تميزت فعاليات اليوم الافتتاحي للمنتدى الإفريقي للاستثمار، المنصة التي كرّست نفسها رائدة في القارة لتسريع وتيرة المشاريع القابلة للتمويل وحشد التمويلات الاستثمارية، بالتئام جلسة رفيعة المستوى ناقشت موضوع “تسريع وتيرة الاستثمار الخاص من خلال بيئات عمل مواتية”.

وبالمناسبة أكد وزراء مالية أفارقة، على هامش الحدث المستمر إلى غاية بعد غد الجمعة، أن “تسريع وتيرة الاستثمار الخاص في إفريقيا يحتّم توفير بيئة مواتية لنمو الشركات وتحقيق التنمية المستدامة”.
معظم مداخلات المسؤولين الماليين الأفارقة، الذين حجّوا إلى الرباط بمناسبة انعقاد دورة 2025 لـ”منتدى الاستثمار الإفريقي” (AIF)، التي تحتضنها المملكة للعام الثالث تواليًا تحت شعار “سدّ الفجوات: تعبئة رأس المال الخاص لإطلاق العنان لكامل إمكانات إفريقيا”، تقاسمَت فكرة واضحة: “أهمية الإصلاحات الهيكلية لتعزيز ثقة المستثمرين، وتأمين المعاملات (Transactions)، بما يضمن ‘إرساء بيئات أعمال تنافسية’، ومستقرة، وشفافة”، بحسب ما تابعته هسبريس.

“قدرة تنفيذية عالية”

نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، التي تستضيف بلادها إلى جانب “مجموعة AfDB” أشغال هذه الدورة، شددت في مداخلة لها خلال “الحوار الوزاري” مع نظرائها الأفارقة على ضرورة أخذ عامل “القدرة التنفيذية العالية” عند تصميم أيّ مشروع؛ للاستجابة لحجم التطلعات التي ينشُدها المستثمرون الدوليون.

وباستحضارها “قطاعات محددة”، مثل الطيران والطاقة ومراكز البيانات (Data Centers)، تابعت المسؤولة الحكومية ذاتها: “(…) يتعيَّن أن تستفيد (مثل هذه القطاعات) من مقاربات منسَّقة وتشاركية على المستوى القاري لاستقطاب رؤوس أموال ضخمة”.

وفي سياق آخر استعرضت وزيرة المالية “سياسة الصرف بالمملكة، لأنها عامل معززٌ للثقة”، مُذَكِّرة بقرار “‘تعديل سلّة العملات’ عام 2015، و’التوسيع التدريجي لنطاق تقلب الدرهم’ (Bande de fluctuation) عامَيْ 2018 و2020″، وأكدت أن “هذه الإستراتيجية تستند إلى أسُس ماكرواقتصادية متينة، وتنسيق وثيق بين السياسات العمومية وسياسات البنك المركزي، ما يتيح حالياً الحفاظ على احتياطيات من العملة الصعبة تغطي ما يقارب 6 أشهر من الواردات”.

التكامل الإقليمي

حظي موضوع هذه الدورة من المنتدى الاستثماري القاري بتثمين وإشادةِ وزيرة الاقتصاد والتخطيط والتنمية في كوت ديفوار، كابا نيالي، واضعةً إياه “في سياق يتسم بانخفاض التمويل التنموي/الاجتماعي”.

وزادت نيالي، ضمن مداخلة لها، أن “ضمان ملاءمة التمويل الخاص للاحتياجات القائمة بات مسؤولية جماعية على عاتق إفريقيا”، كما أبرزت “الجهود التي بذلتها كوت ديفوار منذ عام 2012 لتعبئةِ الاستثمارات الخاصة، ولا سيما بإجراء مراجعة ‘مدونة الاستثمار’ سنة 2018 لجعلها أكثر جاذبية”.

على المنوال نفسه نسج وزير التخطيط والتعاون الدولي في غينيا، إسماعيل نابي، خيوط “أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص” (أو ما يُعرف اقتصاديًا باسم PPP).

ومن منصة الحدث سالف الذكر روَّج وزير التخطيط الغيني لإمكانيات يتيحها التكامل الاقتصادي الإقليمي، مستدعياً معطياتِ مشروع “سيماندو” التعديني المندمج، البالغة قيمته 30 مليار دولار، الذي يعبّئ شركاء من إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا والشرق الأوسط. ويشمل هذا المشروع إنشاء خط سكك حديدية بطول 650 كيلومتراً وميناءً متعدد الاستخدامات، ما يسمح بربط جنوب البلاد بشمالها، وتعزيز صلة الوصل بين غينيا وجيرانها، معززاً بذلك “التكامل الاقتصادي الإقليمي”.

الديمغرافيا .. “تحدٍّ مُلح”

أضاءت مداخلة وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية في موريتانيا، عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا، تحديات قائمة يثيرها “الطابع الملح للتحدي الديموغرافي في إفريقيا”، بتعبيره.

وأشار ولد الشيخ سيديا، إلى معطى دال؛ إذ “بحلول عام 2050 ستضم القارة ساكنة نشطة تعادل مجموع سكان الصين والهند اليوم”، وأوضح أن “الاستثمارات العمومية اللازمة لا يمكن أن تتحملها الدول الإفريقية بمفردها، نظراً لمحدودية التمويل وخطر مزاحمة القطاع الخاص” (Eviction du secteur privé).

كما فصّل الوزير ذاته خلال كلمته في مسار الإصلاحات التي باشرتها موريتانيا، ذاكراً “اعتماد قانون للشراكة بين القطاعين العام والخاص في 2024، يُعد من بين الأكثر حمائية في العالم، حيث يوفر ضمانات عالية للمستثمرين، تشمل الحماية من التأميم وضمان أداء مستحقات الكميات المتعاقد عليها”.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الحوار الوزاري، الذي نُظم تحت شعار “تسريع الاستثمار الخاص من خلال بيئات مواتية”، عرف أيضاً مشاركة وإسهامَ وزير المالية والتخطيط في زامبيا، سيتومبيكو موسوكوتواني، إلى جانب وزير المالية الإثيوبي، أحمد شيدي.

جدول أعمال “منتدى AIF 2025” لا يخلو من جلسات عامة رفيعة المستوى وعروض تقديمية مع قادة الصناعة، ومديري رؤوس الأموال العالميين، ومصرفيّي هيئات الاستثمار، والمسؤولين الحكوميين، مع “أحداث جانبية موضوعاتية” تضمَن فرص التشبيك الثنائي للأعمال.

يشار إلى أن مجموعة البنك الإفريقي للتنمية إلى جانب الشركاء المؤسّسين للمنتدى (المعروف اختصارًا بـ AIF) تستضيف منصة “أيام السوق لعام 2025” Market Days على مدى ثلاثة أيام، ليعود بذلك سوق الاستثمار الرائد في القارة إلى المدينة التي شهدت ضخ مليارات الدولارات العام الماضي.

ووفق المنظمين استقطبت دورة العام 2024، التي استضافتها العاصمة المغربية أيضًا، 2300 مشارك (ة) من 83 دولة، أثمرت إعلان 37 مشروعا “قابلًا للتمويل”، ومسجلةً مليار دولار أمريكي من “الاهتمامات بالاستثمار”.

المصدر: هسبريس

شاركها.