المقاربة القانونية لمشاكل الأسرة غير كافية .. والمرجعية الوطنية أولوية
قال مصطفى الرميد، محام وزير العدل السابق، إن تعديل مدونة الأسرة يقتضي التمسك بالمنهج الوسطي من طرف “التيار المحافظ” و”التيار الحداثي”، مبرزا أن الملك سينظر في نص المدونّة المعدّل، الذي ستقدمه اللجنة المكلفة بهذه المهمة، “بصفته أميرا للمؤمنين، وليس بصفته ملك البلاد”.
جاء ذلك في ندوة نظمتها منظمة التجديد الطلابي مساء أمس الأربعاء، حول إصلاح مدونة الأسرة، حيث قال الرميد: “من المفيد التمسك بالمنهج الوسطي وألا نحيد عنه، وأن نعتمد منهج التوافق كمنهج خلاق يُصلح ولا يفسد”.
وأضاف: “مَن أراد أن يكون في سلك المحافظين الملتزمين فله ذلك، ولكن عليه أن يأخذ ذلك بشكل من الاعتدال، ومن أراد أن يكون حداثيا أو علمانيا فله ذلك، ولكن عليه ألا يذهب بعيدا، لأننا إزاء مجتمع مسلم يريد العيش ضمن القيم الإسلامية السمحة ونظام دولة لا يسمح بالانفلات الذي يطالب به البعض”.
واعتبر وزير العدل السابق أن مشاكل الأسرة المغربية “لا يمكن معالجتها بالقانون فحسب؛ صحيح أن القانون لا بد من تجويده، ولكن الأسرة تصلح بالأخلاق أكثر مما تصلح بالقوانين، فالزواج يتم بشيء من القانون، ولكن بكثير من الأخلاق، والفراق يكون بالقانون ولكن يجب أن يكون بالأخلاق أكثر”.
واعتبر المتحدث ذاته أن المغرب “له ميزة عن باقي البلدان، ليس فقط لكونه حريصا على هويته، بل بكونه بلدا على رأسه أمير المؤمنين، وهي صفة تجعل من واجباته حفظ الدين كما حفْظ وحدة الوطن واستقرار البلد”.
وبينما تقترب اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة من إتمام عملها ورفع النص المعدّل إلى الملك محمد السادس، قال الرميد إن الملك لن ينظر في العمل الذي سترفعه إليه اللجنة بصفته ملكا، “بل بصفته أميرا للمؤمنين، الذي قال بصريح العبارة إنه لن يحل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله”.
وأبدى الرميد تفاؤلا ممزوجا بالحذر بشأن ما ستخلص إليه اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، بقوله: “ما يمكن أن تنتهي إليه اللجنة لا يمكن إلا يكون معززا للأسرة بكل مكوناتها”، غير أنه استدرك: “لا يمكن أن أقول لكم اطمئنوا بشكل مطلق، لأن الأمر يتعلق بعمل بشري، يحتمل الصواب والخطأ، ولكن من الناحية المبدئية أنا جد مُطمئن مع كل الحذر اللازم”.
ولفت المتحدث الانتباه إلى أن حساسية وخطورة مدونة الأسرة جعلا الملك يتولاها شخصيا، ويسنّ مسطرة استثنائية للنص القانوني المنظم لها، تختلف عن المسطرة المتّبعة في إعداد وصياغة باقي التشريعات التي يكون مصدرها إما المجلس الوزاري حين يتعلق الأمر بصنف من القوانين، مثل القوانين التنظيمية والقوانين الإطار، أو المجالس الحكومية، ثم البرلمان حين يتعلق الأمر بالقوانين العادية.
واعتبر الرميد أن التعديل الجاري على مدونة الأسرة “لا يثير كثيرا من المشاكل التي أثيرت في السابق (تعديل المدونة سنة 2003)، والذي كان مرتبطا بمشروع إدماج المرأة في التنمية (مشروع تم تقديمه إبان حكومة التناوب) الذي كان ذا أبعاد علمانية إلى حد ما”، وفق تعبيره.
وأردف بأن الملك اعتمد، في التعديل الحالي، على لجنة ثلاثية (المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان)، نظرا للأبعاد القانونية والقضائية للموضوع، بخلاف المنهجية المعتمدة في التعديل السابق، “حيث كانت هناك لجنة موسعة تتكون من حساسيات مختلفة أفرزت خلافاتها صراعا فكريا كاد أن يعصف باللجنة”.
وانتقد الرميد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ذاهبا إلى القول إنه “يخرق الدستور”، وذلك في سياق حديثه عن دعوة “التيار الحداثي” إلى إعطاء الأولوية للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب على حساب القوانين الوطنية، وهو ما رفضه الرميد، مبرزا أن الوثيقة الدستورية نصت على أن الاتفاقيات الدولية ينبغي أن تكون في إطار أحكام الدستور وهوية المملكة.
وأشار إلى أن اتفاقية فيينا لعام 1969، التي تنظم الممارسة الاتفاقية، تعطي للدول الحق في أن تتحفظ على بنود الاتفاقيات التي ترى أنها لا تتلاءم مع هويتها الوطنية أو بعض معطياتها القومية.
الرميد استعرض مقتضيات الفصل 161 من الدستور الذي ينص على أن “المجلس الوطني لحقوق الانسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات وحمايتها وبضمان ممارستها الكاملة والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال”.
وعلّق على مضمون الفضل المذكور بالقول: “من واجب المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يلتزم، أولا، بالمرجعيات الوطنية، ثم المرجعيات الدولية ثانيا، وعندما تجد مجلسا لا يراعي المرجعيات الوطنية، ويهتم فقط بالمرجعيات الدولية، فهو يخرق الدستور ومقومات الأمة وضميرها”.
وأردف: “ينبغي على مؤسسات الدولة أن تأخذ أولا بالمرجعيات الوطنية، ثم ثانيا بالمرجعيات الدولية. ولكن أحيانا يكون هناك تصادم، وهنا ننظر في الأمر، فما ليس فيه تصادم نأخذ به، وما فيه تصادم وتناقض فلا يجوز أن نعتمد فيه المرجعية الدولية على حساب المرجعية الوطنية”.
المصدر: هسبريس