المغرب يوظف قدرات الذكاء الاصطناعي في محاولة استباق حرائق الغابات
بمقر المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية والبيئية بالرباط، اجتمعت “اللجنة المديرية للوقاية ومكافحة الحرائق الغابوية”، اليوم الثلاثاء، لتقديم حصيلة حرائق الغابات للموسم المنصرم 2022، وتتبّع سير الاستعداد للموسم الحالي، تحت رئاسة عبد الرحيم هومي، المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، وبحضور كافة الشركاء المعنيين من مؤسسات وطنية مختلفة.
وشهدت الاستراتيجية الوطنية “غابات المغرب” تفعيلا جديدا عبر عرض “المخطط المديري الجديد للتدبير المندمج لحرائق الغابات للفترة 2023“2033؛ فيما علمت هسبريس أن “المناقشات بشأنه ما زالت مستمرة قصد تدارسه والتوافق عليه”.
اللقاء “المغلق”، الذي دام قرابة ساعتين، كان “فرصة لتقييم وعرض النتائج والدروس المستقاة من حرائق الغابات لموسم 2022، فضلا عن استعراض الوسائل والتدابير التي ستتم تعبئتها للموسم الجديد 2023″، وفق مخرجاته التي قدمتها الوكالة الوطنية للمياه والغابات، في ندوة صحافية أعقبت الاجتماع.
هومي أكد أن “الضغط بالمجال الغابوي يزيد خطر اندلاع الحرائق بالغابات المغربية، مثل نظيراتها في البحر الأبيض المتوسط”، لافتا إلى أنها “تتميز بقابلية اشتعال مرتفعة خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض رطوبة الهواء وشدة الرياح الجافة والساخنة “شرقي”.
“2022 .. حصيلة حرائق استثنائية”
وفق أرقام الوكالة وتصريحات مديرها العام، أحصت غابات المغرب سنة 2022 حصيلة سنوية “استثنائية” سَجَّلت ما يناهز 500 حريق أتى على 22 ألفا و762 هكتارا من المساحة الغابوية، 37 في المائة من هذه المساحات المحروقة عبارة عن أعشاب ثانوية ونباتات موسمية”.
وأبان التوزيع الجغرافي للمساحات المتضررة من الحريق، في الموسم الفارط، تصدُّر جهة طنجة تطوان الحسيمة للمناطق المتضررة من الحريق بـ188 حريقا، أتت على 18 ألفا و704 هكتارات، تليها جهة فاسمكناس بـ99 حريقا اجتاحت 1775 هكتار من المساحة الغابوية.
ويفُسَّر هذا التوزيع بالكثافة العالية للغطاء الغابوي بهذه المناطق، والظروف المناخية الجافة خلال موسم الصيف، وكذلك ارتفاع الضغط البشري على الموارد الغابوية.
مصالح “وكالة المياه والغابات” عزَتْ هذه الحصيلة إلى تميُّز الظروف المناخية لسنة 2022 على الصعيد العالمي، بـ”جفاف وسلسلة موجات حر استثنائية”، مؤكدة أن “المغرب، على غرار باقي بلدان العالم، شهدت عدة مناطق موجات حرارية شديدة خاصة في شهر يوليوز، حيث تم تسجيل “أرقام قياسية”.
وعلى صعيد بلدان حوض المتوسط، ساهمت هذه الظروف المناخية والجوية الاستثنائية في نشوب وانتشار حرائق مهولة؛ وقدَّرَ النظام المعلوماتي الأوروبي لحرائق الغابات (EFFIS) مجموع المساحات المتضررة بكل من إسبانيا بـ288 ألفا و86 هكتارا، والبرتغال 90 ألفا و158 هكتارات، وفرنسا 62 ألفا و154 هكتارا، وإيطاليا بـ47 ألفا و228 هكتارا، وأخيرا الجزائر بمساحة تقدر بـ47 ألفا و170 هكتارا.
على الرغم من النتائج الاستثنائية المسجلة خلال موسم 2022 مقارنة بالسنوات السابقة، فإن الوكالة أكدت أن سياسة الوقاية من الحرائق ومكافحتها بالمغرب المعتمدة من طرف جميع الشركاء المعنيين، وخاصة وزارة الداخلية والوكالة الوطنية للمياه والغابات والسلطات المحلية والوقاية المدنية والدرك الملكي والقوات الملكية الجوية والقوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة، “ساهمت بشكل كبير في التقليل والحد من الأضرار والخسائر الاجتماعية والبيئية المحتملة”.
