المغرب يواجه شبح ارتفاع أسعار المحروقات مع تصاعد توتر الشرق الأوسط
تستمر رقعة الصراع في الشرق الأوسط في التمدد نحو جبهات جديدة لتبادل الضربات العسكرية، خصوصا إسرائيل وإيران، والتهديد بضرب منشآت إستراتيجية حساسة في كلا البلدين، وهو ما يرفع منسوب المخاوف من خطر “حرب إقليمية” شاملة باتت موشكة بعدما كانت فقط ضمن سيناريوهات المحلّلين.
وباستقراء البيانات المتاحة حول تداولات أسعار النفط ومشتقات المواد البترولية يتبيّن أن الأسبوع الماضي كان شاهداً على منعطف “أكبر قفزة أسبوعية” منذ أوائل عام 2023. فيما واصل النفط ارتفاعاته مباشرة بعد الهجوم الإيراني على مناطق بإسرائيل بحوالي 200 صاروخ باليستي، متجاوزا عتبة 80 دولارا للبرميل.
ورغم أن النفط من أكثر المواد الطاقية تقلباً بشكل متسارع فإن الملاحَظ، حسب ما تتبعتْه هسبريس، هو مواصلة مسار مكاسبه في تعاملات اليوم مدفوعا بمخاوف من اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، وتعطُّل محتمل للصادرات في المنطقة الرئيسية المنتجة.
ومع حلول الذكرى الأولى لعملية “طوفان الأقصى” (7 أكتوبر) التي أطلقت حرباً مستمرة على جبهات عديدة كانت تداولات خام برنت للعقود الآجلة تشير إلى اقتراب سعره من نطاق 80 دولاراً للبرميل.
“تحليق أسعار المحروقات”
تفاعلا مع الموضوع، وتعليقا على أبعاده، أكد الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز العضو في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أن “أسعار المحروقات بالمغرب مرشَّحةٌ للارتفاع بعد التطورات الميدانية الأخيرة”، مبرزاً أنه “بعد أسبوع من ضرب إيران الكيان الإسرائيلي ارتفع ثمن برميل النفط بأكثر من 10 دولارات، وبمعدل يفوق الدولار الواحد في اليوم؛ وهو ما ينذر بارتفاع أسعار المواد النفطية ومنها المحروقات وأساسا الغازوال، الذي يستهلك منه المغرب أكثر من 6 ملايين طن سنوياً”.
وضمن تعليق له على الموضوع توصلت به هسبريس تابع اليماني بأنه “في حال استمرار منحى التصاعد، بسبب اشتعال الحرب في الشرق الأوسط، وركوب إسرائيل وأمريكا موجة التصعيد، فمن الممكن أن تعرف بعض الدول غير المنتجة للبترول أزمات واضطرابات في التزويد”، مضيفاً إلى ذلك “عامل الارتفاع في الأسعار، التي قد تفوق مستوى الأسعار في بداية الحرب الروسية الأوكرانية مطلع 2022″، وفق تقديراته.
وأرد المهني المتابع للشأن الطاقي بالمغرب: “رغم محاولات أمريكا والدول الدائرة في فلكها الرفع من إنتاج النفط الخام، بغاية تغليب العرض على الطلب، وتهدئة روع البرميل من أجل تأزيم الروس في تمويل الحرب ضد الأوكرانيين، من جهة، ومن جهة أخرى من أجل المحافظة على ثمن البنزين المناسب للمستهلك الأمريكي، وتفادي تأثيرات ذلك على الانتخابات الأمريكية القادمة في نونبر، فإن الحرب إذا استعرَت نارها وتوسعت رقعتها ستدفع لا محالة في اتجاه تحليق أسعار المحروقات، ويمكن للتر من الغازوال بالمغرب أن يتجاوز 15 درهما وما فوق”.
