اخبار المغرب

المؤتمر التاسع لحزب العدالة والتنمية وإعادة انتخاب بن كيران.. بين رهانات التجديد وإكراهات التجميد

يعتبر المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية،  الذي انعقد يومي 26 و27 أبريل 2025، منعطفا متميزا في تاريخ هذا الحزب ذي المرجعية الدينية والذي  تصدر الحكومة لولايتين رغم تاريخه النضالي القصير. إذ يمكن اعتبار هذا المؤتمر مرحلة مفصلية بين مرحلة التصدر الحكومي و الانتكاسة الانتخابية التي كانت لها تداعيات وخيمة على تماسكه الداخلي المتمثل ليس فقط في تراجع شعبيته السياسية خاصة بعد توقيع اتفاقية ابراهام من طرف رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحزب و ابتعاد العديد من قيادييه عن الحزب سواء من خلال الإعلان عن انفصالهم الكلي عن التنظيم كوزير العدل السابق مصطفى الرميد أو وزير الطاقة العماري أو وزير التعليم السابق الداودي  أو تجميد البعض الآخر لنشاطه  داخل هذا التنظيم. مما أدى إلى إعادة انتخاب بن كيران في ظل أزمة داخلية وتراجع سياسي وخصاص مالي كبير . من ثمة ، فهناك اهتمام كبير من طرف المتتبعين لما أسفرت عنه أشغال هذا المؤتمر، وبالأخص حول تجديد القيادة الحالية برئاسة عبد الالاه بن كيران في أفق الانتخابات  “حكومة المونديال”

