المرزوقي: الصراع بين العلمانيين والإسلاميين أنهك بلداننا العربية.. وعلينا إحياء الربيع العربي

اعتبر الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، أن الصراع بين العلمانيين والإسلاميين أنهك البلدان العربية طيلة عقود، وساهم في تخريب تجارب ديمقراطية إبان الربيع العربي، مشيرا إلى أن العوامل التي أدت إلى انفجار الربيع العربي لا تزال قائمة اليوم، وتتعلق بأزمة الدولة وأزمة المجتمع وأزمة الطبقات السياسية، وفق تعبيره.
جاء ذلك في مداخلة للمرزوقي خلال الجلسة الافتتاحية للجامعة الربيعية لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، والتي انطلقت أول أمس الجمعة بمدينة الجديدة، حيث قدّم المرزوقي قراءة في مسار الثورات العربية، انطلاقا من 2011 وإلى اليوم، معددا أبرز التحديات التي واجهتها الثورات، بين آمال التغيير وواقع الثورات المضادة.
أزمة الطبقة السياسية
ويرى المرزوقي أن أزمة الطبقات السياسية تتجسد أساسا في قضية الصراع بين العلمانيين والإسلاميين، وخاصة بين اليساريين والإسلاميين، مشيرا إلى أن هذه القضية كانت أحد أسباب خراب الثورة بتونس، وفق تعبيره.
يقول المرزوقي في هذا السياق: “الشيء الذي لاحظته في اليسار بتونس، أنه انقسم إلى قسمين، يسار اجتماعي ويسار إديولوجي، وأنا أنتمي لليسار الاجتماعي الذي يعتبره قضيته الأساسيى هي الفقر والهشاشة والحرمان، لذلك تركت الجامعة وذهبت للاشتغال على الطب الشعبي في الأرياف الفقيرة”.
وأردف قائلا: “لكن للأسف الشديد، بعد ظهور الحركة الإسلامية أصبح جزء كبير من اليسار عبارة عن يسار إيديولوجي، هويته الأساسية تمكن في معاداة الإسلاميين والإسلام، ودخلنا في هذا الصراع الذي أنهكنا وكان من أسباب خراب التجربة الديمقراطية في تونس”.
وأوضح أن الانتخابات الرئاسية بتونس سنة 2014، تحالف خلالها حزبان شيوعيان ضد المرزوقي بزعم أنه حليف للإسلاميين، وصوتا لصالح ممثل الثورة المضادة والبرجوازية.
واعتبر أن “الاصطفافهم العقلي (اليسار الإديولوجي) يقوم على أن الانتمام لليسار يعني أن تكون معاديا للإسلام والإسلاميين”، مضيفا: “المضحك أن اتفاقا سريا عُقد في تلك الانتخابات بين راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، وزعيم الثورة المضادة، على حسابي”.
إقرأ أيضا: المرزوقي: المغاربة الشعب العربي الوحيد الذي لم يتوقف عن التظاهر دعما لغزة
وشدد على أنه لن يكون هناك أي إمكانية للتقدم في طريق الديمقراطية دون تجاوز هذه القضية، مردفا “يجب أن يصبح واضحا للجميع أن مجتمعاتنا مركبة وتعددية فيها العلماني والمحافظ”.
ومضى قائلا: “على الإسلاميين أن يفهموا أن هناك جزءا مُعلمَنًا من المجتمع لا يستيطعون إيقافه عن التعلمن، وعلى العلمانيين أن يفهموا أن هناك جزءا كبيار من المجتمع محافظون ولا يمكن تجاوزهم، وأن الشجرة لابد أن تكون لها عروق حتى تكون لها غصون، لذلك يجب الخروج من كارثة الصراع بين اليسار ضد الإسلاميين”.
وبحسب المتحدث، فإن الفيصل الذي سيمكن الشعوب العربية من التقدم، هو التفريق بين الديمقراطيين والاستبداديين، مشيرا إلى أن في الديمقراطيين إسلاميين وعلمانيين، وفي الاستبداديين إسلاميين وعلمانيين.
وأبرز الرئيس التونسي السابق التجربة التركية في هذا الصدد، مشيرا إلى أن كمال أتاتورك حاول اقتلاع الجزء المحافظ من المجتمع طيلة 70 عاما، لكن في النهاية أرجع الشعب التركي الإسلام السياسي إلى السلطة، واليوم يواجه إسلاميو تركيا قوة علمانية تتظاهر ضدهم في الشارع.
وخلص المرزوقي إلى أن المجتمعات العربية مركبة من جزئين رئيسيين، وإن لم نقبل بهذه التركيبة الثنائية وبالديمقراطية كوسيلة وحيدة للتعايش بيننا، فسنواصل الحرب الأهلية وكل محاولاتنا لبناء دولة ديمقراطية سيفشلها هذا الطرف أو ذاك لأنه يرفض أننا مجتمعات تعددية” حسب قوله.
أزمة الدولة والمجتمع
وإلى جانب أزمة الطبقات السياسية، يرى المرزوقي أن عوامل تفجر الربيع العربي تجسدت كذلك في أزمة الدولة، والتي لم تنتهي بعد بل تتفاقم يوما بعد آخر، مشيرا إلى أن الاستعمار خلف للشعوب العربية دولا قطرية استبدادية فاسدة ومتخلفة.
