المغرب يتيح لمسؤولين دروسا ثقافية وفنية في “مناهضة التطرف والجريمة”

من الرباط، يناقش ملتقى علمي يجمع عددا من الدول ذات الغالبية المسلمة ممكنات الثقافة والفن في مكافحة الجريمة والتطرف وتحقيق “الأمن الفكري”، بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، بمبادرة ضمت الإيسيسكو، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي.
هذا الملتقى، الذي يستعرض “أفضل الممارسات والتجارب العربية والإقليمية والدولية”، من بين ما يناقشه، خلال ثلاثة أيام، بعد افتتاحه اليوم الاثنين، دور الثقافة والفن في الدمج المجتمعي من خلال برامج إعادة التأهيل، وسبل تعزيز وتطوير دور الثقافة والفن في مكافحة الجريمة والتطرف، من أجل انتخاب “طرائق المجابهة الناجعة”، وإبراز “أهمية المحتويات الثقافية والفنية في دعم التعايش بين الأفراد والشعوب والحضارات في مكافحة التطرف والإرهاب”.
عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قال في افتتاح الملتقى إن وجود الثقافة من وجود المجتمع، وهما “مدخلان أساسيان للتحصين ضد الأفكار والقيم التي تتعارض مع المجتمع”، و”الوقاية من التطرف عبرهما”.
وتحدث وهبي عن “حرص المغرب بعد الأحداث الإرهابية سنة 2003 على مقاربة وطنية نفتخر بها لأنها واقعية الأهداف”، وشاملة و”ناجعة في وجه الإرهاب المتغير”، مستحضرا “الاستراتيجية الوطنية للوقاية من التطرف”، والسياسة الجنائية من أجل تحقيق المقصد نفسه.
هذه السياسة كانت “تشاركية”، وسعت إلى تعزيز المنظومة التشريعية والمؤسساتية، وبرامج إعادة التأهيل عبر العفو والإفراج المقيد بشروط بعد إعادة تأهيل فهم واستيعاب النص الديني والقيم المجتمعية الصحيحة”، لتمكين المعادِ إدماجُه من “استخدام كل مواهبه وقدراته للاندماج في المجتمع”.
وبما أن الجريمة “تحدٍّ جماعي”، فإنها تحتاج “عملا جماعيا لمعالجة المسببات، من ظروف اقتصادية واجتماعية وثقافية مفضية للتطرف”، وتابع وهبي مبرزا أهمية “المقاربات الأخرى غير الزجرية التي تدعم الجهود، ومن جملتها الثقافة والفنون”.
محمد سالم المالك، المدير العام لمنظمة الإيسيسكو، قال من جهته إن “الثقافة والفن” هما “الأقرب صلة بمشاعر البشر، ومهد الأحاسيس”، مستحضرا مقولات من قبيل “أعطني مسرحا أعطيك أمة”، و”نحن محاطون بالشعر من كل الجهات”، وقول “حجة الإسلام الإمام الغزالي: من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود أوتاره، فإنه فاسد المزاج ليس له علاج”.
وزاد: “هذه وامِضات، تقصي كل الدعائم التي تحاول الحيلولة دون الإنسان، وطاقة الفعل المبدع في مدارات الحياة القادرة على تحويل الماء الآسن إلى جدول نابع رقراق”، و”فهم حضاري” يدعم هذا اللقاء العلمي “حول الإنسان الذي يكرّمه الخالق”، وإن سقط في مهاوي الإجرام والإرهاب.
ثم أضاف: “الجريمة والتطرف نتيجة ظروف اجتماعية قاسية، خلت من قدوة مجتمعية تأخذ بالنفوس المحبطة، على مدارج الثقة والمحبة وسعة الأمل”، كما أن العالم يشهد “تطور عوالم الجريمة والتطرف”، إلى “عمل منظم تحشد له الرايات والفكر والإعلام، والجريمة والتطرف المنظمين، المستفيدين من تطور وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي”، وواصل متأسفا لـ “ما تشهده منطقتنا من بؤر التوتر التي تخلق بيئات مناسبة لنمو تيارات الجريمة والتطرف”، مع تسجيل بعض دول المنطقة “نجاحات مفلحة (…) في توظيف الفكر والثقافة والفنون لإنقاذ شبابنا من براثن الجريمة والتطرف؛ وهي نجاحات تجسد تجارب علينا أن نتمثلها ونقدمها للعالم”، علما أن “في روابي الفنون مندوحة عن اليأس”.
وقدم سالم المالك مثالا بـ”المقامات” التي كانت “أداة ثقافية تعالج عبر الفكاهة معضلات اجتماعية لا يمكن تناولها إلا بذلك الإبداع”، قبل أن يشدد على أهمية السياسات الثقافية والفنية في مجال معالجة المعضلات المجتمعية، مما يتطلب “تحديث المناهج” واستثمار “النجاحات” و”التأكيد على أن المثقف عضو أصيل في البناء المجتمعي”، و”الالتفات إلى النشء في زمن باتت تختلط فيه القيم”.
محمد بن علي كومان، الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، قال بدوره إن “الأمن ممارسة شاملة”، “لا تنجح المقاربة الأمنية وحدها دون معالجة الظروف المؤدية للتربية الأخلاقية والوقاية عبر الثقافة والفنون”، من قبيل استثمار الأعمال الدرامية، وتنظيم مسابقات سنوية تتوج أجود ما يعرض.
ومن بين الأدوات التي تحدث كومان عن ضرورة تغيير الرؤية حولها، “صورة الأمن العربي”، مع رفضه “الربط المغرض للإسلام بالتطرف والإرهاب، وهو منهما براء”.
خالد بن عبد العزيز، وكيل العلاقات الخارجية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، تحدث عن أهمية الملتقى العلمي في “إدراك أهمية الفن في دعم التعايش السلمي، ومناهضة التطرف والإرهاب”، مع إبعاده عن “موجات الضحالة التي تفرغه من مضامينه”، و”دعم التعايش” عبر “استعراض أفضل الممارسات العربية والإقليمية والعالمية”.
وسجل المتحدث أهمية “تعزيز مفهوم الأمن الفكري”، الذي اعتبره “حجر زاوية الأمن العام”، وهو ما يرى وسيلته “تطوير الإعلام”، وإنجاح استراتيجياته بعد “إدراك المؤسسات الإعلامية العربية للمفهوم”.
المصدر: هسبريس