“تأهب لحرائق مبكرة”
“المصالح المختصة رفعت جاهزيتها تحسُّبا لحرائق مبكرة، لاسيما مع موجات حر متتالية في فصل ربيع 2023، ونظرا للجفاف وموجات الحرارة الطويلة المسجلة، ينتظر أن يتزايد خطر نشوب حرائق الغابات هذا الموسم”، التأكيد هنا لفؤاد العسالي، رئيس المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية الغابوية، في تصريح لهسبريس على هامش اللقاء، مؤكدا أنه “تم اتخاذ جميع التدابير الاستباقية من طرف الشركاء المعنيين لمواصلة الجهود الرامية إلى تثمين سياسات الوقاية ومكافحة حرائق الغابات”.
كما أكدت مصالح الوكالة الوطنية للمياه والغابات الاستعانة هذه السنة بخمس طائرات “درون” في تجربة وصفها هومي بالفريدة من نوعها والتي كان المغرب سبّاقا إلى اعتمادها السنة الماضية بين دول شمال إفريقيا”.
ماليا، خُصص للوقاية من الحرائق مبلغ 200 مليون درهم في 2023 لـ”توفير التجهيزات والوسائل الكفيلة للحد من اندلاع الحرائق؛ من خلال تعزيز دوريات المراقبة للرصد والإنذار المبكر، وفتح وصيانة المسالك الغابوية ومصدات النار بالغابات، وتهيئة نقط الماء مع صيانة وإنشاء أبراج جديدة للمراقبة، وتوسيع الحراجة الغابوية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل المسالك، وكذلك شراء سيارات جديدة للتدخل الأوّلي”.
وفي هذا السياق، وضعت الوكالة الوطنية للمياه والغابات (ANEF) وبتعاون مع جميع الشركاء المعنيين خطة رئيسية جديدة للتدبير المتكامل لحرائق الغابات للفترة 20232033. وتحدد الخطة، التي تستند إلى 7 محاور ذات أولوية، الإجراءات التي يتعين تنفيذها خلال العشرية المقبلة للوقاية من حرائق الغابات ومكافحتها مع مراعاة الآثار المتوقعة الناجمة عن تغير المناخ.
“الذكاء الاصطناعي” لاستباق الحرائق
قصد تحسين جودة الوقاية من حرائق الغابات، يراهن المغرب على “استخدام التقنيات الجديدة عبر تطوير نظام معلوماتي جديد يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لإنجاز خريطة لمخاطر حرائق الغابات وإطلاق تنبيهات التدخلات المناسبة وفقا لها”.
ويوفر هذا النظام، الذي يعد الأول من نوعه في حوض البحر الأبيض المتوسط، واطلعت عليه هسبريس، “منصة يومية للتنبؤ بحرائق الغابات لمنطقة طنجة تطوان الحسيمة كمنطقة استطلاعية وريادية (تجربة أولية).
كما يقدم “خريطة يومية لدرجات مخاطر نشوب الحرائق و انتشارها بدقة متناهية جدا، مصحوبة بإمكانية تفسير المخاطر، لتوفير معلومات قيمة لفرق المكافحة الموجودة مسبقا في الميدان، مع مراعاة عوامل مثل التغيرات المناخية، والصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية، والمعلومات الاجتماعية والاقتصادية، وطبيعة الغطاء الغابوي وحالته”، وفق شروحات قدمها المسؤولون لهسبريس.
“هذه الحسابات الاستباقية والمكثفة المعتمدة في النظام كانت ممكنة بفضل دعم “الحوسبة عالية الأداء” (HPC) التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في بنجرير، إضافة إلى البيانات ذات الصلة من المديرية العامة للأرصاد الجوية الوطنية”، أكد الهومي في تفاعل مع أسئلة الإعلاميين.
“جل حرائق الغابات (95 في المائة) يكون سببُها الإنسان والأنشطة المتعلقة به”، صرّح العسالي كاشفا تعويل الوكالة على التحسيس والتوعية لجميع مستخدمي ومرتادي الغابات مثل المخيِّمين ومربي النحل والرعاة وغيرهم، توخي اليقظة والحد من استخدام النار قدر الإمكان خلال فترة الصيف.
“الهدف هو تجنب أي عمل غير مقصود يمكن أن يسبب الحرائق، وإبلاغ السلطات المختصة على الفور بأي بداية حريق أو سلوك مشبوه لمحاولة الحفاظ على إرثنا الغابوي ذي الأدوار السوسيواقتصادية والبيئية المهمة”، خلص المسؤول.
المصدر: هسبريس