المدارس الخصوصية في المغرب.. تعطيل لثوابت الدولة وكتب تعيق ترسيخ الهوية
ظل التعليم الخصوصي في المغرب منذ سنوات من الملفات التي تشغل حيزا كبيرا من النقاشات المتعلقة بالسياسات التعليمية، بالنظر لكونه أحد الأركان الأساسية للعرض المدرسي، حيث يستقطب نسبة كبيرة من التلاميذ عبر مختلف المستويات التعليمية، وأيضا لارتباطه بقضايا متعلقة بالامتيازات الممنوحة له وغياب المراقبة الفعالة وعدم التزام بعض المؤسسات بتحقيق أهداف الوزارة، مما يثير تساؤلات حول جودة التعليم واستدامته.
ويرى العديد من المتتبعين أن هذه السرعة التي تتكاثر بها مؤسسات التعليم الخصوصي نتيجة طبيعية للامتيازات الحكومية التي تشمل الإعفاءات الضريبية وتخفيف القوانين، بل وتعطيلها في بعض الأحيان كما حدث مع القانون الإطار 51.17، مما يؤدي إلى الرفع من هامش الربح لأرباب هذه المؤسسات وتهميش فئات معينة مثل الأسر المعوزة وذوي الإعاقة.
وسجل المختصون في الشأن التربوي عدة اختلالات في هذا النوع من المؤسسات همت بالأساس تراكم الامتيازات وتعطيل القوانين، وفوضى الكتب المدرسية المستوردة المخالفة للمنهاج الدراسي والتي تعيق ترسيخ الهوية المغربية، فضلا عن إشكالية المراقبة التربوية والإدارية التي تجعل رهان المدرسة الخصوصية المواطنة مستحيلا.
ويرى الباحث في قضايا التربة والتكوين والسياسات التعليمية، سعيد أخيطوش، أن التعليم المدرسي الخصوصي هو أحد أهم الأركان التي ينبني عليها العرض المدرسي المتوفر للمغاربة، وذلك من خلال تأمينه لتمدرس ما يقارب خمس المتعلمين المسجلين في التعليم المدرسي الابتدائي في مقابل % 12 بسلك التعليم الثانوي الإعدادي و40% بالسلك التأهيلي.
وأبرز أخيطوش أن هذا النوع من التعليم المغربي يؤمن لأبناء المغاربة مجموعة من الخدمات تتوزع بين ما هو تعليمي تربوي يرتبط أساسا بالتدريس وما هو خدماتي صرف قد يصل إلى المطعمة والنقل والفندقة في بعض الحالات، وهنا من الضروري التذكير بكون المواطنين الذين اختاروا لأبنائهم هذا الصنف من المؤسسات يؤدون مقابل تلك الخدمات رغم العديد من الدعوات الداعية إلى ضرورة تقنين الأسعار وتحديد السقف الممكن أن تتقاضاه المؤسسة التعليمية جراء خدماتها، وفق تعبيره.
وأشار أخيطوش ضمن تصريح لجريدة “العمق” إلى أن أول ما يسجله أي دارس لحضور التعليم المدرسي الخصوصي في الساحة التعليمية بالمغرب هو تزايد المؤسسات الخصوصية بشكل ملفت، فقد استقطب القطاع استثمارات جد سخية خصوصا بعد إقرار الدولة لعدة امتيازات سواء فيما يتعلق بتسجيل الأراضي المحتضنة لها أو فيما يهم الرسم المهني والضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات، حيث تتراوح الامتيازات من الإعفاء التام إلى إقرار نسبة بسيطة جدا مقارنة مع باقي المؤسسات والشركات المشتغلة في القطاع الخاص خارج التربية الوطنية.
مراكمة الأرباح وتعطيل القوانين
وأكد المتخصص في الشأن التربوي، أنه بهذا الشكل يراكم أرباب هذه المؤسسات التعليمية الخاصة أرباحا مهمة من خلال رأسمال بسيط مقارنة مع باقي القطاعات. كما أن تعطيل تنفيذ مجموعة من القوانين يخفف العبء المالي أكثر على هذه المؤسسات وبالتالي الرفع أكثر من هامش الربح المحقق جراء الاستثمار في التربية والتعليم الخصوصيين. في الوقت ذاته لا تساهم هذه المؤسسات في التعليم الاستدراكي وبرامج التربية غير النظامية.