وتابع قوله: “لو كانت استبدادية فقط مثل الصين وسنغافورة لقال البعض لا مشكل في الحرية المهم هو العمل والكرامة، لكننا أمام دول استبدادية وفاسدة، والدليل دول مثل الجزائر وليبيا والعراق كانت لها كل الإمكانيات لتكون دول متقدمة ثرية وغنية، لكن الاستبداد الفاسد هو الذي دمر كل آمال الشعوب في التقدم والتحرر”.
وأضاف: “قضية أخرى قل ما ننتبه إليها، ففي تونس لو وضعنا أحسن دولة ديمقراطية لما استطاعت أن تحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، لأنها دولة صغيرة لا يتعدى سكانها 12 مليون نسمة، وبالتالي لا يمكن أن تؤسس لاقتصاد حي، لذلك نحن بحاجة للفضاء المغاربي والعربي، وكل الشعوب بحاجة لفضاء واسع، فالاقتصاديات الكبرى لا يمكن أن تبقى محصورة في الدول التي رسم حدودها الاستعمار”.
واعتبر أنه في ظل هذا الوضع، كان من المفروض أن تتحد الدول العربية، مستدركا: “لكن بما أنها دول استبدادية فهي لا تتحد بل تتحارب، كما وقع في العراق وسوريا، والنتيجة دول استبدادية فاشلة، ودول استبدادية إقليمية متقوقعة على نفسها منعت علينا قيام الاتحاد المغاربي”.
واسترسل المرزوقي: “من يتحدثون عن الاتحاد المغاربي اليوم، أقول لهم انسوا الموضوع، أنتم كمن يحلب الثور منذ 50 سنة وتنتظرون منه أن يعطيكم الحليب، طالما ليست هناك دول ديمقراطية في الفضاء المغاربي فانسوا الموضوع، الديكتاتوريات لا تتحد بل تتحارب، وهو ما نراه اليوم”.
وبجانب أزمة الدولة، تبرز أزمة المجتمع، حسب المرزوقي، حيث وبغض النظر عن الطبقة البورجواجية والمتوسطة التي قضيتها بالأساس هي الديمقراطية والحريات، فإن الجمهور الكبير من المجتمعات العربية تعاني من الفقر والهشاشة، وبالتالي تبقى إشكالياتها الأساسية هي التقدم الاجتماعي.
وأوضح في هذا السياق أنه “يمكن لأي مستبد أن يراهن على التقدم الاجتماعي ويعد تلك الطبقات الفقيرة بذلك، ولو على حساب الديمقراطية، وهذه أزمة كبرى، مشيرا إلى أن بداخل هذه الأزمة تمكن أزمة الهوية والصراع بين الإسلاميين والعلمانيين الذي أنهكلنا وضيع فرصنا وأدخل المجتمعات في متاهات مختلفة، حيث جزء من المجتمع يرفض الآخر، وجزء يعتبر الآخر متخلفا”.
ويرى المرزوقي أن أزمات الدولة والمجتمع والطبقات السياسية تتفاقم في قت تتعاظم فيه التحديات مثل التغير المناخي والذكاء الاصطناعي وتغير الوضع الدولي، مردفا: “في الوقت الذي يجب علينا أن نتحد وتكون لنا دول قوية، نحن نواجه هذا الوضع المتفاقم الصعوبة بدول هشة وفاقدة المصداقية والمهابة والقدرة، ومجتمعات في حالة صراع أهلي، وبطبقات سياسية لازالت تختزل نماج قديمة للتعامل مع مشاكل مستحدثة لم تحصل من قبل”.
وأضاف: “آن الآون للخروج من هذه الإشكاليات ونعيد للربيع العربي زخمه ونحقق أهدافه في بناء دولة قانون ومؤسسات في كل أرجاء العالم العربي، بعيدا عن الحكم الفردي والفساد، وهذه معركة في كل قطر على حدة، مع ضرورة إخراج الشعوب العربية من وضعية شعوب رعايا الذي دجنها الاستبداد إلى مواطنين حقيقيين، ثم بناء اتحاد الشعوب العربية الحرة”.
وختم قوله: “نريد ديمقراطية اجتماعية وليس صراع أحزاب ونخب على السلطة، نريد ديمقراطية سيادية مستقلة عن التبعية للغرب، وديمقراطية اتحادية تسعى لبناء الاتحاد المغاربي واتحاد الشعوب العربية الحرة، كما نريد ديمقراطية مواطنة مبنية على المواطن وليس على المفهوم الهلامي المسمى الشعب الذي تستغله الاستبدادية” حسب قوله.
يُشار إلى أن الجلسة الافتتاحية للجامعة الربيعية لفيدرالية اليسار الديمقراطي بالجديدة، والتي تُنظم تحت شعار “إعادة التفكير في الديمقراطية على ضوء الحراكات الاجتماعية والفكرة الديكولونيالية”، عرفت أيضا مشاركة كل من عبد السلام العزيز، الأمين العام للفيدرالية، ومحمد الساسي، عضو المكتب السياسي للفيدرالية، ومحمد المصباحي، أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس، وعمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري، بجانب منتصر ساخي وجمال العمراني من اللجنة العلمية للجامعة.
المصدر: العمق المغربي