تشكل برقية التهنئة التي بعثها فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني اليوم23 أكتوبر 2025 ، إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمناسبة فوز المنتخب المغربي لأقل من عشرين سنة بكأس العالم لكرة القدم، تعبيرا صادقا عن عمق العلاقات الأخوية التي تجمع بين البلدين الشقيقين، وتجسيدا لما يربط الشعبين المغربي والموريتاني من وشائج القربى والمودة والمصير المشترك. إنها برقية تحمل في طياتها رسائل محبة وتقدير، وتؤكد أن الأواصر التاريخية والاجتماعية بين نواكشوط والرباط أقوى من كل العوامل الظرفية.

لقد عرفت العلاقات المغربية الموريتانية في السنوات الأخيرة طفرة نوعية غير مسبوقة، بفضل الإرادة السياسية القوية لقائدي البلدين، الذين يسعيان بثبات إلى جعل التعاون الثنائي رافعة حقيقية للتنمية المشتركة في محيط إقليمي متغير. وقد أضحت الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، كالزيارة الأخيرة التي قام بها وزير العدل الموريتاني محمد ولد اسويدات إلى الرباط، عنوانا لهذه الدينامية الجديدة التي تطبع العلاقات بين العاصمتين.

التعاون بين المغرب وموريتانيا لم يعد محصورا في الجانب السياسي أو الدبلوماسي، بل تعداه إلى شراكات اقتصادية واستثمارية كبرى جعلت من المغرب أول مستثمر إفريقي في موريتانيا. المؤسسات المغربية، بمختلف فروعها المصرفية والصناعية والاتصالية، أصبحت تلعب دورا محوريا في تنشيط الاقتصاد الموريتاني، وتساهم في خلق فرص عمل وتنمية محلية مستدامة.

وفي قطاع الطاقة، يبرز التعاون بين البلدين كأحد أعمدة هذه الشراكة الواعدة، حيث يتم العمل على تطوير الربط الكهربائي وتوسيع مجالات التعاون في الطاقات المتجددة. كما يشكل مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي أفقا استراتيجيا واعدا، من شأنه أن يغير وجه التنمية في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وأن يرسخ التكامل الطاقي بين المغرب وموريتانيا.

وفي المجال القضائي والإداري، تعكس الاتفاقيات الموقعة بين وزارتي العدل في البلدين الرغبة المشتركة في تبادل الخبرات وتوحيد الرؤى، بما يسهم في تحديث العدالة وتعزيز دولة القانون. كما أن برامج التعاون في مجال التحول الرقمي تعد خطوة متقدمة نحو بناء مؤسسات عصرية تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة.

أما في الميدان الثقافي والاجتماعي، فإن ما يجمع الشعبين من روابط روحية وعائلية ضاربة في عمق التاريخ يجعل العلاقات المغربية الموريتانية حالة استثنائية في الفضاء المغاربي. فالعادات والتقاليد واللغة والدين كلها عناصر توحد بين البلدين وتؤسس لتفاهم طبيعي وعفوي بين الشعبين.

ولا يمكن الحديث عن هذه الدينامية المتجددة دون التنويه بالدور المحوري الذي يقوم به سعادة سفير المملكة المغربية في نواكشوط، السيد حميد شبار، الذي أبان عن حنكة دبلوماسية رفيعة ومقاربة إنسانية راقية في إدارة العلاقات بين البلدين. فقد ساهم، بجهوده المتواصلة، في تيسير الولوج لأبناء موريتانيا إلى مصالح القنصلية المغربية بنواكشوط، وتبسيط إجراءات منح التأشيرات وتقليص آجالها، مما عزز الثقة المتبادلة ووطد جسور التواصل الإنساني والاجتماعي بين الشعبين. إن بصمته واضحة في مختلف المستويات، السياسية منها والثقافية والاقتصادية، مما جعله أحد الوجوه الدبلوماسية البارزة في ترسيخ العلاقات المغربية الموريتانية.

وفي ظل التحولات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة، ولا سيما ما يتعلق بملف الصحراء المغربية، فإن العلاقات بين الرباط ونواكشوط مرشحة لمزيد من التطور والعمق، لأن استقرار موريتانيا من استقرار المغرب، والعكس صحيح. هذا الإدراك المشترك بأهمية الأمن المتبادل يشكل قاعدة صلبة لبناء رؤية مغاربية جديدة قوامها الواقعية والمصالح المشتركة.

كما أن التعاون جنوبجنوب الذي يدعو إليه البلدان يمثل خيارا استراتيجيا لتعزيز التنمية الذاتية لدول المنطقة، من خلال التكامل الاقتصادي وتنسيق الجهود في مواجهة التحديات البيئية والأمنية والاقتصادية. إن المغرب وموريتانيا، بما يمتلكانه من موقع استراتيجي وثروات طبيعية وبشرية، قادران على قيادة هذا التحول نحو شراكة إفريقية أطلسية نموذجية.

خلاصة القول إن العلاقات المغربية الموريتانية لم تعد مجرد علاقات حسن جوار، بل تحولت إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية. هذه الشراكة تؤكد أن المصير واحد، وأن المستقبل سيكون أكثر إشراقا بفضل وضوح الرؤية ووحدة الأهداف، وأن ما يجمع بين البلدين أعمق من كل حسابات عابرة، فهو يجمع بين التاريخ والجغرافيا والدم والمستقبل المشترك.

 

المصدر: العمق المغربي

شاركها.