1المؤتمر الوطني التاسع بين الترتيبات والتوازنات

في إطار التحضير المؤتمر الوطني التاسع ، انعقد المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، يومي18 و19 يناير 2025، حيث وافق على المساطر المتعلقة بالمؤتمر الوطني التاسع؛ بما فيها المشروع العام للحزب (الورقة المذهبية)، ومشروع توجهاته للمرحلة المقبلة (الأطروحة السياسية)، فضلا عن مشروع تعديل النظام الأساسي. كما صادق المجلس على المساطر المتعلقة بالمؤتمر الوطني للحزب؛ بما فيها مسطرة العضوية في المؤتمر وانعقاد الجموع العامة الانتدابية الإقليمية، ومسطرة انعقاد المؤتمر، ومسطرة انتخاب أعضاء المجلس الوطني وانتخاب الأمين العام ورئيس المجلس الوطني ونائبي الأمين العام والمدير العام والأمانة العامة. كما أنه   قبل أيام من انعقاد المؤتمر، اختار حزب العدالة والتنمية الاصطفاف على نحو حاسم في تموقعه السياسي، من خلال عدم توجيه الدعوة لكل من عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، وهي خطوة تعيد إلى الواجهة تداعيات “البلوكاج” الحكومي لسنة 2016، وتُظهر استمرار الحزب في تصفية حسابات سياسية ما زالت تلقي بظلالها على علاقاته مع مكونات المشهد الحزبي، وفي مقابل ذلك، لم يتردد الحزب في دعوة قيادات من حركة “حماس” إلى مؤتمره، في لحظة إقليمية مشحونة، تعيش فيها القضية الفلسطينية إحدى أشد فصولها دموية وتأثيرا في الرأي العام العربي والإسلامي. وقد طرح هذا التموقع المزدوج، الذي يتأرجح بين التصعيد الداخلي والانفتاح الخارجي، عدة تساؤلات لدى المتتبعين حول التوجه السياسي لحزب العدالة والتنمية في أفق الاستحقاقات المقبلة، و ومدى قدرة الحزب على استعادة زخمه الشعبي بعد نكسة 2021، في ظل خطاب يعيد إنتاج الشعارات ذاتها، ويستحضر ذات الخطوط الحمراء القديمة؛ كما يطرح اختياره التصعيد ضد بعض الأطراف السياسية الوطنية، وفي الآن ذاته التلويح بموقع مركزي داخل المشهد السياسي المقبل. كما كانت هناك  تساؤلات ضمنية حول ما إذا كان ذلك يمثل تماهيا مع شخصية بن كيران وتوجهاته الذاتية وصراعاته السابقة مع مكونات  المشهد السياسي بما فيها القيادات السالفة الذكر.فعدم دعوة حزب العدالة والتنمية لكل من أخنوش ولشكر، لحضور المؤتمر الوطني التاسع، يعكس صراعًا سياسيًا ذا طابع شخصي أكثر منه موقفًا مبدئيًا أو توجهًا مؤسساتيًا. فهذه الخطوة ترتبط بالأساس بتداعيات “البلوكاج” الحكومي سنة 2016التي أدت إلى إجهاض الطموح السياسي لبن كيران في  إعادة رئاسته للحكومة، وبالخصومات المباشرة التي جمعت عبد الإله بنكيران مع الرجلين، وهي خصومات لم تُطوى صفحة تداعياتها حتى اليوم. وبالتالي ، فيبدو أن هذه الخلافات الشخصية قد شكلت المحدد الأساسي في إعداد لائحة المدعوين، مما يؤشر إلى استمرار تحكم شخصية الأمين العام في مفاصل الحزب، وتوظيفه لهذه المكانة لإعادة هندسة العلاقات الخارجية للحزب حسب اعتبارات لا تخلو من تصفية حسابات شخصية لبن كيران .إذ لم يقتصر الأمر على إقصاء شخصيات سياسية من خارج الحزب، بل امتد إلى قياديين داخله.حيث تم اللجوء إلى تهميش الأصوات المخالفة داخل التنظيم، سواء من خلال توجيه انتقادات لاذعة لها، أو عبر اتخاذ قرارات تنظيمية تلبس لبوسًا محاسبيًا، مثل تبرير الإبعاد بعدم أداء المستحقات الشهرية للحزب كما  جرى لبوليف و الرميد وغيره.لكن يبدو مع ذلك أن عددا من أعضاء الحزب الذين كانوا في خلاف مع الأمين العام للحزب قد شاركت في الإعداد للمؤتمر وعبرت عن آرائها “بالطريقة التي يسمح بها النظام الداخلي للحزب.  في حين أن قيادات وازنة كانت قد أخذت مسافة من الحزب ستكون حاضرة في أشغال هذا المؤتمر ؛ وعلى رأسها سعد الدين العثماني ومحمد يتيم ومحمد الحمداوي والحبيب الشوباني وسليمان العمراني، وهي الأسماء التي كانت على خلاف بين مع الأمين العام عبد الإله بنكيران وتقديراته للمرحلة الحالية. حيث أظهرت بأنها عازمة على الحضور والدفاع عن رأيها بقوة، وتتطلع إلى “مرحلة يغادر فيها الحزب محطة المؤتمر وهو قوي موحد ومتماسك لمواجهة التحديات التي تقف أمام البلاد والأمة، وخوض الاستحقاقات المقبلة”. في إشارة سياسية مبطنة تشي بمعارضتها استمرار بنكيران لولاية جديدة على رأس الحزب.

