات وصلاحيات المنتديات السياسية والتفاوضية وغيرها في المحافل والمنتديات الأممية وغيرها، حيث هناك مجلس أمن ومحكمة عدل دولية، فبإيزاء كل هذه الوسائل نحتاج إلى شيء موازٍ يوسع ويسهل هذا الاقتراب من الحلول، لأن هذا الزمن بالذات ورث لكل ما سبق وأسلافنا قد أراقوا من الدماء وذرفوا من الدموع واستخرجوا من العرق بفعل الجهود الكبيرة التي بذلت ما يضعنا أمام مسؤولية استثنائية، وألّا نكرر أخطاء الماضي ولا نهدر هذه الدماء والدموع والعرق دون أن يتم الاختراق نحو آفاق حلول مبدعة تكون وظيفية وبأقل كلفة ممكنة ما دام ذلك متيسرا وقدر المستطاع.
كيف تقيمون تجربة المغرب في مجال الحوار بين الأديان؟
المسار المنهاجي الذي أرساه أمير المؤمنين الملك محمد السادس في مجال الحوار بين الأديان وبين الحضارات، مسار يقوم على ثلاثة أسس؛ الأول هو الوظيفية، بمعنى أنه ليس عندنا وقت لنخسره في أمور لا طائل من ورائها، وإمامنا مالك كان دائما يقول نحن قوم لا نشتغل إلا بما تحته عمل. وأن يكون أمر ما متسم بالوظيفية يعني أنه سوف ينتج ثمرات نافعة للناس وتكون عائدة على الاستثمار للوقت والمقدرات والطاقة.
من المؤكد أن تنظيم هذا المؤتمر يقتضي جهدا ووقتا للتفكير وبلورة الاستراتيجيات، وزوايا التناول، ونفقات ومن تدبيرات تنظيمية واتخاذ كل الإجراءات الأمنية، ومحاولة المواكبة بالتقريرات المهنية التي تحتفظ وتجني هذه التوصيات ولا تهدرها حيث تصبح شاخصة في سجلات تتكامل، في أفق العثور على حلول للإشكالات القائمة.
الأساس الثاني هو الإدراك الواعي بأن الكمال هو عدو الجيد، فأن نحرص على أن نكون كمالا والأنشطة كاملة لا يسمح بالقيام بما هو جيد، نحن من خلال هذا المسار نجتهد لكي نكون جيدين محاولين الاقتراب من الكمال، فإذا ظهر الجيد نقدم ونطلق المبادرات، وننظم الملتقيات حول هذا الباب حين يتحصل الحد المحترم من الشروط والمستلزمات.
حينما يتم بلوغ هذه الحدود التي تسمح بالإقدام والمبادرة، نقدم ونبادر ونحاول أن نستخلص ما يلزم من العبر والدروس واستبانة الآفاق التي تمكن من الدفع بعجلة هذه المبادرات أقرب نحو الاكتمال.
الأساس الثالث الذي يحكم منهاجيا تنظيم مثل هذه المنتديات والمؤتمرات، هو ما يحصل من تشبيك، حين نتعرف على ممثلي الديانات والمؤسسات، والحضارات المختلفة الذين لهم تجارب فضلى وكابدوا مشاكل بعينها، وعانوا من أزمات. ودفتر العناوين هذا في حد ذاته ثروة يمكن بلدنا من اكتساب شركاء، يمكنوننا من نيل حقوقنا وإيجاد شركاء لنا في المكابدة والمعاقرة لكثير من القضايا، وأن تكون لنا المرايا النقدية التي تجعلنا نعدل ونصوب وننسق خطابنا لكي يكون أكثر نجاعة ومقبولية وعبورا من مصافي حتى ينفد إلى المنتديات الكونية، وبالتبع تكون المملكة المغربية لها إسهام في هذا الإطار يجعلها غير قابلة لأن تتجاوز.
كل ما تم ذكره يجعل المملكة المغربية دائمة الحضور والاجتهاد المرتقي والمتنامي في هذه المجالات وجعلها تتبوأ مقامات متقدمة من حيث المصداقية، ومن حيث كونها تجربة فضلى تم الثناء عليها من مختلف الوفود في هذه الفعالية.
كيف يتم التعاطي مع مسألة “التعددية الدينية” بالمغرب؟
هذا في حد ذاته يدخل في إطار الاستمرارية؛ لأن الحال كان هكذا طيلة قرون، والمغرب من البلدان الفريدة التي نجد فيها المسجد والبيع والكنائس قرب بعضها البعض متساكنة، في نوع من التناسق والتناغم.
في المغرب دائما نبحث عن الحكمة المتسامية حيثما كانت، ونعرف أن الواقع ينبغي أن نتفهمه وندبره، كما ينبغي أن يخضع لحكامة فيها من الرشد ومن الحرص على الإفادة من عناصر هذا الواقع قدر المستطاع.
ووجود هذه الديانات يسجل آيات من العطاء ومن الوطنية والوقار لأهل هذا البلد ولقضاياه، حيث إن ما يتم تسجيله يجعلنا نعتز بهذه التجربة الفضلى والفريدة التي نملكها في هذا البلد، والمغاربة حيثما وجدوا بمختلف دياناتهم قد سجلوا نضالية منخرطة تماما في كل القضايا الوطنية، بدءا بالقضية الوطنية الأولى.
أخيرا، ما هي الأدوار التي تعكف عليها الرابطة المحمدية للعلماء بهذا الخصوص؟
الرابطة تعكف على هذه القضايا، وعندنا مركز تعارف، المختص في هذه الأمور ليس فقط من باب الحرص على التعايش وإنما من باب الكدح والكسب في مجال البحث العلمي، وعندنا جملة من الموسوعات التي أنتجتها الرابطة في مجال الحوار بين الأديان، باعتبار المدخل الحواري مدخلا للبناء المشترك وللتحقيق المشترك لما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
مناشط الرابطة في هذه المجالات تسعى لكي تكون دائما مستندة إلى البحث العلمي، وليس فقط إلى العاطفة أو مجرد اللقاء أو الحوار، بل نسعى أن يكون كل ذلك مؤسسا تأسيسا علميا مؤثرا لكافة الوثائق والمنصات التي تؤهل لاستيعاب أوفى للإشكالات التي تعصف بعالمنا بسبب عدم الفهم لبعضنا بعض، وتفويت فرصة التعارف التي أمر بها الله في مثل قوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
نحرص في الرابطة على أن تكون هذه الممارسات قابلة للقياس، من خلال المعايير والمحددات التي تمكن من القياس العلمي لكسبنا بهذا الخصوص، لأن ما لا يمكن قياسه لا يمكن تطويره.
المصدر: هسبريس