وأبرز المتحدث أن هذه المؤسسات الخصوصية عطلت القانون الإطار وخصوصا المواد 3 و4 و13 ثم 14، إذ لا تعمل على ترسيخ الثوابت الدستورية للبلاد المنصوص عليها في المادتين 3و4 والمتمثلة في الدين الإسلامي الحنيف، فالغلاف الزمني لمادة التربية الإسلامية يتم تخفيضه بما يصل للنصف أحيانا لإتاحة الفرصة لمواد أخرى غير موجودة ضمن النظام التربوي المغربي. ثم الملكية الدستورية والوحدة الوطنية المتعددة الروافد التي يتم تغييبهما بفعل الاعتماد على مراجع وكتب مستوردة من خارج البلاد.
وأضاف أيضا أن تمدرس أبناء الأسر المعوزة وكذا ذوي الإعاقة والوضع الخاص غائب تماما في جدول أعمال هذا النوع من المؤسسات، بل ويتم في بعض الحالات استخدام المادة 13 من القانون الإطار بشكل يمكن هذه المؤسسات من التحايل لتحقيق نسب عالية من النجاح من خلال استقطاب المتفوقين من المؤسسات العمومية المجاورة. كما أن اعتماد أغلب المؤسسات على مقابلة استطلاعية أو رائز لقبول المتعلمين بشكل غير قانوني يمس تمدرس المتعلمين في وضع خاص وكذا الأطفال في وضعية إعاقة الذين نجدهم في الغالب الأعم خارج اهتمام هذه المؤسسات الخصوصية.
ومن أهم القوانين المعطلة لصالح المؤسسات الخصوصية، يضيف أخيطوش، نجد أيضا القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مجال التعليم ومجالات الحياة العامة ذات الأولوية ولاسيما المادة 3 منه والتي جعلت من تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة دون استثناء. هذا الأمر نجده حاضرا أيضا في المادة الأولى من الظهير الشريف 1.00.201 القاضي بتنفيذ القانون 05.00 الخاص بالعليم الأولي الذي تؤمن المؤسسات الخاصة تمدرس أبناء المغاربة فيه.
وأشار المتحدث إلى القانون 06.00 الذي يتم تعطيل أجزاء مهمة منه لتحقيق استفادة المؤسسات الخاصة ومنحها الامتياز التعليمي والتربوي لتجاوز المدرسة العمومية، ومن أهم ما يتم تعطيله في هذا القانون الأساسي الصادر بالظهير الشريف رقم 1.00.202 نجد المادة الرابعة التي تلزم بالعمل بنفس المناهج التي تعمل بها المؤسسات العمومية، في حين أن جميع المؤسسات الخصوصية تختار من الكتب ما هو مستورد في العديد من المواد. ثم المادة 13 التي تلزم المدارس الخصوصية بضرورة التوفر على أطر قارة بنسبة لا تقل عن 80% .
كتب مدرسية تعيق ترسيخ الهوية المغربية
وأشار الخبير التربوي ضمن تصريحه إلى أن المؤسسات ملزمة باعتماد نفس الكتب المدرسية المستعملة في التعليم العمومي وفقا للمادة 4 من القانون الأساسي للتعليم الخصوصي 06.00، الذي تزكيه المذكرة الوزارية 382 الصادرة سنة 2010 بخصوص مراقبة الكتب المدرسية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي.
أما المادة 08 من القانون 06.00، يشير اخيطوش، فهي تطالب المدارس الخاصة بتقديم مشروع تربوي يتضمن على الخصوص برامج ملائمة للتوجهات العامة للنظام التربوي يعرض للمصادقة من قبل الأكاديميات. هذا المشروع يتم إعداده وفقا للمطلوب للحصول على الترخيص فقط، ثم يتم الانتقال لاعتماد كتب وتوجهات تربوية مخالفة لما نص عليه المنهاج الدراسي الرسمي.