  • 2قيادة الحزب بين التجميد والتجديد

يأتي المؤتمر التاسع للحزب في سياق سياسي استثنائي، تتقاطع فيه الاعتبارات التنظيمية مع رهانات التموقع السياسي، خصوصًا في أفق الانتخابات التشريعية لعام 2026.فحزب العدالة والتنمية قد تبنى منذ اصطفافه في المعارضة البرلمانية خطابا راديكاليا في محاولة للحفاظ على التماسك الداخلي من جهة ،والسعي إلى تقديم نفسه كقوة سياسية قادرة على العودة للمنافسة السياسية من جهة أخرى.غير أن طموح الحزب هذا يصطدم بعقبة كبرى تتعلق بقيادة الحزب، وتحديدًا استمرار بنكيران على رأسه لولاية جديدة مرة أخرى. فقد كان المؤتمر أمام خيارين؛ إما انتخاب قيادة جديدة قد تشمل شخصيات مثل إدريس الأزمي أو عبد الله بوانو، أو التمديد لبنكيران بشكل اضطراري لقيادة مرحلة ما قبل الانتخابات، نظرًا لغياب بدائل ذات رصيد سياسي وانتخابي كافي. غير أن الإبقاء على بنكيران قد يعمق الانقسام الداخلي ويُبقي الحزب في حلقة مفرغة من الصراعات الشخصية، بينما يمكن لانتخاب قيادة جديدة أن يشكل خطوة نحو تجديد الحزب وإعادة هيكلته. لكن تغيير القيادة دون توافق داخلي واسع قد يؤدي إلى تفكك تنظيمي، خاصة في ظل شخصية بنكيران الكاريزمية، التي ما تزال تتحكم في ولاءات عدد من المناضلين. فبنكيران له قوته التواصلية وحضوره في المشهد السوسيو تواصلي؛ ولكنه صار مستهلكا من الناحية السياسية.  ولعل هذا ما أثار جدلا داخل الحزب ، حيث يرى  عضو المجلس الوطني للعدالة والتنمية حسن حمورو، “أن لدى بنكيران قدرات ومؤهلات تجعله مرشحا بقوة للاستمرار على رأس الأمانة العامة، مشيرا إلى دور كبير وبارز لعبه في خروج الحزب من وضعية صعبة عقب الانتخابات البرلمانية السابقة.في المقابل، يرى القيادي عبد العزيز أفتاتي، أن حزب العدالة والتنمية حقق تراكما وتجربة، تجعلانه  “غير مرتبط بالأشخاص”. لكن بالموازاة مع هذا الجدل الداخلي  فولاية بن كيران ما زالت تذكر بعض مكونات الهيأة الناخبة بتراجع وضعيتها الاجتماعية وقدرتها الشرائية من خلال بعض الإصلاحات التي ارتبطت بتصدر بن كيران للحكومة وعلى رأسها إصلاح صندوق التقاعد في الوقت الذي قبل فيه رئيس الحكومة السابق  الحصول على معاش كبير ،وتحرير المحروقات بما ترتب عنها من ارتفاع أسعار مست جيوب عدة فئات راهنت على  تصدر حزبه  للحكومة . ولعل هذا المعطى يفرض على الحزب تجديد قيادته للسير قدما نحو المشاركة السياسية المؤثرة في المرحلة القادمة. فحزب العدالة والتنمية يوجد في “ملتقى طرق،” يتطلب إعادة ليس فقط تجديد قيادته بل تشبيبها ، حيث أن  سن بن كيران  يشارف على السبعين سنة .

3إعادة انتخاب بن كيران لرئاسة الحزب

لقد بدا من خلال أشغال المؤتمر الوطني التاسع للحزب أن هناك تأرجحا سياسيا بين موقفين لا ثالث لهما؛ إما الإبقاء على القيادة الحالية بزعامة بن كيران أو انتخاب قيادة جديدة لا تكون من الجيل الأول للحزب، بمعنى التوجه نحو التشبيب. وهنا برز اسمان يمكن أن يمثلا بديلين لبنكيران: إدريس الأزمي الإدريسي رئيس المجلس الوطني للحزب ، أوعبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية للحزب في مجلس النواب والذي يمتك حظوظا كبرى للظفر بالرئاسة لتجربته البرلمانية وعلاقاته السياسية مع مختلف أطياف المشهد السياسي وكذا لعدم تقلده أية مهام وزارية أو إدارية.

