كشف تقرير حديث لوزارة الاقتصاد والمالية حول تنفيذ الميزانية والإطار الماكرو اقتصادي الثلاثي (REBCMT PLF 2026) عن استراتيجية ترتكز على منهجية علمية دقيقة تهدف إلى تحويل المالية العمومية من مفهوم “الإنفاق” إلى “الاستثمار المنتج والفعال”.
وتعتمد هذه الاستراتيجية على ما يعرف بـ”التحرير الداخلي للهامش المالي”، أي ضبط النفقات الجارية بشكل صارم لضخها في استثمارات ذات مردودية عالية ومخطط لها على المدى المتوسط، بما يضمن استدامة التوازنات الكبرى.
وأوضح التقرير الذي اطلعت عليه “” أن الحكومة وضعت حزمة من الإجراءات التنفيذية الصارمة ضمن محور “ترشيد النفقات وتحسين فعالية الإنفاق العمومي”، بهدف الحد من ما وصفه التقرير بـ”الهدر البيروقراطي”، وتوليد ميزانية إضافية لتمويل المشاريع الأساسية.
وتركزت الإجراءات على فرض قيود صارمة على استهلاك الطاقة والماء داخل المرافق والمباني الحكومية، ليس فقط لتخفيض الفاتورة التشغيلية الباهظة، بل لتعزيز النجاعة الطاقية والمائية.
وشمل ذلك أيضاً ضبط نفقات التنقل والاتصالات، بما في ذلك شراء السيارات الإدارية والحد من مصاريف الهواتف والمكالمات، لضمان إعادة توجيه كل الموارد المحررة نحو استثمار منتج.
وأكد التقرير أنه لضمان أن الأموال المحررة من الترشيد تحدث أثرا حقيقيا، تم تحديث آليات الاستثمار ضمن محور “تحسين مردودية الاستثمار العمومي”، عبر تثبيت البرمجة الميزانياتية متعددة السنوات للفترة 20262028.
وتهدف هذه الآلية إلى التخلص من البطء الناتج عن التخطيط السنوي، وضمان استمرارية التمويل للمشاريع الكبرى على مدى ثلاث سنوات، مما يقلل من مخاطر التوقف ويحسن قدرة القطاعات على الإنجاز في الآجال المحددة.
كما تتضمن الاستراتيجية إدارة ومتابعة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع مراقبة دقيقة لضمان التزام الشريك الخاص بالجودة والمعايير لتعظيم العائد الحكومي.
ويشير التقرير إلى أن نجاعة هذا النهج تنعكس عمليا في الأرقام، حيث سجل معدل نمو إجمالي تكوين رأس المال الثابت 12.8% في 2024، مساهما بـ 3.2 نقطة من نمو الناتج الداخلي الخام.
ويأتي هذا الأداء نتيجة الاستثمار كقاطرة أساسية للنمو، مع التخطيط للحفاظ على معدل استثمار مرتفع يناهز 30.4% من الناتج الداخلي الخام.
كما يتيح الترشيد المالي تحقيق التوازنات الكبرى وخفض المديونية، حيث يستهدف خفض عجز الميزانية تدريجياً من 3.5% في 2025 إلى 3.0% في 2026، وخفض المديونية العمومية من 67.7% في 2024 إلى 64.1% بحلول 2028، مما يؤكد نجاح استراتيجية الضبط المالي على المدى المتوسط.
ولفت التقرير إلى أن الحكومة المغربية تتبنى رؤية متكاملة تنطلق من أدق التفاصيل الإدارية، حيث يربط الترشيد الصارم في النفقات، بدءا من التحكم في فواتير الماء والطاقة داخل المباني الحكومية، بتطوير حكامة الاستثمار عبر البرمجة الميزانياتية الثلاثية وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويشكل هذا النهج جوهر الاستراتيجية الجديدة لضمان أن كل درهم يتم إنفاقه يساهم بفعالية في تحقيق النمو المستدام والعدالة الاجتماعية المنشودة.
كما يؤكد التقرير أن الإجراءات التنفيذية لا تقتصر على ترشيد الاستهلاك، بل تشمل إعادة توجيه الموارد المحررة نحو مشاريع استثمارية محددة بعناية، مع متابعة دقيقة للأداء والاستفادة من تجربة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعظيم العائد على الاستثمار.
ويشير التقرير إلى أن هذه الاستراتيجية تستهدف ضبط النفقات التشغيلية للمرافق الحكومية وتعزيز فعالية الإنفاق العام، بما يضمن توفير التمويل اللازم للمشاريع الكبرى الحيوية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مع تحقيق التوازن المالي وتقليص المديونية تدريجيا.
المصدر: العمق المغربي
