اخبار المغرب

”المادة 70″ تشعل مجالس الجماعات .. أداة للرقابة أم سلاح لتصفية الحسابات؟

يتجدد الجدل بعد مرور ثلاث سنوات من عمر انتداب المجالس الجماعية بالمغرب حول تفعيل المادة 70 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، والتي تتيح لثلثي أعضاء المجلس تقديم ملتمس لرئيس الجماعة لمطالبته بالاستقالة، فبينما يرى البعض في هذه المادة آلية ضرورية لمحاسبة رؤساء الجماعات وتصحيح الاختلالات في التسيير، يعتبرها آخرون تهديدا لاستقرار المجالس الجماعية ووسيلة للابتزاز وتصفية الحسابات.

وتشهد العديد من الجماعات الترابية توترات متزايدة في الأسابيع الأخيرة، نتيجة تفعيل أحكام المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، حيث تقدم ثلثا أعضاء عدة مجالس بملتمسات تطالب رؤساء الجماعات بتقديم استقالاتهم، مما ساهم في تصاعد الخلافات الداخلية وزيادة حدة التوترات السياسية، واضعة رؤساء الجماعات أمام امتحان عسير.

وتنص المادة 70 على أنه “بعد انصرام أجل ثلاث سنوات من مدة انتداب المجلس يجوز لثلثي الأعضاء المزاولين مهامهم تقديم ملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته، ولا يمكن تقديم هذا الملتمس إلا مرة واحدة خلال مدة انتداب المجلس. يدرج هذا الملتمس وجوبا في جدول أعمال الدورة العادية الأولى من السنة الرابعة التي يعقدها المجلس”.

وفي حالة رفض رئيس الجماعة تقديم استقالته، أجازت نفس المادة للمجلس في نفس الجلسة أن يطلب بواسطة مقرر يوافق عليه بأغلبية ثلاثة أربعا الأعضاء المزاولين مهامهم، من عامل العمالة أو الإقليم إحالة الأمر على المحكمة الإدارية المختصة لطلب عزل الرئيس.

تحالفات هشة

في هذا الإطار، قال رشيد أغزاف وهو محام وباحث مهتم بالشأن التنموي الترابي إن “المادة 70 من القانون التنظيمي 113.14، يمكن أن تكون وسيلة لتصفية حسابات شخصية خاصة أمام كون الأغلبيات أصبحت تبنى على تحالفات هشة ومزاجية، بحيث يمكن اعتبارها في الكثير من الأحيان هي تلك الفزاعة التي تحدد وظيفتها في التحكم في رؤساء الجماعات الترابية وابتزازهم وليس عزلهم لأن مسطرة العزل وفق الشكليات المنصوص عليها في مسطرة التقاضي طويلة ومعقدة”.

وشدد أغزاف ضمن تصريح لجريدة “العمق”، على  أن تدبير الشأن الترابي يجب أن يتأسس على الفعالية من أجل المواطن ومن أجل التنمية الترابية لأن الرهان الحقيقي ليس هو تغيير الأشخاص وإنما البحث عن الفعالية والجودة في ممارسة الفعل التنموي داخل الجماعات الترابية، وهو عمل لا يتحقق إلا وفق مقاربة تشاركية بعيدا عن منطق التشهير والسب وثقافة الهدم، وانسجاما مع فلسفة القانون التنظيمي 113.14 وذلك باستثمار الجهد الذي سيبذل في الاطاحة وعزل بعض الرؤساء وفي الصراعات الشخصية والفئوية في الفعل التنموي، وذلك ببلورة مشاريع تنموية لتحقيق التنمية التي ينتظرها الجميع.

في سياق متصل، يرى المحامي رشيد أغزاف، أن تجميع ثلتي الأعضاء وتقديم ملتمس الاستقالة والتوفر على أغلبية ثلاثة أرباع الأعضاء المزاولين مهامهم تبقى مجرد إجراءات شكلية تنتهي بإحالة الأمر على المحكمة الإدارية من طرف سلطة المراقبة للبث في طلب عزل الرئيس داخل اجال ثلاثين يوما من تلقي طلب الإحالة.

