أكد تقرير حديث صادر عن المعهد الصيني الإفريقي للبحوث الصناعية أن “طموح المملكة المغربية لتأمين 60 في المائة من احتياجاتها المائية بحلول سنة 2030، هو طموح كبير يقف خلفه برنامج استثماري يتجاوز 10 مليارات دولار، يعتمد بالكامل على الطاقات المتجددة، ضمن موجة جديدة من مشاريع تحلية المياه ونقلها”.
وأوضح التقرير ذاته أن “المغرب استفاد طويلا من سواحله المطلة على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ومن مناخه المعتدل، ليصبح أحد أهم مصدري الخضر والفواكه إلى أوروبا، خاصة خلال فصل الشتاء، غير أن موجة الجفاف المستمرة منذ عام 2017، التي امتدت سبع سنوات، قلبت هذه المعادلة رأسا على عقب”، مشيرا إلى أن “انخفاض منسوب المياه الجوفية في بعض المناطق المغربية بلغ معدلا يتراوح بين متر ومترين سنويا، فيما جفّت بعض الآبار كليا”.
وسجّل أن “الحكومة المغربية توجّهت نحو فرض قيود صارمة على الزراعات المستهلكة للمياه؛ فقد مُنعت زراعة البطيخ كليا في إقليم طاطا، وخُفّضت مساحته بنسبة 75 في المائة في زاكورة، إلا أن حظر بعض الزراعات وحده لا يكفي لحل المشكلة جذريا؛ إذ يؤدي النمو السريع للسكان في المدن وتعافي قطاع السياحة إلى زيادة سنوية في الطلب على مياه الشرب بنسبة تتراوح بين 4 و5 في المائة”.
وتابع: “لمواجهة هذه الأزمة، وضع المغرب خارطة طريق تُعد الأكثر طموحا في شمال إفريقيا في مجال تحلية مياه البحر. وبحلول دجنبر الحالي، كانت هناك 17 محطة تحلية قيد التشغيل بطاقة سنوية تبلغ 345 مليون متر مكعب، إضافة إلى أربع محطات قيد الإنشاء، من بينها المشروع العملاق في الدار البيضاء بقدرة إجمالية قدرها 540 مليون متر مكعب، من المقرر أن يدخل الخدمة قبل عام 2027″، مستحضرا “اعتزام الحكومة طرح مناقصات في السنوات المقبلة لبناء ما لا يقل عن تسع محطات جديدة، بهدف بلوغ طاقة إجمالية قدرها 1.7 مليار متر مكعب بحلول عام 2030”.
وذكر المعهد الصيني الإفريقي للبحوث الصناعية أن “أكبر هذه المشاريع أيضا، وهو المشروع الرائد، يقع جنوب مدينة تيزنيت، باستثمار يقارب 10 مليارات درهم (نحو مليار دولار)، وبطاقة سنوية مصممة تبلغ 350 مليون متر مكعب. ولن يقتصر دوره على تزويد المدن الساحلية على المحيط الأطلسي بمياه الشرب، بل سيمد أيضا مناطق أخرى في الداخل بالمياه لأغراض زراعية عبر شبكة أنابيب ضخمة”.
وذكر المصدر ذاته أن “الكلفة المرتفعة لمشاريع تحلية المياه طالما كانت عقبة رئيسية أمام توسع هذه المشاريع، غير أن المغرب يعتمد مقاربة مزدوجة تقوم على توظيف الطاقات المتجددة؛ إذ تروّج البلاد لتقنية الألواح الشمسية العائمة فوق السدود، حيث أظهرت تجربة أولية في سد قرب طنجة أن هذه التقنية تقلل التبخر بنسبة 30 في المائة عبر حجب أشعة الشمس، ما يتيح توفير نحو مليار متر مكعب من المياه السطحية سنويا على المستوى الوطني. ومن المقرر تعميمها في السدود الجنوبية والجبلية”.
وبيّن التقرير أنه “رغم الآفاق الواعدة لتحلية المياه في المغرب، إلا أن هذا الأمر لا يخلو من تحديات، أولها التمويل؛ فمشروع تيزنيت وحده يتطلب استثمارا بقيمة مليار دولار، فيما يُقدّر إجمالي الاستثمارات اللازمة لتحقيق طاقة 1.7 مليار متر مكعب بأكثر من 20 مليار دولار”، مشيرا إلى أن “المغرب يسعى في هذا الصدد إلى استقطاب مؤسسات مالية دولية، وصناديق سيادية خليجية، إلى جانب الصناديق الأوروبية الخضراء، رغم تحمّله الجزء الأكبر من هذه الاستثمارات”.
أما التحدي الأخير فيتعلق بالمخاطر البيئية؛ إذ أكد التقرير أن “عمليات التحلية بالتناضح العكسي تنتج محاليل ملحية عالية التركيز تتطلب تصريفا دقيقا لتفادي الإضرار بالبيئة البحرية القريبة، كما أن السحب المكثف لمياه البحر قد يؤثر في التيارات المحلية”.
وأبرز المعهد سالف الذكر أن “المغرب يحاول تحويل أزمة الجفاف إلى نموذج عالمي للتكيف مع تغيّر المناخ، عبر منظومة متكاملة تجمع بين تحلية مياه البحر المعتمدة على الطاقات المتجددة، ونقل المياه على نطاق واسع، وتقنيات توفير المياه باستخدام الألواح الشمسية العائمة، لتشكّل ما يشبه دورة مائية اصطناعية كاملة”، مؤكدا أنه “إذا تحقق هدف 1.7 مليار متر مكعب بحلول عام 2030، سيصبح المغرب أول دولة في العالم يعتمد أكثر من نصف مياه الشرب فيها على تحلية مياه البحر، مع فرصة حقيقية للتحرر من الصدمات الدورية للجفاف”.
المصدر: هسبريس
