يعدّ جنوب المغرب أحد أغنى المناطق في المملكة من حيث التنوع الثقافي والفني، حيث تتوارث الأجيال تراثًا متنوعًا يجمع بين الموسيقى والرقص والشعر الشعبي والصناعات التقليدية والعادات الأصيلة. هذا الثراء لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تاريخ طويل من التعايش بين القبائل، والانفتاح على مسارات القوافل التجارية القديمة، ما جعل المنطقة ملتقى ثقافات متعددة.
رغم هذا البعد الحضاري العميق، فإن التراث الجنوبي يواجه اليوم مجموعة من التحديات، أبرزها الاستغلال التجاري غير المشروع الذي يمارسه بعض الوسطاء أو المتطفلين على المجال الفني. ففي مناسبات عديدة، يجد الفنانون التقليديون أنفسهم رهائن لعقود غير منصفة، أو مقابل تعويضات هزيلة لا تعكس القيمة الحقيقية لعطائهم الفني.
ويؤكد عدد من المهتمين بالشأن الثقافي أن هذا الاستغلال يستغل خصلة أصيلة لدى أبناء الجنوب، وهي الكرم والضيافة، الصفات التي تجعلهم يتعاملون بتلقائية وثقة مع أي جهة تطلب خدماتهم. غير أن البعض يحوّل هذه الطيبة إلى باب للربح السريع، مستخدمين التراث كسلعة تجارية بدل اعتباره إرثًا جماعيًا يجب صونه.
دور المهرجانات في حماية التراث الجنوبي والتعريف به
تلعب المهرجانات والملتقيات الفنية، سواء داخل المغرب أو خارجه، دورًا محوريًا في صون التراث الثقافي لجنوب المملكة. فهي ليست مجرد فضاءات للعرض، بل منصات للتوثيق والبحث وتبادل الخبرات. ومن خلال هذه التظاهرات، يجد الفنانون المحليون فرصة لتقديم فنون “أحواش” و“الركبة” و“اقلال” و“كناوة اسمخان” وغيرها من الألوان الفنية، أمام جمهور واسع ومن مختلف الجنسيات.
وتساهم هذه المهرجانات في تعزيز حضور التراث الجنوبي عالميًا، إذ تمكّن الفرق الفنية من المشاركة في مهرجانات دولية، مما يساهم في التعريف بالثقافة المغربية وإبراز غناها الإيقاعي والإنساني. كما تشجع على تبادل التجارب بين الفنانين المغاربة ونظرائهم من دول أخرى، ما يفتح آفاقًا جديدة لتطوير الأداء الفني مع الحفاظ على الأصالة.
أما على المستوى الوطني، فتوفر المهرجانات المحلية منصات مهمة لاكتشاف المواهب الشابة، وبناء جسور بين الأجيال، إضافة إلى تنشيط الاقتصاد الثقافي والسياحي في المناطق الجنوبية. كما أن العديد من هذه التظاهرات أصبحت تعتمد على لجان مهنية وهيئات تنظيمية أكثر صرامة، لضمان حقوق الفنانين ومنع الاستغلال.
بين التحديات والمسؤولية المشتركة
يرى المهتمون أن حفظ التراث لا يعني فقط حماية الفنان، بل يتطلب كذلك رقمنة الأشكال الفنية، وتوثيق الشعر الملحون والأغاني والرقصات التقليدية، حتى تنتقل للأجيال المقبلة دون تشويه أو استغلال تجاري مبتذل. وفي ظل الاهتمام المتزايد بالتراث اللامادي في المغرب، يبقى جنوب المملكة نموذجًا حيًا لثقافة متجذرة تحتاج إلى حماية حقيقية، تكافئ قيم أهلها الأخلاقية وتحفظ حقوق فنانيها، وتضمن أن يظل هذا التراث مصدر فخر واعتزاز، لا وسيلة للبعض لجني الأرباح على حساب الآخرين.
المصدر: العمق المغربي