وأوضح الباحث نفسه، أن “المحكمة تبت في طلب العزل وفق القانون وليس وفق نتائج التصويت وتراعي في ذلك مقتضيات الفصل 145 من الدستور والمادة 115 من القانون التنظيمي 113/14 بشأن المراقبة الادارية على أعمال وعلى أعضاء مجالس الجماعات وكذا على مقرراتها”، مبرزا أن “إخضاع طلب العزل المقدم في إطار في المادة 70 أعلاه لرقابة المشروعية والوقوف على مدى احترامه للنصوص التشريعية ومنها المقتضى المتعلق بتعليل القرارات الإدارية تطبيقا لمقتضيات المادة 20 من قانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية الذي يلزم الإدارة بتعليل قراراتها”.

كما أشار إلى أن البت في طلب العزل المقدم في إطار المادة 70 يتم وفق مسطرة التقاضي العادية وهو ما يجعل الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية الابتدائية قابلا للاستئناف أمام محكمة الاستئناف الادارية و الطعن أمام محكمة النقض وهو ما يتطلب الكثير من الوقت لإقرار العزل، ما يؤدي إلى تعطل مصالح الساكنة وعرقلة المسار التنموي للجماعات.

تهديد استقرار المجالس

من جانبه، قال البرلماني عن الفريق الاستقلالي، العياشي الفرفار، إن المادة 70، نص قانوني ملزم وحق مشروع بالنسبة لثلثي أعضاء المجالس الجماعية، “لكن من الناحية السياسية، يمكن قراءة هذا النص من مستويين. المستوى الأول يعتبر أن تفعيل المادة 70 قد يهدد استقرار أداء المجلس، الذي يرتبط ببرنامج عمل مصادق عليه ويهدف إلى تنفيذ مشاريع جماعية. وفق هذا المنظور، يُنظر إلى برنامج المجلس ككل متكامل وليس كصراع بين الأغلبية والمعارضة، بل كالتزام جماعي”.

المستوى الثاني، يضيف الفرفار في تصريح لجريدة “العمق”، “مرتبط بأن البعض يرى في المادة 70 أنها تتيح فرصة لتقييم أداء رئيس الجماعة وأغلبيته بعد نصف المدة، حيث قد تبرز بعض التعثرات أو ضعف الفعالية، مما يستدعي مراجعة المسار لتحقيق نتائج أفضل، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في السياق الذي يتم فيه تفعيل هذه المادة، حيث نلاحظ تزايد الصراعات بين أعضاء المجالس المحلية، التي تحولت في بعض الأحيان إلى ساحات للمواجهات السياسية بدلا من منصات للتدبير العقلاني”.

وأكد المتحدث ذاته، أنه في ظل هذا السياق، أصبحت المادة 70 تُستخدم أحيانا كأداة للصراعات الشخصية أو الانتقام السياسي، بدلا من أن تكون وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، مضيفا أنه “مع ذلك، لا يمكن إنكار وجود بعض الحالات التي تبرز فيها الحاجة إلى التغيير والتجديد، خصوصا عندما يُظهر رئيس المجلس أو فريقه فشلاً في تلبية تطلعات المجلس والناخبين”.

وأوضح البرلماني الاستقلالي، أن “المشكلة الأساسية لا تكمن في نص المادة نفسها، بل في كيفية تطبيقها وسلوك الفاعلين السياسيين، حيث أن المادة 70 تظل أداة تشريعية مهمة إذا تم استخدامها بشكل رشيد يخدم الصالح العام. وهناك مثال لرئيس جماعة في قلعة السراغنة، الذي يعيش بعيدا عن منطقته ويحاول إدارة الشؤون عن بعد بسبب ظروفه الصحية أو الاجتماعية”.

هذه الحالة، بحسب الفرفار “تتنافى مع مبدأ “مسؤول القرب” الذي دعا إليه الملك محمد السادس، حيث يجب على المسؤول أن يكون قريبا من المواطنين لتلبية احتياجاتهم بفعالية، مؤكدا أن نفعيل المادة 70 من القانون التنظيمي السالف الذكر، يجب أن يسترعي ضرورة ضمان حسن التدبير والحكامة الجيدة، بشرط أن يتم ذلك بروح من المسؤولية والانتصار للمصلحة العامة”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *