اخبار المغرب

المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يستعرض تدوين وتثمين الموروث الشفهي

اعتبارا للأهمية التي تحظى بها التقاليد والتعبيرات الشفهية في بناء المعرفة العلمية حول الثقافة الأمازيغية، ومساهمتها في حفظ الذاكرة الجماعية وتناقل القيم الثقافية والمجتمعية بين الأجيال، وتزامنا مع شروعه في إعداد بحث جماعي حول تجليات التقليد الشفهي ووظائفه في المجتمعات الأمازيغية، نظم مركز الدراسات الأنثروبولوجية والسوسيولوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مساء أمس الثلاثاء بالرباط، مائدة مستديرة حول موضوع تدوين وتثمين التعبيرات الشفهية، عرفت حضور عدد من الباحثين والمهتمين بالتراث والثقافة الأمازيغيتين.

واستضاف “إيركام”، خلال هذا الحدث الذي جاء تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للتنوع الثقافي، مجموعة من الفاعلين في بعض التنظيمات المدنية التي تشكلت في مناطق أمازيغية لغاية تدوين الموروث الشفهي، وذلك من أجل تبادل الأفكار حول هذا الموضوع وتعميق النقاش الأكاديمي واستعراض التجارب المدنية لهذه التنظيمات. ويتعلق الأمر بكل من مركز أكلو للبحث والتوثيق بجهة سوس ماسة، ودار التراث الشفهي بقصر أيت بنحدو، ثم جمعية ذاكرة الريف بالحسيمة.

أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، قال إن “الأهداف من هذه المائدة المستديرة التي نستعرض من خلالها تجارب محلية في تثمين التقليد الشفوي، تغطي ثلاث جهات من جهات المملكة، هو تبادل المعرفة بخصوص موضوع التعدد الثقافي والتحسيس بأهمية صيانة وتثمين التراث”، مسجلا أنه “رغم الكم الهائل من الدراسات والأبحاث التي انكبت على هذا الموضوع إلا أن مسألة التحسيس مازالت مطروحة، إذ تظل خارج تغطية البحث الأكاديمي، سواء من طرف المهتمين أو من طرف المؤسسات التي تسهر مبدئيا ونظريا على تثمين هذا الجانب”.

وأضاف بوكوس، في كلمة له بهذه المناسبة، أن “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يشتغل على تثمين جهود الفاعلين في حقل التراث الثقافي جهويا ومحليا، كما يولي أهمية كبرى للبحث الميداني في مختلف أرجاء التراب الوطني، إذ إن الزملاء في مركز الدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية يقومون بمهمات ميدانية عبر مختلف ربوع المملكة، تسفر عن نتائج دقيقة في إطار مجهود تنظيري يؤطر للبحث في حقل أنثربولوجية وسيويولوجية الثقافة الأمازيغية”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “جمع وتدوين المواد المتعلقة بالتعبيرات الثقافية يحظى بمكانة جد متميزة ضمن برامج وأجندة إيركام منذ بداية اشتغاله، ويتجلى ذلك أساسا في الظهير المؤسس والمنظم لعمله في مادته الثالثة التي تؤكد أن أول مهمة منوطة بهذه المؤسسة هي القيام بجرد المعارف على مستوى الجهات والتراب الوطني بشكل عام”، مضيفا: “لقد راكمنا مجموعة من الإصدارات والأعمال في هذا الصدد، ونحن الآن نسعى إلى رقمنتها مستقبلا من أجل توفير قاعدة بيانات للمهتمين والباحثين”.

من جهته قال محمد بنيدير، رئيس مركز أكلو للبحث والتوثيق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “أي تراث شفهي معرض بالضرورة للاندثار، بحيث يمكن للناس أن ينسوه بسرعة أو يحرفوه، وبالتالي فإن توثيقه، بل وتسريع هذا التوثيق، مهم جدا لصيانة هذا التراث والحفاظ عليه لضمان استدامته بالنسبة للأجيال القادمة”.

وأضاف بنيدير أن “التحولات التي يشهدها المجتمع، والتطورات التكنولوجية المتسارعة التي غيرت من أنماط السلوك الإنساني ومن طبيعة العلاقات الاجتماعية نفسها، تسرع بدورها عملية اندثار التراث الشفهي”، مسجلا في الوقت ذاته أن “هذه العوامل تفرض توثيق التراث والتقاليد الشفهية من أجل حمايتها والمحافظة عليها باعتبارها فضاء خصبا للدراسات السوسيولوجية والأنثربولوجية، ومجالا لاستخلاص الدروس والعبر والقيم الاجتماعية والثقافية، بل والتأريخ أيضا لفترة من الفترات التي مرت منها جماعة أو منطقة معينة”.

في هذا الصدد أوضح الأكاديمي ذاته أن “الرواية الشفوية تعد مصدرا من مصادر التأريخ، غير أن طريقة التعامل معها منهجيا تتطلب تقنيات منهجية معينة”، مشيرا إلى أن “تدوين وتثمين الموروث الشفهي تعترضه مجموعة من التحديات، منها أولا موت الأشخاص الذين يحتفظون في ذاكرتهم بأحداث معينة كانوا شهودا عليها أو عايشوها، ثم التحدي المرتبط بإدماج هذا الموروث في التنمية، إذ لا يجب فقط الاكتفاء بتدوينه أو توثيقه وإنما أيضا إدماجه في الدورة الاقتصادية المحلية وجعله مصدرا مدرا للدخل”.

وخلص رئيس مركز أكلو للبحث والتوثيق، الذي عرض أمام الحاضرين في هذه المائدة المستديرة أهم إصدارات المركز والطرق المنهجية التي يوظفها لتدوين وتوثيق الموروث الشفهي بمنطقة “أكلو”، بإقليم تيزنيت، إلى أن “هذا الإدماج يضمن بدوره الحفاظ على التراث الشفهي من التلف، وبالتالي فإن تبني هذه المقاربة وتشجيع المقاولات الثقافية على الاستثمار في التراث يصب في هذا الاتجاه”.

من جهته أبرز عبد المجيد عزوزي، عضو جمعية ذاكرة الريف بالحسيمة، أن “هذه الأخيرة صارت بفضل جهودها في تجميع وصيانة وتوثيق التراث الشفوي، على غرار الحكايات الشعبية والأشعار والأمثال وغيرها، مرجعا بالنسبة للعديد من الأساتذة الباحثين المغاربة والأجانب المهتمين بالتراث الثقافي غير المادي والمادي بمنطقة الريف”، مضيفا أن “عناصر من هذا التراث تمت ترجمتها إلى لغات عديدة، على غرار العربية والإسبانية والإنجليزية”.

وأشار المتحدث ذاته إلى ضرورة استغلال الموروث الشفوي من أجل تحقيق إشعاع أكبر للغة الأمازيغية، واستثماره في مجال التربية والتعليم وفي الإعلام أيضا، لافتا إلى أن “هذا الموروث يساهم أولا في بناء هوية الإنسان وتعزيز تشبثه بثقافته”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *