المغرب ينتصر لقيم الحرية بعدم منع شريط “باربي” وأفلام سينمائية أخرى
قبل أسابيع، نادى حزب العدالة والتنمية الإسلامي بوقف عرض فيلم “أزرق القفطان” لمريم التوزاني بقاعات العرض السينمائية، بمبرر أنه “يطبع مع الشذوذ”، فلم تستجب الجهات الوصية. كما انتشرت مؤخرا أخبار عن منع لبنان والكويت وسلطنة عمان والجزائر عرض فيلم “باربي” الأمريكي بحجة أنه “يروج للمثلية الجنسية، التي لا تتوافق مع المعتقدات الدينية والقيم الأخلاقية والثقافية”، ومع ذلك لم يتخذ المغرب الخطوة ذاتها.
نقاد كثيرون، منهم محمد شويكة، ثمنوا “انتصار المغرب لحرية السينما وعدم منعه الأفلام وتركها تقاوم مصيرها في شبابيك التذاكر، فإما أنها ستنجح في إقناع المشاهدين بجدوى المشاهدة أو ستخلق ازدراء قيميا في تصورات رواد السينما المغاربة، معتبرين أن “الفيصل في هذه الحكاية هو الجمهور، ومنع الأفلام في صالات العرض لن يحد بالضرورة من رواجها في وسائط أخرى”.
المنع خارج التاريخ
محمد شويكة، ناقد سينمائي مغربي، قال إن “المغرب لم يمنع الأفلام التي أثارت جدلا، لكونه أدرك أن منطق الأشياء يفيد بأن المنع لا يستطيع أن يوقف عملية المشاهدة، وهذا كان واضحا مع فيلم (الزين لي فيك) لنبيل عيوش، فرغم رفضه ومنعه فقد شاهده المغاربة”، مضيفا أن “منع الأفلام من العرض هو سلوك متجاوز جدا وخارج التاريخ، وهو في الأصل، وفق ما يبدو، قرار سياسي وليس بالضرورة ثقافيا يود تحصين القيم والعادات”.
وبحسب تصريح شويكة لهسبريس، فإن “هذا المنع لا يبدو أن له أغراضا فنية أو لها علاقة مباشرة بالمجتمع”، مبرزا أن “المغرب قرر الانسحاب من هذه السيرورة لكونه فهم قيمة السينما على المستوى الفني وأدرك الدور الذي يمكن أن تقوم به؛ فالمغرب في السابق كان يعلم الناشئة دروسا متعلقة بالتعايش وتقبل الاختلاف والتربية على المواطنة، إلخ، ثم يأتي ليمنع فيلما من العرض ليضرب عرض الحائط كل ما علمهم إياه من قيم”.
وأورد الناقد الفني أنه “تبين لصناع القرار الثقافي أن قرارات المنع لا مصداقية لها لدى الأشخاص، فما بالك بالمثقفين والمفكرين”، مضيفا أن “المغرب منذ سنوات أرسى دعامات صناعة سينمائية تتميز منذ التسعينات إلى اليوم بهوامش كبيرة من الحرية والإبداع، طرقت تقريبا كل الطابوهات بطرق مختلفة كالجنس والسياسة، واتضح فيما بعد أن جزءا مهما من المغاربة ليس كبقية الشعوب التي تخاف من بعض المحتويات”.
وعي صاعد
من جانبه، قال الناقد السينمائي عبد الله الشيخ إن “اتجاه المغرب مؤخرا لعدم منع الأفلام يدخل في إطار تصور البلاد لإعادة تأهيل بنيات الصناعة السينمائية، ومن بينها القاعات”، مضيفا أن “صناع القرار بدؤوا يدركون أن حياة الشريط كاملة تدور في السينما، خصوصا في حدود معينة لا تؤدي إلى أي اصطدام، ورواد السينما يذهبون لمشاهدة الفيلم، يعني أن السينما نحن نذهب إليها، ونحن من يختار، وهذا مختلف عن التلفزيون حين يُدخل الأفلام إلى بيوتنا”.
وذكر الشيخ، ضمن تصريح لهسبريس، أن “المغرب صار يعبر عن وعي سينمائي، ولو أن البعض قد يقول إنه جاء متأخرا، ولكن المهم أنه جاء”، مشددا على أن “محاولات تجرد السينما المغربية من الأحكام الأيديولوجية والسياسية والمذهبية، لا يعني معاداتها ولا يعني بالضرورة محاولة القضاء عليها، لكونه تحررا فقط من قبضتها، مع احترامها وضمان حقها في أن تكون خارج أنظمة الوصاية على الفن، وبالعكس يجب أن ندفع بالمشهد السينمائي المغربي في اتجاه التنوع والانتصار للتعايش”.
وأكد المتحدث أن “سؤال الأخلاق والعقائد يجب أن يبقى بعيدا عن السينما، بوصفها فضاء حرا ومستقلا، وينتعش داخل قاعات سينمائية مغلقة ونخبوية، وينتعش أيضا داخل المهرجانات السينمائية الكبرى”، مؤكدا أن “السينما لا يجب أن تناقش خارج السينما، بل بوسائل تفكيك السينما نفسها، وهذا نقاش فلسفي، لأن الجرأة الفنية ليست هي الجرأة الأخلاقية، وبالتالي لا علاقة لها بالطابو، فالسينما فن وإبداع وخلق، ما يعني محاولة الخلخلة والمساءلة”.
المصدر: هسبريس