يشكل المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير صرحا صحيا رائدا، ويُصنّف ضمن مستشفيات “الجيل الثالث”، ليُدشّن مرحلة جديدة من البنيات التحتية الصحية المتقدمة في المملكة، ويضيف قيمة نوعية للخارطة الصحية الوطنية، مجسدا الإرادة الملكية السامية في تعزيز جودة الخدمات الصحية وتأهيل قطاع استراتيجي قادر على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.

تتميّز هذه البنية الاستشفائية الجديدة بمواصفات عالمية في الهندسة المعمارية الاستشفائية، تجمع بين الفعالية العلاجية، والنجاعة الطاقية، وأنسنة الفضاءات الاستشفائية، لضمان تقديم رعاية صحية عالية الجودة لجميع المواطنات والمواطنين، كما يعد هذا الصرح الطبي مؤسسة جامعية متكاملة تقوم بمهمة مزدوجة تشمل تقديم رعاية طبية شاملة لجميع التخصصات الدقيقة مدعومة بأحدث الابتكارات التكنولوجية، إلى جانب كونه قطبا محوريا للتكوين الطبي والصيدلاني، وتدريب مهنيي الصحة، ودعم البحث العلمي والابتكار، بالتنسيق مع كلية الطب والصيدلة بأكادير، بما يضمن تطوير الكفاءات الوطنية واستدامة المنظومة الصحية.

صرح معماري وطاقة استيعابية متكاملة

يجسد المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير نقلة نوعية في مفهوم البنية التحتية الصحية الحديثة والمتطورة؛ إذ يمتد هذا الصرح على مساحة إجمالية تبلغ 30 هكتارا، بمساحة مغطاة تصل إلى 130,000 متر مربع، وبالتالي فهو عبارة عن مدينة طبية متكاملة صممت وفق رؤية استشرافية تضمن قابلية التوسع، وتراعي المعايير الإيكولوجية، وتوفر فضاءات استشفائية وإدارية ولوجستية تليق بمؤسسة ذات معايير عالمية وتعد بجودة في الخدمات الصحية المتخصصة وكذا الاستقبال والتوجيه.

يتألف المركز الاستشفائي الجامعي المذكور من قطبين متكاملين، يضم الأول مستشفى التخصصات الذي يعد القلب النابض للمركز بطاقة استيعابية تبلغ 867 سريرا، موزعة على 45 مصلحة متخصصة تشمل أدق الجراحات والتخصصات الطبية، من بينها أمراض القلب والشرايين وجراحة الدماغ وجراحة العظام والمفاصل، إضافة إلى تخصصات أخرى كأمراض الجهاز الهضمي والأنف والأذن والحنجرة والصدر والغدد والسكري والأمراض المعدية وأمراض الكلى والدم، إلى جانب مصالح الجراحة العامة وجراحة المسالك البولية والأوعية الدموية والقلب والصدر والوجه والفكين، وغيرها من الوحدات الاستشفائية المتقدمة.

أما القطب الثاني فيتجسد في مستشفى الأم والطفل، الذي يعكس العناية الملكية السامية بصحة الأجيال القادمة، بطاقة استيعابية تبلغ 245 سريرا، موزعة على 11 مصلحة، منها طب النساء والتوليد وطب الأطفال وإنعاش حديثي الولادة وإنعاش الأطفال، فضلا عن منظومة مستعجلات متطورة تستجيب للحالات الحرجة بفعالية فورية، وتضم 33 سريرا لمستعجلات الكبار و12 سريرا لمستعجلات الأطفال و21 سريرا لمستعجلات النساء والتوليد، إضافة إلى وحدة إنعاش خاصة بمستعجلات الكبار تضم 12 سريرا لتعزيز الأمان الصحي بالجهة.

الرأسمال البشري قوة حقيقية

تكمن القوة الحقيقية للمركز الاستشفائي الجامعي المذكور في رأسماله البشري المتميز، الذي يشكل القلب النابض لهذا الصرح ويضمن تقديم خدمات علاجية وفق أعلى معايير الجودة. ووفق التوجيهات الملكية السامية لتثمين العنصر البشري في قطاع الصحة، يضم المركز 1266 متخصصا من أطباء وأساتذة جامعيين وممرضين وتقنيين وإداريين، انتُقوا بعناية لضمان سير العمل بكفاءة استشفائية عالية.

يتصدر هذا الهيكل الأكاديمي 115 أستاذا جامعيا يقودون الفرق الطبية والجراحية، ويشرفون على البحث العلمي وتكوين الأطباء الجدد، مدعومين بـ 388 طبيبا مقيما و86 طبيبا داخليا، إضافة إلى أطباء وصيادلة متخصصين في الجوانب المخبرية والصيدلانية.

