المغرب يدخل “المربع الأحمر” في تداعيات أخطر أزمة للأمن المائي
في مواجهة الإجهاد المائي الذي تفاقم بفعل آثار التغيرات المناخية بالمغرب، دعا الملك محمد السادس، في خطاب ألقاها بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، إلى ضرورة اتخاذ إجراءات رائدة لتأمين التزود بالماء بشكل مستدام وحماية الموارد المائية وللمزيد من التنسيق والانسجام بين السياسة المائية والسياسة الفلاحية.
وعلاقة بموضوع الماء، أكدت نزهة الوفي، كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة المكلفة بالتنمية المستدامة (سابقا)، أن التدبير الناجع لأزمة الماء لربح رهان الأمن المائي ينبغي أن يتجاوز المقاربة التجزيئية إلى مقاربة تعتمد على ثلاث ركائز؛ وهي الالتقائية والتشاركية والحكامة الجيدة، خاصة على المستوى الترابي.
وكشفت المسؤولة الحكومية السابقة أن “المغرب أصبح داخل المربع الأحمر لأزمة أخطر وأعمق تستهدف الأمن المائي وتتوسع منتجة تداعيات اجتماعية خطيرة، خاصة بالعالم القروي، مثل الهجرة الداخلية والبطالة والانكماش الاقتصادي عموما؛ ذلك أن جل الأنشطة التنموية مرتبطة بشكل مباشر بالعرض المائي محليا، كالفلاحة والسياحة وغيرها من مجالات النشاط الاقتصادي المهيكل وغير المهيكل”، وفق تعبيرها.
وقالت الوفي في تصريح لهسبريس: “في حالة لم نواجه الأزمة المائية والمناخية بالجدية اللازمة والحرص على إشراك كل الفاعلين الترابيين، فإن العواقب على المديين المتوسط والقريب ستكون، لا قدر الله، خطيرة جدا”.
وشددت المسؤولة الحكومية السابقة المكلفة بالتنمية المستدامة على أن “الأولوية اليوم هي جعل المجال الترابي، بكل مؤسساته وفاعليه، معبأ وفاعلا أساسيا في تدبير هذه الأزمة المقلقة كإطار للجهوية المتقدمة بكل التراكمات المنجزة على المستويين المؤسساتي والمالي، وأيضا تعبئة الجميع لذلك كما جرى بنجاح خلال تدبير أزمة كوفيد، وفق تعبيرها.
وأضافت: “من جهة ثانية، لا بد من اتخاذ قرارات صارمة لوقف استنزاف الفرشة المائية والحفاظ على توازن الأنظمة البيئية المهددة أصلا بتداعيات التغير المناخي والجفاف كمعطى بنيوي؛ وبالتالي لابد من مراجعة السياسة التصديرية ووقف تصدير المياه”، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الوضع لم يعد يحتمل عدم اعتبار ما قد أشار إليه المجلس الأعلى للحسابات في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بحماية الموارد المائية من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وغير القابلة للتجديد مع ما تعرفه المنظومة المائية من تحديات كبرى مرتبطة أساسا باستفحال الظواهر المناخية.
ودعت المتحدث ذاتها، التي كلفت في عهد حكومة سعد الدين العثماني أيضا بحقيبة المغاربة المقيمين بالخارج، إلى ضرورة التفكير الجماعي والمؤسساتي على المستوى الترابي للقيام بكل ما يمكن من تقليص التداعيات القاسية والتي ستنتج دون محالة بسبب خلخلة التوازن ما بين العرض المائي وما تتطلبه التنمية الترابية لكل جهة ومدينة.
وسجلت الوفي أن ذلك يجب أن يكون من خلال وضع منظومة متكاملة مبتكرة تعتمد على مقاربة الاستدامة وتطويع كل وسائل تعبئة وتحلية المياه، لتلبية الحاجيات الفلاحية وتقوية الاستثمار في تقنيات الري المتقدمة، وإدماج الخبرة المغربية بالخارج والدولية لإعادة توجيه المنتوج الفلاحي نحو منتجات أقل استعمالا للمياه وذات قيمة مضافة عالية في الأسواق الوطنية والدولية.
وأكدت المسؤولة الحكومية السابقة أن تدبير ندرة المياه يجب ألا نفصله عن ضرورة القيام بكل الإجراءات اللازمة لتسريع التحول الاقتصادي بالمغرب كأولوية وطنية مستعجلة، من خلال حوار وطني تساهم فيه كل الفعاليات المجتمعية لتسريع التحول الاقتصادي نحو اقتصاد أكثر استدامة، واستباق الآثار المدمرة للتغير المناخي (التهديد المدمر)، وجعل التغير المناخي تحديا وفرصة في آن واحد، وتخفيف تضرر بعض القطاعات الاقتصادية التقليدية التي قد بدأت تتأثر بالجفاف والتغيرات المناخية، وبحث تسريع وتنويع مسارات النمو لقطاعات خضراء جديدة قادرة على امتصاص الصدمات.
وكشفت نزهة الوفي أنه ينبغي اعتماد مقاربة تشاركية فعالة دامجة للشباب، ومواكبة لهم من أجل الاستثمار في اقتصاد الماء واقتصاد البيئة، خاصة على المستوى الترابي؛ بدءا من التوعية إلى المشاريع وخلق فرص الشغل في مجالات مثل الصناعة الخضراء، والتكنولوجيات البيئية، والزراعة المستدامة، والبحث العلمي الأخضر، وتوجيه الشباب الى الابتكارات الخضراء حتى لا تتعمق الصدمات التي تستهدف الاقتصاد الوطني ويصعب تحملها في وقت قريب، خاصة تلك المتعلقة بندرة المياه والتصحر واختلال النظم البيئية التي يجب أن نوليها اهتماما كبيرا من خلال معالجة تعثر البرامج البيئية والخطط المناخية وتسريع إنجازها ترابيا.
المصدر: هسبريس