في خطوة تشريعية جديدة لتعزيز ضمانات الحق في الحياة، دخلت مستجدات القانون رقم 0323 المتعلق بالمسطرة الجنائية حيز التطبيق، مركزة على تشديد شروط إصدار الأحكام بعقوبة الإعدام، والارتقاء بالإجراءات القضائية المرتبطة بها إلى أعلى درجات التدقيق.
إجماع القضاة شرط للنطق بالحكم
أبرز هذه المستجدات تمثل في تعديل المادة 430 من قانون المسطرة الجنائية، حيث أصبح إجماع القضاة الذين تتألف منهم هيئة الحكم شرطا وجوبيا للنطق بعقوبة الإعدام. وينص التعديل صراحة على أنه:”لا يمكن النطق بعقوبة الإعدام إلا بإجماع القضاة الذين تتألف منهم هيئة الحكم، ويشار إلى الإجماع في منطوق الحكم.”
ويُعد هذا المقتضى تحولا عن النص السابق الذي كان يكتفي بقرار الأغلبية في جميع الأحوال، ويعكس إقرار الدولة بالحق في الحياة كأهم الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، وبضرورة إحاطة هذه العقوبة بأقصى الضمانات لتفادي الأخطاء القضائية التي لا يمكن تداركها.
وحسب مذكرة للمديرية العامة للشؤون القضائية قطب القضاء الجنائي فإن هذا المستجد يأتي استنادا إلى أهمية الحق في الحياة وضرورة حمايته، وفقا للفصل 20 من الدستور المغربي لسنة 2011. كما يهدف التعديل إلى تفعيل الالتزامات الدولية للمغرب، لا سيما ما يتوافق مع الفقرة الثانية من المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تقيد تطبيق عقوبة الإعدام على “أشد الجرائم خطورة”.
وذكرت المديرية التابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الحق في الحياة من أهم الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، غير أنه ليس بحق مطلق فإمكان الدولة وضع حد له من خلال إصدار عقوبة الإعدام، هذه الأخيرة التي تحطي بتنظيم تشريعي دولي ووطني نظرا للمخاطر التي قد تخلفها خاصة في حالة الأخطاء القضائية، وكونها لا يمكن الرجوع فيها، مشددة على أنه بات لزوما النطق بعقوبة الإعدام بإجماع القضاة الذين تتألف منهم هيئة الحكم، مع ضرورة الإشارة إلى الإجماع في منطوق الحكم.
إجراءات تقييدية للعقوبة
لم يقتصر التعديل على اشتراط الإجماع، بل فرض تدابير إجرائية إضافية هي: تحرير محضر إجماع: أصبح لزاما على رئيس الجلسة تحرير محضر خاص للمداولة يشار فيه إلى إجماع القضاء على عقوبة الإعدام، ويتم التوقيع عليه من قبل جميع أعضاء الهيئة، ويضم هذا المحضر إلى وثائق الملف لضمان أعلى درجات التدقيق والتوثيق.
ومنح القانون في صيغته الجديدة، الغرفة الجنائية (في مادة القضاء) سلطة النظر في منح المحكوم عليه إيقاف تنفيذ العقوبة وتطبيق عقوبات إضافية أو تدابير وقائية. كما تضمنت المادة 431 إمكانية تمكين الغرفة الجنائية من استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة سالبة للحرية مؤقتة، حتى في حالة صدور الأمر نهائيا ضد المحكوم عليه، لفتح المجال أمام مراجعة أوضاع المحكوم عليهم بالإعدام بصفة استثنائية.
ويؤشر هذا المسار التشريعي إلى التوجه الوطني نحو التقييد الصارم لتطبيق عقوبة الإعدام، ووضع إطار قانوني يتسم بالحيطة القصوى في التعامل مع القضايا التي تمس الحق الأصلي في الوجود.
وأوضحت المديرية العامة للشؤون القضائية قطب القضاء الجنائي أن التعديلات التشريعية الجديدة تأتي نظرا لما لعقوبة الإعدام من خطورة إذ من خلالها يتم استئصال المحكوم عليهم بها بشكل نهائي من المجتمع عن طريق وضع حد لحياتهم، ونظرا لقدسية الحق في الحياة والحماية التي أولها له دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الفصل (20).
وأكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المشرع المغربي قيد سلطة الهيئات القضائية بالحكم بعقوبة الإعدام إذ اشترط أن تصدر بإجماع القضاة الذين تتألف منهم هيئة الحكم والاشارة إلى ذلك في منطوق الحكم، وتحرير رئيس الجلسة محضرا للمداولة يشار فيه إلى إجماع القضاة مع توقيعهم عليه.
أسباب النزول
ويأتي كل ذلك، حسب المصدر ذاته، في سياق ما ينص عليه الدستور المغربي في الفقرة ما قبل الأخيرة من تصديره والتي مفادها ” جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة.”
وسجلت مديرية الشؤون القضائية، أنه تطبيقا للالتزاماته الدولية بحظر عقوبة الإعدام المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على .. لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.”
وأضافت أنه “امتثالا للتوصيات المتواترة الصادرة عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بمناسبة فحصها للتقرير الدوري السادس للمغرب، حيث أوصت على أنه ينبغي للدولة الطرف أن تواصل المناقشة الوطنية الحالية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام والنظر في إضفاء طابع رسمي على الوقف الاختياري الفعلي المعمول به حاليا”.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت المديرية، إلى توصية هيئة الإنصاف والمصالحة الداعية إلى مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يدعو الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وحسب المصدر نفسه، فقد أكد الفقهاء المسلمين على أن الشريعة الإسلامية حددت عقوبة الإعدام على سبيل الحصر في جرائم الحدود والقصاص، وأحاطت تطبيقها بسياج من الضمانات والكثير من الشروط ووضعت لها العديد من الموانع التي تحول أحيانا دون تطبيقها وعلى رأسها التوجه النبوي الشريف في الحديث الصحيح ” ادرؤوا الحدود بالشبهات”.
المصدر: العمق المغربي
