المغرب والجزائر : حكمة ملك وتهوّر جنرالات
منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب عام 1999، تبنت المملكة نهجًا دبلوماسيًا رزينًا وحكيمًا في التعامل مع العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما مع الجزائر. ورغم التعقيدات التاريخية والتوترات المستمرة بين البلدين، أظهر الملك محمد السادس تمسكًا بلغة الحوار والتعاون، في مقابل النهج العدائي الذي انتهجه النظام الجزائري، والذي يعتمد على التصعيد الإعلامي والسياسي. ويبرز هذا الخلاف في عدة محطات تاريخية وأحداث بارزة تعكس بوضوح الفوارق الجوهرية بين القيادتين: ملك حكيم يضع مصلحة بلاده وشعبي البلدين فوق كل اعتبار، ونظام عسكري جزائري يعتمد على تأجيج النزاعات للتغطية على إخفاقاته الداخلية.
هذا وعرفت العلاقات المغربية الجزائرية العديد من الاستفزازات التي صعّدها النظام الجزائري ضد المغرب، بدءًا من دعمه الصريح لجبهة البوليساريو الانفصالية، إلى توجيه اتهامات متكررة تهدف إلى تشويه صورة المغرب إقليميًا ودوليًا. فالنظام الجزائري جعل من قضية الصحراء المغربية محورًا لسياساته العدائية ضد الرباط، حيث وفرت الجزائر دعمًا ماليًا ولوجستيًا غير محدود لجبهة البوليساريو الإرهابية، فضلاً عن استضافتها في مخيمات تندوف. ورغم القرارات الأممية التي تدعو لحل سياسي دائم، ظلت الجزائر تُفشل كل المبادرات البناءة التي قدمها المغرب، وعلى رأسها مقترح الحكم الذاتي، الذي حظي بإشادة دولية واسعة.
ولم تقتصر الاستفزازات الجزائرية على دعم الحركة الانفصالية فقط، بل امتدت إلى حملات إعلامية شرسة قادتها وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وشبه الرسمية، والتي أضحت أداة لتأجيج الكراهية بين الشعبين الشقيقين. فقد اعتادت الصحافة الجزائرية توجيه اتهامات باطلة للمغرب، منها الترويج لفكرة أن المملكة تُغرق الأسواق الجزائرية بالمخدرات، أو أنها تدعم الحركات الانفصالية داخل الجزائر مثل حركة “ماك”. بل بلغ بهم الجنون حدَّ اعتبار حادثة حرائق غابات منطقة القبائل عام 2021 عملا متعمدا من جهات خارجية، كانت مثالاً صريحًا على محاولات النظام الجزائري تحميل المغرب مسؤولية أزماته الداخلية، عبر اتهامه بالتورط في مؤامرات ضد استقرار الجزائر.
وفي نفس العام، زعمت الجزائر أن المغرب استخدم برنامج “بيغاسوس” للتجسس على مسؤولين جزائريين، لكنها عجزت عن تقديم أي دليل ملموس يثبت صحة هذه الادعاءات، ما أكد مرة أخرى نهجها في خلق أزمات وهمية لتشويه صورة المملكة أمام المجتمع الدولي. بالإضافة إلى ذلك، قررت الجزائر في خطوة تصعيدية قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، متذرعة بما وصفته بـ”الأعمال العدائية المغربية”، في حين التزمت الرباط بضبط النفس وأكدت أن القرار يعكس حالة التوتر التي يعيشها النظام الجزائري.
رغم كل هذه التحديات والاستفزازات، حافظ الملك محمد السادس على نهجه الحكيم والداعي إلى الحوار. ففي عدة مناسبات، أكد الملك على أهمية فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الجزائرية، مشددًا على أن الخلافات لا يجب أن تكون عائقًا أمام بناء مستقبل مشترك يخدم الشعبين الشقيقين. ففي خطاب العرش لعام 2021، دعا الملك صراحة إلى فتح الحدود المغلقة منذ عام 1994، وقال: “المغرب والجزائر أكثر من بلدين جارين، هما توأمان، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية مشتركة”. هذه الدعوات المتكررة تعكس التزام المغرب برؤية تنموية وسلمية، رغم تعنت النظام الجزائري.
في المقابل، ركزت المملكة المغربية بقيادة عاهلها الرزين والحكيم، على تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في أقاليمها الجنوبية، التي ظلت محورًا للنزاع مع الجزائر. واستثمر المغرب مليارات الدولارات في مشاريع تنموية كبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يُتوقع أن يحول المنطقة إلى مركز اقتصادي إقليمي يربط إفريقيا بأوروبا. كما عمل المغرب على تحسين البنية التحتية في مدن الصحراء، وإطلاق مشاريع اجتماعية تهدف إلى رفع مستوى معيشة سكانها.
دبلوماسيًا، نجح المغرب في تحقيق انتصارات كبيرة عززت من موقفه في قضية الصحراء المغربية. كان أبرزها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء عام 2020، وهو قرار شكل تحولاً استراتيجيًا في مسار النزاع. كما استطاع المغرب إقناع أكثر من 30 دولة بفتح قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة، في إشارة واضحة إلى الدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء.
وفي الوقت الذي انشغل فيه النظام الجزائري بمحاولات إفشال النجاحات المغربية، عانى داخليًا من أزمات سياسية واقتصادية خانقة. فالجزائر التي تمتلك موارد طبيعية هائلة، مثل النفط والغاز، أخفقت في تحسين مستوى معيشة مواطنيها، وفضلت توجيه جزء كبير من هذه الموارد لدعم أجندتها العدائية ضد المغرب. وفي المقابل، اعتمد المغرب على حكامة رشيدة قادها الملك محمد السادس، نجحت في تحويل المملكة إلى نموذج للاستقرار والتنمية في المنطقة.
وهليه، فالفرق بين النهجين المغربي والجزائري يظهر بوضوح في طريقة إدارة الأزمات. ففي حين يعتمد النظام الجزائري على التصعيد والارتجال، يركز المغرب على الحكمة والتخطيط الاستراتيجي. فالخطاب الملكي يتميز بالرزانة والدعوة إلى الحوار، بينما يغلب على خطاب قصر المرادية الطابع العدائي والتحريضي. هذه المفارقات لم تعزز فقط مكانة المغرب دوليًا، بل كشفت أيضًا عن حالة الضعف والارتباك التي يعيشها النظام الجزائري.
هذا وتجسد العلاقات المغربية الجزائرية صراعًا بين رؤيتين متناقضتين: رؤية الملك محمد السادس القائمة على الحكمة والتنمية، ورؤية النظام العسكري الجزائري التي تعتمد على العداء والارتجالية. ورغم كل الاستفزازات، أثبت المغرب بقيادته الرشيدة أنه قادر على تجاوز الأزمات وتحقيق مكاسب دبلوماسية وتنموية. ويبقى الأمل في أن يستوعب النظام الجزائري أن مصلحة الشعبين تكمن في التعاون والعمل المشترك، بعيدًا عن خطاب الكراهية وسياسات التصعيد.
المصدر: العمق المغربي