المجلس الوطني لحقوق الإنسان ينظر للذاكرة على ضوء تاريخ المغرب المعاصر
نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ضمن الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، اليوم الأحد، ندوة حول “حقوق الإنسان في مرآة الذاكرة والتاريخ”، أطرها المؤرخ والأكاديمي الطيب بياض، بمشاركة الأكاديمي والجامعي أسامة الزكاري، وعضو هيئة الإنصاف والمصالحة مبارك بودرقة، الذي أشرف بدوره على “تعزيز أرشيف الذاكرة الحقوقية” للبلد.
وبدا خلال انطلاق الندوة أن استدعاء “قول الصحافة” في العملية كان مفصليّا أثناء “التنظير”، الذي ورد في الكتب وتمت إعادة استحضاره في الندوة بحثاً عن إسهامات المؤرخ الذي يتخذ من المادة الصحافية “مصدرا”، حين يُخرج المعلومة من جلباب السرعة والإثارة ويدخلها مرحلة الهدوء واتخاذ المسافة التي تسعفه في التحليل والتفكيك وترك الأثر، أي أن يصبح المؤرخ صحافيّا بمعنى مختلف، أو أن يكون “الصحافي مؤرخا”.
صحافة تؤرخ
أسامة الزكاري، الباحث في تاريخ المغرب المعاصر، تسلّم الكلمة من بياض لينطلق منوها بكتاب الأخير “الصحافة والتاريخ”. وقال إن علاقة الصحافة بالكتابة التاريخية في المغرب حديث ذو شجون لاعتبارات متعددة، أولها أن هذا الحقل أفرز أسماء كبيرة أغنت أو اشتغلت بمنطق لا يمكن أن يكون إلا مادة هامة للباحث المرتبط بأسئلة ما يسمى اليوم بالتاريخ الراهن.
وأضاف الزكاري أن “ذاكرة المغاربة في القرن العشرين ارتبطت ارتباطا وثيقا بأسماء معينة، سواء خلال مرحلة الاستعمار أو ما بعد الاستقلال”، متسائلا “كيف يمكنني أن أقرأ ذاكرة النضال التحرري في المغرب بدون العودة إلى صحف حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي، مثل جريدة العلم وكذا الرأي العام وغيرهما من الصحف التي كان لها دور كبير في النضال السياسي ضد الاستعمار؟”.
وأشار المتحدث إلى أنه خلال مرحلة ما بعد الاستقلال برزت أسماء “لا يمكننا أن نقرأ تحولات المشهد السياسي في المغرب بدون الإحالة المستمرة على أعمالها مثل المرحوم محمد العربي المساري”، مضيفا أن “الرجل لم يكن صحافيا فحسب، بل كان مثقفا منفتحا على حقول معرفية شتى، وأحسن توظيف درس التاريخ لكتابة أعماله التي هي شواهد على مرحلة تحول أساسية في تاريخ المغرب بعد الاستقلال”. وعرج في هذا السياق على محمد باهي، الذي كان “يستحضر منطق المؤرخ في البحث عن الوثيقة والتدقيق في الروايات”.
وعاد الأكاديمي ذاته للتطرق إلى كتاب “الصحافة والتاريخ” في مداخلته، وقال إن بياض في هذا العمل “تجاوز الكليشيهات حول الصحافة، ومنح لنفسه الحق ليخترق الطابوهات من خلال الأسئلة المهيكلة للبحث في الأسئلة التي تتعامل مع المصادر الصحافية باعتبارها مادة خاما يمكن أن يشتغل عليها المؤرخ”، مسجلا أن الباحث في هذا الباب بالذات حقق عملا أكاديميا رفيعا يحسب له.
مهمة مركبة
مبارك بودرقة، عضو هيئة الإنصاف والمصالحة، لفت في بداية مداخلته إلى أن المغرب لم يكن يتوفر على أرشيف، وأنه توقف في المغرب منذ سنة 1944، مشيرا إلى أن أول حكومة اكتشفت هذه المسألة كانت حكومة الراحل عبد الرحمن اليوسفي. وأضاف أن “الملك الراحل الحسن الثاني أبدى استغرابا كبيرا بخصوص تعاقب حكومات كثيرة لم تنتبه إلى هذه النقطة الهامة، وهذا شكل لنا في بداية هيئة الإنصاف والمصالحة تحديا كبيراً لكون حتى الأطروحات الجامعية والأبحاث كانت تهتم بالقرن 19”.
وأبرز أن هذا الخصاص في الأرشيف شكل له هاجسا دفعه هو والراحل شوقي بنيوب إلى تدوين مسار الهيئة وكواليسها وتواريخها وأحداثها في كتاب، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن علاقته الوطيدة بالمرحوم محمد باهي، الذي انشغل بكتابة مساره في “رسالة باريس”، التي وصلت الآن الجزء الثامن، غير مستبعد أن تصل 20 جزءاً إذا توفرت المادة الكفيلة بتحفيز ذلك.
وبعد حديثه عن باهي روى بودرقة كيف باغت، سنة 2017، الزعيم اليساري عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان يرفض رفضا باتا كتابة مذكراته، بمجمل الوثائق التي حررها سابقا في أنشطة الحزب بيده، فقال له اليوسفي: “أنا أستغرب أنني كتبت هذا، وأنك جمعت كل هذا”.
وأضاف بودرقة “طلبت منه حينذاك أن يقدم لي مساره لكي يتعرف عليه الشعب المغربي، فقبل ذلك وجاء عندي إلى البيت وأحضر معه مجموعة من الوثائق، وحين بدأنا الاشتغال قال اليوسفي مازحا: شوف، أنا راه ما قلتها لحد”.
بعد ذلك عاد “عباس” إلى مذكراته، التي خرجت في حوارات مع المؤرخ المغربي الطيب بياض تحت عنوان “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة”، مشيرا إلى أنه طلب من الأخير أن ينوب عن القراء وألا يرحمه في الأسئلة، وأن يقطع رأس الأنا حين تطلّ في أحاديثه. وتابع قائلا: “حاولنا أن نكون موضوعيين، وكان يقول ما يقول ويدلي بالوثيقة”، قبل أن يعود لاحقا للحديث عن تجربة الإنصاف والمصالحة، التي اعتبرها فريدة من نوعها في المنطقة العربية.
المصدر: هسبريس