كما يشكل طاقم التمريض وتقنيي الصحة البالغ تعداده 760 ممرضا وتقنيا العمود الفقري للرعاية المباشرة، حيث يغطي مجالات التخدير والإنعاش وأمراض الكلى والعلاجات الاستعجالية والتوليد وصحة الأطفال والصحة النفسية. ويكمل الفريق التقني والإداري من مختبريين وتقنيي أشعة ومساعدين اجتماعيين وأخصائيي النطق وتقويم البصر وصيانة الأجهزة الطبية، إضافة إلى 117 إطارا هندسيا وإداريا يسهرون على الأداء اللوجستي والإداري، هذا الرأسمال البشري المتكامل، الذي يشكل الضمانة الحقيقية لاستمرارية المركز وكفاءته في خدمة الصحة العمومية والبحث العلمي بالجهة.

أقطاب جراحية ذكية

يقدم المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير اليوم نموذجا متقدما لمستشفى جامعي من الجيل الجديد، يجمع بين الهندسة الاستشفائية المتطورة، الابتكار الطبي، والجودة الإنسانية، حيث شُيّد وفق أعلى المعايير الدولية وتم تجهيزه بأحدث المعدات، مما يضع جهة سوس ماسة في مصاف المنصات الكبرى للرعاية والتعليم والبحث الطبي على الصعيدين الوطني والإفريقي.

ويبرز من بين أقطاب المركز المتخصصة، قطب الجراحة الذكية والمركبات الجراحية، الذي يُعد رائدا على المستوى الإفريقي بفضل دمجه للروبوت الجراحي “Revo”، الذي يتيح إجراء تدخلات دقيقة بأقل قدر من التوغل، ودقة ميكرومترية، ورؤية ثلاثية الأبعاد عالية الجودة، مع راحة غير مسبوقة للجراح.

يضم هذا القطب 19 قاعة عمليات متطورة، منها مركب للطوارئ وقاعة مخصصة لعلاج الحروق الكبرى، مجهزة بأحدث تقنيات الإضاءة الجراحية والطاولات الميكانيكية ووحدات التخدير الذكية وأنظمة التتبع الرقمي لضمان بيئة آمنة بالكامل. كما يضم المركز قطب التميز في أمراض القلب، الذي يحتوي على قاعتين للقسطرة القلبية ووحدات للعناية المركزة مزودة بأجهزة مراقبة متعددة المقاييس، ما يتيح التكفل الكامل بأمراض الشرايين التاجية واضطرابات نظم القلب، إضافة إلى إجراء عمليات دقيقة كتوسيع الشرايين واستكشاف الفيزيولوجيا الكهربائية والتصوير داخل الأوعية الدموية وفق أحدث المعايير الأوروبية.

ويتوفر المركز الاستشفائي الجامعي على منظومة متطورة للإنعاش الطبي والجراحي، تشمل وحدات الإنعاش العام وإنعاش حديثي الولادة وإنعاش مرضى الحروق الكبرى، مجهزة بأحدث أجهزة التنفس الذكية ومضخات الحقن المتصلة ومحطات المراقبة المركزية لتتبع العلامات الحيوية للمريض على مدار الساعة. وتضم وحدة إنعاش حديثي الولادة 21 حاضنة توفر رعاية متكاملة للمواليد الخدج في ظروف حرارية وصحية مثالية.

كما يحتوي على قطب الحروق الكبرى والطب عالي الضغط، الذي يعد مرجعا وطنيا بفضل غرفه المعقمة ذات التدفق الهوائي الصفائحي، ومعداته المتطورة للتحكم الحراري والرعاية الدقيقة. وتضم الوحدة غرفة أكسجين متعددة المقاعد لعلاج الحروق والتسممات ونقص التروية الحاد، بما يعزز تجدد الخلايا وتسريع الشفاء.

ويضم المركز منصة متقدمة للتصوير الطبي والاستكشاف تحتوي على جهازي رنين مغناطيسي، أحدهما مخصص لأمراض القلب، وثلاثة أجهزة سكانير متعددة الشرائح، وطاولات عمليات رقمية، وأجهزة دوبلر والتصوير الرقمي للثدي، مدمجة ضمن نظام رقمي متكامل لأرشفة الصور يتيح تشخيصا دقيقا وسريعا. كما تم تجهيز قطب التعقيم المركزي والصيدلة الآلية بوحدة تعقيم حديثة وصيدلية مركزية تعتمد على روبوت ذكي لتوزيع الأدوية بشكل آمن وآلي، في سابقة على المستوى الجهوي.

ويحتوي المركز أيضا على وحدة متطورة لإعادة التأهيل البدني، مزودة بأجهزة المحاكاة الحركية والدراجات الطبية ومنصات العلاج الوظيفي، إضافة إلى 24 مولدا للترشيح الفائق للدم لمساندة مرضى القصور الكلوي، ما يعزز التكفل الشامل بالمريض من التشخيص إلى العلاج وإعادة التأهيل.