المؤشرات  التنظيمية لتجديد الثقة في بن كيران

وفق المسطرة التنظيمية التي يتبناها الحزب في انتقاء مرشحي قيادته ،  جرى صباح اليوم الأحد 27 أبريل 2025  بمركز بوزنيقة انتخاب 6 أعضاء من حزب العدالة والتنمية في عملية اقتراع سرية أولى في إطار السباق نحو الأمانة العامة. حيث تمكن 6 قياديين من الظفر بأصوات المؤتمرات والمؤتمرين في المؤتمر التاسع ، إذ تصدر عبد الإله بنكيران، الأمين العام الحالي للحزب، لائحة الأسماء التي تم التصويت لصالحها من طرف مؤتمري “البيجيدي” بحصوله على 163 صوتا. في حين حل رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر إدريس الأزمي الإدريسي، في المرتبة الثانية بحصوله على 160 صوتا، بينما حصل عبد العزيز العماري، عمدة مدينة الدار البيضاء السابق الذي يشغل نائبا للأمين العام، على 111 صوتا. أما عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابة للحزب بمجلس النواب، فقد حصل على 94 صوتا، فيما حل في المرتبة الخامسة عبد العالي حامي الدين بـ31 صوتا، بينما جاء جامع المعتصم في المرتبة السادسة بحصوله على 30 صوتا من مجموع أصوات المؤتمرين. لكن بعدما أعلن كل من عبد العزيز العماري وجامع المعتصم وعبد العالي حامي الدين انسحابهم من السباق نحو الأمانة العامة، بدا أن بأن حظوظ بن كيران أصبحت شبه مؤكدة لإعادة انتخابه على رأس الحزب  لولاية رابعة. إذ كما كان متوقعا، أعاد حزب العدالة والتنمية انتخاب أمينه العام وزعيمه “الأبدي” عبد الإله بنكيران.

التوجهات الداخلية لاعادة انتخاب بن كيران

على الرغم من منافسة إدريس الأزمي الإدريسي رئيس المجلس الوطني ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ووزير مالية سابق لزعيم الحزب، حيث حصل على أصوات تكاد تعادل ما حصل عليه بنكيران، ممثلا بذلك تيارا داخل الحزب يسعى لتجديد الدماء، وإعادة بناء الحزب وفق رؤية مؤسساتية أكثر وضوحا، بعيدا عن “كاريزما” الزعيم الفرد التي مثلها بنكيران لسنوات. وعكس تصويت حوالي نصف أعضاء المؤتمر تقريبا للأزمي ، فقد صوت مؤتمرات ومؤتمرو  الحزب على إعادة انتخاب بن كيران الذي حصل على 974 صوتا، بينما حل إدريس الأزمي ثانيا، بمجموع 374 صوتا، وجاء عبد الله بوانو ثالثا ب 42 صوتا.  مما عكس  بأن التوجه الغالب داخل المؤتمر كان لتيار “الحنين للماضي” الذي يرى في بنكيران قائدا ضروريا لإعادة استعادة الهوية السياسية والشعبية الضائعة وكذا لخوض غمار الاستحقاقات القادمة . فقد شهدت جلسة التداول ضمن فعاليات المؤتمر الوطني التاسع تشديد العديد من المتدخلين بمنح بنكيران ولاية جديدة واستمراره على رأس الحزب في المحطة المقبلة. حيث قال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق باسم الحكومة السابق وعضو الأمانة العامة للحزب، في معرض مداخلته مخاطبا الأعضاء الحاضرين إن “الواقع يحتاج قيادة جديدة ولكن ليس أمينا عاما جديدا”. مضيفا “ما قطعناش الواد ونشفو رجلينا، نواجه تحديات كبيرة والمرحلة تقتضي أن نشتغل تحت قيادة بنكيران الذي كان يشتغل في إطار تأهيل وتكوين قيادة جديدة وليس شخصا ،هناك اعتبار داخلي، ونتفهم ما يذهب إليه الإخوان، لكن يجب الصبر وتدبير ذلك مؤسساتيا” . وعلى نفس المنوال دعا أحد المتدخلين إلى التصويت بكثافة لانتخاب بنكيران أمينا عاما وعدم استعجال تغييره، موردا في هذا الصدد أن “مرحلة التجديد قادمة، لكن لا يجب أن نستعجل ذلك؛ لأن التحولات الوطنية والدولية يجب أن نستحضرها، هذه فرصة الاستمرار والعمل والجد والإعداد للمرحلة المقبلة وأن نصوت بكثافة لتصل الرسالة إلى الداخل والخارج”.واستمرت مداخلات المؤتمرين الداعمة لتجديد الثقة في بنكيران من خلال قول أحدهم: “اليوم يستحيل أن نختار تيارا وبنكيران موجود، يجب أن نصوت تصويتا كبيرا لبنكيران، وحذار أن نختار خيارا غير ذلك”. وفي الاتجاه نفسه ذهبت مداخلات أخرى، سجلت أن “بنكيران من أفضل ما أنتجته الحركة الإسلامية، لذلك نريد تصويتا عريضا لبنكيران، لكن نريد منه أن يقوم بضم أسماء قوية”.كما قال أحد المتدخلين في جلسة التداول التي كانت مغلقة في وجه الصحافة: “المؤتمر الاستثنائي أعاد بنكيران الذي أعاد الحياة للحزب، ولو لم يكن بنكيران لما كان هذا المؤتمر”.