وبأسف سجل اليماني مصرحاً أن “ما يعرفه العالم، اليوم، من الجُنوح للقوة في العلاقات الدولية والتنكّر لقيم السلم والسلام، ومن اضطرابات وحروب، يتطلب التعاطي الإيجابي والجدّي للقائمين على شؤون البلاد، والعمل على الرفع من الاحتياطات الوطنية من الطاقات البترولية، والرجوع إلى مسار تكرير البترول داخل المغرب”، محذرا مما وصفه بـ”الاستمرار في ضرب القانون المتعلق بتوفير الاحتياطات القانونية، والاكتفاء ببناء الصهاريج الفارغة وتشييد محطات التوزيع وبأكثر من 80% في العالم القروي…”، وهي إجراءت بحسبه “لن تقِي المغرب شظايا الحروب التي تقع في بلدان منابع البترول والغاز وفي المضايق والمعابر البحرية التي تمر منها أغلب تجارات الطاقة العالمية”.
“المخاطر تبلغ مداها”
من جهته استحضر مصطفى لبراق، خبير مغربي في اقتصاديات وأسواق الطاقة، مختلف مستجدات التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، دون إغفال الحرب المشتعلة في جبهة جنوب لبنان، قائلا إن “التصعيد الذي تهدد به إسرائيل في حال ضربها منشآت إيرانية سيطال مصادر أولية للإنتاج النفطي تعد حساسة جداً”، خاصة أن إيران من دول منظمة “أوبك”.
وفي أسوأ السيناريوهات القاتمة التي تطرق إليها الخبير الطاقي المغربي، متحدثا إلى جريدة هسبريس، يبرُز “التخوف الكبير من تداعيات ردود متبادلة بين طهران وتل أبيب قد تدفع بإيران وسلطاتها إلى اتخاذ قرار إغلاق مضيق هرمز؛ لاسيما أنها الدولة المتحكمة في معظم المسارات التجارية التي تمرّ عبرها مختلف ناقلات النفط القادمة من دول الخليج العربي”.
وسجل لبراق أنه في حال اتساع الحرب أو تمدّدها نحو ضرب منشآت أو بنيات تحتية إستراتيجية حساسة فإن “ثلُث التجارة الدولية للنفط والمحروقات سيتضرر، لأن معبر مضيق هرمز يشكل 27 إلى 30 في المائة من مجموع حركية ناقلات النفط التي تجوب العالم”، معبراً عن أمله ألاّ تطال الحرب المنشآت النفطية “التي وجب إبعادها وجعلها في منأى من أيّ تصعيد خصوصا بمنطقة الخليج التي تضم أكبر مُنتجي النفط عالمياً”.
وحذّر الخبير ذاته في تعليقه للجريدة من “عودة شبه يقينية لخطر شبح التضخم في مختلف أسعار المواد مثلما كان الأمر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهو سيناريو من المحتمل أن يتكرر مرة ثانية إذا ارتفعت أسعار النفط العالمية التي ترفع بدورها تكاليف نقل السلع والتجارة بين الدول”، متوقعا في السياق ذاته “تضررا كبيرا بالنسبة للدول المستوردة للنفط، ومنها المغرب، خاصة في سياق تزايد الطلب على الطاقة كموضوع متجدد في السنوات الأخيرة”.
ووفق تقدير لبراق فالأمر يتعلق بـ”سيناريوهات ممكنة جداً تظل بحظوظ مخاطر مرتفعة جدا”، مبرزا أن “بلوغ مستوى أسعار النفط نطاق 78 إلى 80 دولارا للعقود الآجلة ليس سوى بداية المؤشرات المنذرة”، وقال ختاما: “رغم ارتفاع درجة اللّايقين الاقتصادي إثر التوترات الجيوسياسية وجب على مختلف الفاعلين في المنظومة الطاقية الوطنية الاستعداد المسبق عبر ضمان تطبيق إستراتيجية ثابتة للتخزين الاحتياطي التي تنص على 60 يوماً على الأقل المنصوص عليها قانونياً، مع تحيين خطط العمل الممكنة وفق التطورات المستجدة”.
المصدر: هسبريس