ثورة تكنولوجية

يقود المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير ثورة تكنولوجية هادئة بين أروقته، فخلف هذا الصرح الذي يعد مستشفى جامعيا من الجيل الجديد، تكمن منظومة متكاملة من الابتكار الطبي والهندسة الاستشفائية، رصد لها غلاف استثماري تاريخي بقيمة 1.5 مليار درهم مخصص بالكامل للتجهيزات البيوطبية، واضعة الجهة في مصاف المنصات العالمية للرعاية والبحث، مجسدة الرؤية الملكية السامية في تقديم رعاية صحية ذات سيادة تنهي معاناة التنقل بحثا عن العلاجات الدقيقة.

يمثل هذا الصرح الاستشفائي قفزة هائلة نحو “طب المستقبل”، متجاوزا مفهوم المستشفى التقليدي ليصبح قطبا للريادة التكنولوجية. وتأتي في طليعة هذه الريادة، ولأول مرة على الصعيد الإفريقي، منظومة الروبوت الجراحي “Revo” الذي يمثل امتدادا فائق الدقة ليد الجراح.

تتيح هذه التكنولوجيا إجراء أعقد التدخلات الجراحية (خاصة في المسالك البولية والجهاز الهضمي) بأقل قدر من التدخل، وبدقة ميكرومترية تفوق قدرة العين واليد البشرية، مدعومة برؤية ثلاثية الأبعاد عالية الوضوح، مما يشكل ثورة تترجم مباشرة إلى تقليل المخاطر على المريض، وتخفيف الألم، وتسريع وتيرة الشفاء بشكل غير مسبوق، كما يعتبر هذا الروبوت جوهرة التاج في منظومة جراحية متكاملة تضم 19 قاعة عمليات “ذكية” ومتصلة رقميا، تشمل مركبا خاصا بالطوارئ وقاعة متطورة مخصصة لعلاج الحروق الكبرى، كما تم تجهيز كل قاعة بأحدث تقنيات الإضاءة الجراحية، وطاولات عمليات ميكانيكية متقدمة، ووحدات تخدير متصلة بالشبكة المركزية، وأنظمة تتبع رقمي تضمن بيئة معقمة وآمنة تماما، وتتبعا دقيقا لكل أداة ومسار.

وتكتمل هذه المنظومة الآلية بما يمكن تسميته “الأتمتة الصيدلانية”، ففي سابقة على المستوى الجهوي، تم تزويد الصيدلية المركزية بروبوت متطور لتوزيع الأدوية، يتولى تحضير وتوزيع الأدوية للمرضى المقيمين بشكل آلي بالكامل، بناء على وصفات طبية رقمية، تضمن دقة مطلقة في الجرعات، وتمنع أي خطأ بشري محتمل وترفع معايير السلامة الدوائية إلى مستويات عالمية، مما يجعل المركز نموذجا في تأمين مسار الدواء من الصيدلية إلى المريض.

مستشفى إيكولوجي بروج إنسانية

يجمع المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير بين الابتكار الطبي والتكنولوجي، ونموذج المستشفى الإيكولوجي بروح إنسانية، مزاوجا بين الكفاءة العلمية والالتزام البيئي والمقاربة الإنسانية للرعاية، ليمثل تجسيدا لرؤية وطنية طموحة نحو مستشفيات صديقة للبيئة تسهم في الانتقال الطاقي وتعزز فلسفة الرعاية المرتكزة على الإنسان.

ففي الجانب البيئي، يعد المركز نموذجا رائدا للمستشفى الأخضر بفضل استثماراته الضخمة في الطاقة النظيفة، حيث تم تزويد أسطح المباني بألواح شمسية كهروضوئية بقدرة إنتاجية تصل إلى 400 كيلوواط، ما يغطي نحو 7 في المائة من الاستهلاك الكهربائي الكلي، ويسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي الجزئي.

كما تم اعتماد منظومة متكاملة من سخانات المياه الشمسية لتلبية الطلب الكبير على المياه الساخنة مع تقليص الاعتماد على الغاز، إلى جانب عزل حراري متطور لكافة الواجهات وأنظمة تحكم ذكية في الإضاءة والتهوية وتكييف الهواء، وهو ما يُسهم في تخفيض كبير لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويجعل المركز نموذجا يحتذى به في الأداء الطاقي المستدام.

أما في البعد الإنساني، فقد تم تصميم الفضاءات الداخلية للمستشفى وفق مقاربة تراعي راحة المريض والمرافق على حد سواء، حيث يغمر الضوء الطبيعي جميع الأروقة وغرف الاستشفاء بما يحقق أثرا إيجابيا على التعافي الجسدي والنفسي. كما تم اعتماد نظام توجيهي واضح لتيسير حركة المرتفقين وتقليل التوتر، وتخصيص فضاءات استقبال وانتظار مريحة ومناطق خاصة بالأسر الداعمة للمرضى.

وينفتح المستشفى على محيطه الحضري عبر باحة واسعة ومفتوحة على المدينة، في خطوة رمزية لكسر الحاجز النفسي بين المؤسسة الصحية والمجتمع، ليصبح فضاء إنسانيا للشفاء يزاوج بين العلم، والبيئة، والكرامة الإنسانية.

المصدر: هسبريس

شاركها.