محددات إعادة انتخاب بن كيران

لعل العوامل التي ساعدت على تكريس التحلق نحو زعيم الحزب و”منقذه السياسي” تكمن بالأساس في إبعاد كل الشخصيات القيادية التي كان في إمكانها مزاحمة بن كيران على رئاسة الحزب لولاية رابعة كوزير العدل السابق مصطفى الرميد . فإعلان مصطفى الرميد، القيادي التاريخي ووزير العدل الأسبق، عن غيابه لأسباب صحية فقط وليس لخلاف مع بنكيران، حمل في طياته دلالة سياسية مهمة. حيث يمثل الرميد أحد الوجوه التي حاولت دائما خلق توازن بين التيارات المتصارعة داخل الحزب. وبالتالي فابتعاده عن المؤتمر، هو تعبير رمزي عن حالة من الإحباط أو اليأس من حل الأزمة التنظيمية والسياسية الداخلية للحزب والتي عبر عنها خلال بعض حلقات برنامج  مع “هشام ” التي بثها موقع أشكاين  خلال رمضان المنصرم. كما أن انفصال وزير التجهيز السابق عزيز الرباح عن الحزب والذي سبق هو أيضا أن عبر عن سلبيات تسيير بن كيران  للحزب سهل على ما يبدو ما مورية بن كيران حيث كان يعتبر من أحد المنافسين لبن كيران وأحد المعارضين الذين كان لا يثق فيهم بن كيران وكثيرا ما نعتهم بالاشتغال ضد مصالح الحزب. كما أن  مقاطعة واسعة من أبرز قياديي الحزب الإسلامي لأشغال مؤتمره التاسع ساهمت هي أيضا في خلو الساحة أمام بن كيران، خاصة بعدما تم التشكيك في عدم تسديد بعضهم لواجبات الاشتراك داخل الحزب لعدة سنوات في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها الحزب والمتطلبات اللوجستيكية لتنظيم مؤتمره الوطني التاسع. في حين أن الخطاب الصدامي الذي تبناه بن كيران خلال أشغال المؤتمر قد زاد من التوجه نحو التصويت عليه من طرف المؤتمرين والمؤتمرات. فقد هاجم في كلمته أمام الحاضرين بالمؤتمر الوطني التاسع، يوم السبت 26 أبريل، حكومة عزيز أخنوش، معتبرا إياها “حكومة فاشلة”. منتقدا غياب حسها الوطني “فهذه الحكومة لا حس لها، ولا تتحدث مع المواطن. هي حكومة ما تعرف لا تصالح ولا تدابز، وضيعت علينا شهورا طويلة في التعليم”. موجها كلامه  لرئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار قائلا “الفلوس لن تجلب سوى الشفارة، عليك بناء الأمور على الجد والصح؛ فالزمن كشاف، ولي أمه نعجة يأكله الذئب… لا يمكن أسي عزيز هؤلاء ينجحو في أي منصب، وماشي فينما لقيتي شي خشلاع تجيبو، هؤلاء لا يعرفون التسيير ولا التكلم..فآش هاد الحكومة أسي عزيز؟”.ولم يقف بنكيران عند هذا الحد؛ بل أوضح وهو يوجه كلامه إلى أخنوش “نبشرك أنه إن استمررت في هذا الطريق، فالراجح أننا من سنهزمك في الانتخابات المقبلة”. كما لم يفوت الأمين العام للحزب الحديث عن تضارب المصالح لدى رئيس السلطة التنفيذية الحالي، حيث تساءل في هذا السياق: “ماذا يمكن أن أقول عن تضارب المصالح الذي دافع عنه رئيس الحكومة في البرلمان، وإلى حد الساعة لم يقم بالجواب عن ذلك”. كما لم يسلم وزير العدل في حكومة أخنوش والرئيس السابق لثاني مكون للحكومة عبد اللطيف وهبي من هذه الهجمة، خصوصا بسبب مضامين مشروع تعديل مدونة الأسرة، حيث قال بنكيران: “هذه الحكومة جاءنا منها وزير يريد أن يعدل مدونة الأسرة، بطريقة يمكن أن تخرب البيوت، هذا الرجل لا يعرف أن البلاد مبنية على الإيمان”.مؤكدا على أن حزب العدالة والتنمية هو “حزب سياسي يمتح من المرجعية الإسلامية التي انطلق منها؛ وهذا أول أسباب الفخر والقوة والنجاح” ومضيفا أن “هذه المرجعية لها صفة الدوام، ومن يتمسك بها بصدق وإخلاص وصواب واعتدال يرفعه الله دائما؛ ولو بعد حين”. وهكذا، فهذا الخطاب التعبوي والصدامي يذكر بمداخلات صدامية سبق أن ألقاها بن كيران في مواجهة حزب الاصالة والمعاصرة الذي كان يستهدف الحزب والتي أدت إلى  انتصاره على الأمين العام السابق الدكتور سعد الدين العثماني  خلال المؤتمر الوطني السادس للحزب.

