اخبار المغرب

“المرأة البامبارية”.. رواية تضع جرح الصحراء المغربية في مرآة الأدب

يخوض الكاتب والسيناريست محمود آيت الحاج تجربته الروائية الأولى من خلال عمل سردي لافت بعنوان “المرأة البامبارية”، صدر عن دار الأمان للنشر والتوزيع بالرباط، وبتقديم أدبي من الأديب مصطفى لغتيري.

هذه الرواية لا تكتفي بسرد حكاية شخصية نسائية قادمة من عمق القارة الإفريقية، بل تفتح من خلالها نافذة أدبية وإنسانية على واحد من أكثر الملفات إهمالا في الخطاب الأدبي العربي، وهو واقع مخيمات تندوف وتفاصيل المعاناة التي تعيشها فئات عريضة داخلها، من بشر نزعت منهم هوياتهم ودُفعوا إلى الهامش الإنساني والجغرافي.

اختار الكاتب أن يتناول قضية الصحراء المغربية من زاوية غير مألوفة، متخليا عن المباشرة والخطابية، ومنتصرا للبعد الإنساني والتأمل الهادئ في تفاصيل الحياة، من خلال سيرة امرأة إفريقية تنتمي إلى القبائل البامبارية بمالي. ومن خلال هذه الشخصية، التي تظل محور الأحداث وأداة الارتكاز السردي، يستعرض آيت الحاج التمزق بين فضاءين متناقضين: الأدغال الإفريقية كمجال للفطرة والهوية الأصلية، ومخيمات تندوف كرمز للقهر والتجريد والانقطاع عن الجذور.

الرواية تسائل التحولات العميقة التي تطال الإنسان حين يُنتزع من أرضه وثقافته ولغته، وتضع القارئ أمام سؤال الهوية في أكثر تجلياتها هشاشة. كما تكشف الرواية النقاب، بلغة سردية واقعية ومؤثرة، عن قضايا مسكوت عنها في الإعلام والأدب، مثل الاتجار بالبشر، تجنيد الأطفال، واستغلال النساء في سياقات سياسية معقدة، دون أن تسقط في فخ المباشرة أو التقرير. بل إن الكاتب، بحكم اشتغاله سابقا على سيناريوهات في المجال الصحراوي، استطاع أن يُهضم الموضوع بكل تعقيداته، ويقدمه في قالب روائي رشيق يراعي إيقاع الحكي وأبعاده الجمالية.

ومن اللافت أن هذا العمل الروائي، الذي يقع في مئة صفحة من الحجم المتوسط، لم يكن في الأصل رواية، بل كان سيناريو وثائقيا، قبل أن يرى فيه مشروعا أدبيا يمكن أن يحمل صوته الإنساني بشكل أعمق وأشمل. وهو ما يجعل البناء السردي للرواية متينا ومؤثرا في الآن نفسه، حيث تتكامل الصورة والحدث، ويتنقل القارئ بين المشاهد بانسيابية تشبه حركة الكاميرا، دون أن تفقد اللغة الروائية روحها الأدبية.

“المرأة البامبارية” ليست فقط عملا روائيا عن قضية الصحراء المغربية، بل هي قبل كل شيء صرخة مكتومة تنبع من قلب إفريقيا وتنتهي في عراء المخيمات. صرخة تمثل وجها من وجوه المعاناة الجماعية التي غالبا ما تُغفل في التحاليل السياسية والإعلامية. وهي أيضا مساهمة أدبية شجاعة في أرشفة هذا الألم الإنساني، ومنحه معنى في ذاكرة الأدب المغربي المعاصر.

بهذا العمل، يضع محمود آيت الحاج لبنة أولى في مسار روائي واعد، ويمنح للقضية الوطنية صوتا أدبيا مختلفا، ينقل المأساة من خانة التجاذب السياسي إلى حيز التأمل الجمالي والطرح الإنساني العميق.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *