المغرب يحتاج دراسة الآثار البيئية والغذائية قبل استعمال البذور المقاومة للجفاف
شكل ظهور بذور مقاومة للجفاف بالمغرب، حيث مازالت تخضع للاختبار، في “حل ذهبي” أمام المملكة لتجاوز تداعيات الجفاف القاسية، محطة لطرح تساؤلات حول التأثيرات البيئية والغذائية لهذا الصنف الجديد الذي يعتمد تقنية الفرز الجيني.
وكانت وكالة فرانس بريس كشفت من خلال تقرير لها عن “حقل يمتد على مساحة 120 هكتارا في قرية مرشوش”، وهي منطقة تقع في زعير، قرب العاصمة الرباط، تابعة للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا).
ويقوم هذا الحقل وفق المصدر عينه على “تجارب تهم بذورا مقاومة للجفاف، خاصة صنف الحبوب، وحقق نتائج مهمة بدون استهلاك كبير للمياه؛ حيث وصل الإنتاج في مرشوش إلى 4 أطنان في الهكتار الواحد”، وهو معدل يفوق إنتاج المغرب من القمح سنة 2023.
وتغيب دراسات علمية بشأن التأثيرات السلبية للبذور الجافة أو عمليات الفرز الجيني للبذور على الوسط البيئي، وعلى تغذية الإنسان، في وقت يؤكد خبراء أن “البذور الجافة غير مضرة بالبيئة”، وأن “السلطات ستكون على علم بأي تأثيرات من خلال نقاط المراقبة، والشراكات الدولية”.
والبذور المقاومة للجفاف تحظى باهتمام كبير من الدول الإفريقية، حيث يعمل “إيكاردا” على هذا المشروع في أزيد من 11 بلدا إفريقيا، أبرزها المملكة المغربية.
ويعاني المغرب من ضعف واضح في محصول الحبوب، حيث قال والي بنك المغرب، محمد الجواهري، إن “التوقعات تبين أن محصول الحبوب المقبل بالمملكة لن يتجاوز 25 مليونا”.
في هذا الصدد يقترح كمال أبركاني، خبير في العلوم والهندسة الزراعية، أن يتوجه المغرب إلى تطوير مجال الحبوب المقاومة للجفاف، “لأنها حل جوهري لأزمة الجفاف والإجهاد المائي حسب المصادر العلمية”.
ويضيف أبركاني لهسبريس أن البذور المقاومة للجفاف التي أعلن عنها “إيكاردا” تدخل في نطاق “الفرز الجيني”؛ “وهي عملية تأخذ مسار تطوير قد يصل إلى عشر سنوات، ثم بعدها تحال على المكتب الوطني للسلامة الغذائية (أونسا) من أجل بحث التأثيرات البيئية والصحية المختلفة”، وزاد موضحا: “غذائيا لا يطرح المشكل، لأن هذه العملية ليست بتعديل جيني، بل فرز جيني طبيعي”.
ويشير المتحدث عينه إلى أن “السلطات المغربية لن تسمح بانتشار هذه البذور إلا إذا تأكدت علميا أن الأمور سليمة وليست ضارة بالوسط البيئي”، موردا أن “مسار البذور الجافة مطلوب سلكه من المغرب في مواجهة الجفاف، لكن مع وجود تأكيدات بغياب الأضرار البيئية”.
ولفت الخبير في العلوم والهندسة الزراعية إلى أن “معهد إيكاردا معروف عالميا بأبحاثه في هذا المجال، فيما يعد الفرز الجيني أمرا جد عادي في المجال الفلاحي”، مبينا أن “البذور المحلية ضئيلة أو شبه منعدمة في السوق المغربية، وغالبيتها مستوردة، والحل حاليا هو التركيز على البذور المقاومة للجفاف”.
وفي الواقع فإن مسألة تطوير هذه الحبوب المقاومة للجفاف في منطقة مرشوش سيكون من الصعب التكهن بمدى نجاحها في مناطق أخرى، بالنظر إلى تنوع التربة الذي تمتاز به الأراضي المغربية. كما ستطرح إشكالية تعامل الفلاحين الصغار مع هذه التقنية.
وموضوع البذور الجافة ليس بالجديد في المغرب، إذ سبق أن أعلن المعهد سالف الذكر، في أكتوبر من العام الماضي، عن “نتائج إيجابية”، فقد كان المحصول خلال عامي 2020 و2021 بالمغرب “قويا رغم الجفاف الذي شهده في هاتين السنتين”.
واعتبر محمد الطاهر السرايري، أستاذ باحث في العلوم الزراعية بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، أن “النقاش ليس في مسألة التأثير البيئي، بل تعدد مجالات التربة بالمغرب”، موردا أن “منطقة زعير لا تشبه مناطق زراعية أخرى بالمملكة”.
وأضاف السرايري لهسبريس أن “التأثير البيئي والغذائي غائب في البذور المقاومة للجفاف، لأنها ترتبط بعملية فرز جينية تأتي ببحوث علمية مؤكدة”، وزاد: “لا يمكن للسلطات المغربية أن تسمح بانتشارها إلا بعد سنوات طويلة من البحث، وتأكد واضح من غياب تأثيرات سلبية”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “الإشكال الآخر يتعلق بتجاوب الفلاح الصغير والبسيط بالمغرب مع هذه التقنية، إذ يلزم تمكينه من الإمكانيات عينها التي لدى الباحثين في منطقة مرشوش”.
كما شدد السرايري على أن “البذور المقاومة للجفاف جد إيجابية بالنسبة للمغرب، لكن فقط في حالة معالجة الإشكاليات التي تم طرحها سابقا”.
المصدر: هسبريس