المغاربة يتطلعون إلى مواصلة فتح ملفات فساد محتملة جديدة مع بداية 2024
بعد النهاية المثيرة التي سجلتها سنة 2023 بخصوص فتح عدد من الملفات التي تهم سياسيين وبرلمانيين من أحزاب مختلفة يشغل بعضهم مناصب قيادية في الأحزاب، يتطلع الشارع المغربي مع بداية 2024 إلى المزيد ومواصلة الضرب بيد من حديد على كل المتورطين في قضايا وملفات فساد محتملة في مختلف المجالات، على أمل تطهير الحياة العامة ومناصب المسؤولية من الفساد الذي يعتبر أحد المعيقات الأساسية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التقدم والتنمية التي تنشدها البلاد.
فخلال الأسابيع الماضية، عاشت الساحة الوطنية على إيقاع الملفات المتواترة التي كان أبرزها ملف القياديين البارزين في حزب الأصالة والمعاصرة عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق، وسعيد الناصيري، رئيس نادي الوداد البيضاوي لكرة القدم، الذي اهتز له الرأي العام بسبب التهم الموجهة إليهما والمتعلقة بالاتجار الدولي في المخدرات، رفقة أزيد من 20 شخصا آخرين فيما بات يعرف بقضية “إسكوبار الصحراء”.
وأبت السنة الماضية أن تغادر إلا بجر أسماء أخرى إلى التحقيق معها في ملفات مختلفة ترتبط بهدر المال العام؛ مثل محمد السيمو، برلماني حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الجماعة الترابية لمدينة القصر الكبير، وهشام المهاجري، برلماني حزب الأصالة والمعاصرة، وقبلهم أسماء أخرى مثل عزيز الوادكي، برلماني الاتحاد الدستوري المتابع في قضية لبارون مخدرات ليبي؛ فضلا عن محمد مبدع، الوزير الأسبق والقيادي في حزب الحركة الشعبية، الموضوع رهن الاعتقال بسبب تبديد أموال عمومية، وملفات أخرى على طاولة أسام جرائم الأموال بمختلف محاكم المملكة؛ ما ينذر بمزيد من المحاكمات والمتابعات في السنة الجديدة.
في تعليقه على الموضوع، اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن حالات الفساد المعروضة أمام القضاء “لا تعكس حجم الظاهرة، ولا تعكس حجم الفاعلين المتورطين فيها”، مقرا بأن الفساد ظاهرة “معقدة وبنيوية”.
وسجل الغلوسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن بعض الملفات، التي تم تحريكها خلال الأسابيع الأخيرة من 2023، “لا ينبغي أن تحصل أية غرابة بشأنها؛ لأن ما تقوم به الدولة والقضاء هو الواجب وتطبيق القانون لا أقل ولا أكثر”، مؤكدا أن هذا الأمر يستند إلى الدستور الذي يتحدث عن المساواة أمام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وعلى الرغم من سقوط بعض الأسماء الوازنة والكبيرة في الملفات التي باشرها القضاء، أشار الغلوسي إلى أن “هناك أسماء أخرى تبقى بعيدة عن دائرة المساءلة والمحاسبة”، وزاد موضحا: “ما نشاهده اليوم هو أن غالبية المتابعين من النخبة السياسية، والنخبة الإدارية والبيروقراطية مجموعة من المسؤولين الكبار والموظفين السامين والوزراء مازالوا بعيدين عن دائرة المساءلة”.
وتابع الناشط الحقوقي ذاته مبينا: “لا يمكن أن نتحدث عن سياسة جنائية قائمة الذات في مكافحة الفساد، وما يحدث هو تطبيق لشعار “لي حصل يودي”؛ ولكن ليس بالمعنى الشامل”، لافتا إلى أن هناك “انتقائية في القضايا لا تبعث على الاطمئنان؛ لأن المطلوب هو أن يشعر المجتمع ويحس بالاطمئنان والأمن بمعناه الواسع.. ولا يمكن أن يقوم ذلك مادام الناس يشعرون بأن هناك انتقائية وهناك أشخاص لا يمكن أن يتابعوا بقضايا الفساد أو الرشوة”.
وشدد الغلوسي على حاجة المغرب إلى “سياسة جنائية واضحة يمكن تقييمها من الناحية القانونية والعملية”، مستدركا: “لكن هناك غموض في هذا الاتجاه، على مستوى السياسة الجنائية وتوجه الدولة فيما يتعلق بمحاربة الفساد؛ فتارة تشعر بأن الأمر يتعلق بحملة ضد الفساد، وتارة أخرى تشعر بأن الأمر مجرد ملفات هنا وهناك وانتهى الأمر، وتارة ثالثة تشعر بأنه ليس هناك إرادة لمحاربة الفساد”، وفق تعبيره.
وعبر الغلوسي عن انتظاراته في 2024، المتمثلة في “تجند الدولة لمكافحة الفساد؛ لأن هناك شعورا لدى الجميع بأن الفساد أصبح يشكل خطورة حقيقية على الدولة والمجتمع، وحتى على المشاريع التي تعلنها الدولة”، مؤكدا أن الظاهرة بلغت نقطة “اللاعودة، ولا بد من استنفار كل الآليات والمؤسسات للتصدي لهذه الظاهرة ورسم استراتيجية وطنية لمكافحتها والوقاية منها”.
من جهته، عبر يونس بوبكري، المنسق الوطني للجنة الوطنية للخبراء والقوانين بالهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، عن تثمين هيئته لما سماه “التدخل الإيجابي للسلطات القضائية في محاربة الجريمة والفساد، خصوصا في صفوف السياسيين الذين يستغلون مناصبهم في المسؤولية للتغطية على الجرائم غير المسبوقة التي تهدد السلم وتفسد المجتمع”.
وأضاف بوبكري، في تصريح لهسبريس، أن هذه الفئة من النخب “دورهم الأساسي هو المساهمة في تخليق الحياة العامة، ومع الأسف اكتشفنا أنهم بدون ضمير ويستغلون مناصبهم لتحصيل ثروات على حساب المجتمع”، معربا عن أمله في أن تمتد المتابعات التي تصل المنتخبين في عدد من المدن وتحاسبهم على الأدوار التي قاموا بها في الماضي إلى “المسؤولين في المؤسسات والإدارات العمومية، لأن هذه القضايا ما كانت لتحدث من دون وجود شبكات لها امتدادات وتقاطع مع عدد من المجالات والمؤسسات العمومية وهي التي تسهل على الفاسدين ممارسة أفعالهم الإجرامية واستغلال مواقعهم”.
وشدد المتحدث ذاته على أمله في أن تكون 2024 “سنة تنظيف وتطهير الشأن العام من الفاسدين، وإعادة الأمور إلى نصابها في التدبير بجميع المجالات ومؤسسات تدبير الشأن العام”.
وأشار بوبكري إلى أن الجمعية تبلغ عن “العديد من الملفات التي تهم مسؤولين في الإدارات والمؤسسات العمومية، ولا يتم التعامل معها بالسرعة اللازمة”، ودعا القضاء إلى “التفاعل مع التبليغات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني وتتبع الشكايات التي نقدمها بأدلة وقرائن وتبليغات تثبت حالات الفساد”، مؤكدا على ضرورة تضافر جهود جميع المتدخلين لمحاصرة الظاهرة.
المصدر: هسبريس