فالكتاب المستورد خصوصا في اللغات والرياضيات والعلوم أيضا أصبح سمة المدرسة الخصوصية بالمغرب وهو ما يمس بشكل مباشر تربية أبناء المغاربة في هويتهم الحضارية ويجعلهم غرباء داخل بلدهم، بالإضافة إلى اعتماد تسميات للمستويات الدراسية مخالفة للتسميات الرسمية وتصرف العاملين بهذا الصنف من المدارس في الأحياز الزمنية المحددة لكل مكون ولكل مادة. طبعا هنا نشير للمحتويات التي تتضمنها الكتب المعتمدة لكونها تندرج ضمن هوية مخالفة للهوية المغربية وتعتمد منظومة قيم مخالفة لما هو وطني، وفق تعبيره.
رهان المدرسة الخصوصية المواطنة مستحيل
وأوضح المتحدث أن استمرار المؤسسات التعليمية الخصوصية في عدم الامتثال للقانون والوثائق المتعددة الصادرة من الوزارة الوصية عن القطاع وخصوصا في الشق المتعلق باحترام المنهاج الدراسي وكذا اعتماد الكتاب المدرسي الوطني، على الأقل مساهمة في تشجيع صناعة الكتاب المدرسي المحلي والحفاظ على هوية المغاربة، يجعل الرهان على هذا الصنف من المدارس لتعليم نسبة أكبر من المتعلمين المغاربة غير ممكن البتة إلا من خلال تصحيح الوضع آنيا وتفادي إضاعة المزيد من الوقت من خلال الاستمرار في اعتماد أنظمة مراقبة لم تؤت أكلها إلى اليوم.
وأشار المفتش التربوي إلى أنه من خلال الوثائق الرسمية نجد بأن مراقبة المدرسة الخصوصية تربويا يتم من خلال إدراجها ضمن مناطق التفتيش لمراقبة استعمال الكتب واحترام المنهاج الرسمي، ثم إداريا من خلال اللجان الإدارية المحدثة بناء على المذكرة 76 الصادرة بتاريخ 05 يوليوز 2021 في شأن تعزيز تدابير تأطير ومراقبة مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي، ويشمل هذا النوع من المراقبة فحص الوثائق الإدارية المتعلقة بالمؤسسة ومستخدميها التربويين والإداريين وبالتلاميذ، وكذا تفتيش المرافق الصحية للمؤسسة ومراقبة حسن سير الأقسام الداخلية في حالة وجودها.
ولفت إلى أن اعتماد النوعين السالفين من المراقبة إلى اليوم لم يؤت أكله لضبط مختلف التدخلات داخل المدرسة الخصوصية بفعل بروز ظواهر سلبية في علاقات المراقبة المحتملة من جهة، وجعل هذه المراقبة أمرا تقنيا مناسباتيا يخبر مدير المدرسة ببرمجة تنفيذه. هذا دون إغفال غياب أية مراقبة حاليا تهم التسعيرة المعتمدة في أثمنة الخدمات التعليمية بهذا النوع من المؤسسات.
وخلص المتحدث إلى أن بلوغ الهدف المتمثل في تحقيق وجود مدرسة مغربية خصوصية محترمة للمنهاج الرسمي ومعتمدة على كتب مدرسية محلية يبقى في الوقت الراهن بعيد المنال خصوصا مع تعدد المخالفات التي يسجلها الواقع التعليمي الخصوصي ببلادنا، كما أن هاجس الربح واستقطاب العديد من المستثمرين الراغبين فقط في الاستفادة من الامتيازات التي يخولها القطاع يزيد الطين بلة من خلال ممارسات أخرى تكرس غياب المراقبة اللازمة والفعالة، وتغرق القطاع في مزيد من المخالفات القانونية ويتعلق الأمر بكل التجاوزات المسجلة في اللوحات الإشهارية والتصرف في بنايات المؤسسة بعد الحصول على الترخيص وعدم احترام المساحة القانونية اللازمة لكل متعلم ثم مشاكل النقل المدرسي العديدة والمتنوعة.
المصدر: العمق المغربي