وإجمالا فمخرجات المؤتمر الوطني التاسع التي أعادت انتخاب بن كيران أمينا عاما للحزب ستكون حاسمة ليس فقط في رسم مستقبل الحزب، بل أيضًا في إعادة تشكيل خريطة التحالفات والفرص الانتخابية سنة 2026، والتي يتوقع أن تكون انتخابات حكومة المونديال بكل ما تحمله من رمزية وتنافس سياسي غير مسبوق. فإعادة انتخاب عبد الإله بنكيران، لم تكن حدثا عاديا، بل تعبير واضح عن عمق الأزمة والصراعات التي يعيشها الحزب، ورهان على قدرة الزعيم التاريخي على تجاوزها. إذ سيبقى السؤال مفتوحا، هل يستطيع بنكيران تغيير نهجه السياسي لإدارة الصراعات بشكل يسمح باستعادة الحزب لعافيته؟ أم أن عودته ستعمق الأزمة أكثر، وتسرع في تفاقم الصراعات الداخلية في المستقبل القريب؟؟ فإعادة انتخاب عبد الإله بنكيران لقيادة حزب العدالة والتنمية في مؤتمره التاسع لا يمكن فصلها عن الصراعات والتجاذبات الحادة التي تعيشها هذه الهيئة السياسية منذ عدة سنوات. فالحزب الذي تربع لعقد من الزمن تقريبا على رأس الحكومة، بات اليوم يواجه مع زعيمه التاريخي، انقسامات حادة وتحديات كبيرة، عمقتها شخصية زعيمه الجدلية التي تجمع بين الجاذبية السياسية والحدة في المواجهة.إذ يشكل عبد الإله بنكيران حالة سياسية استثنائية داخل الحزب وخارجه. فرغم الشعبية التي يتمتع بها بين قواعد الحزب، ما زالت بعض القيادات التاريخية داخل الحزب تعبر عن انزعاجها من أسلوبه في إدارة الحزب ومن هيمنته على القرار السياسي داخله. إذ أن من أبرز الإشكالات التي عمقت الصراعات داخل الحزب، هي رؤية بنكيران لسياسة التحالفات والتوافقات، حيث يرى عدد من قياديي البيجيدي أن موقف بنكيران الحاد من بعض الأطراف السياسية، وخاصة حزب التجمع الوطني للأحرار وبعض أحزاب اليسار، ساهم في عزلة سياسية كبيرة للحزب، وأدى إلى تراجع شعبيته. في المقابل، يعتبر بنكيران أن التنازل المبالغ فيه عن المبادئ السياسية هو ما أوصل الحزب إلى حالته الحالية من التراجع الشعبي. وبالتالي ، فانسحاب أسماء مثل عبد العزيز العماري وجامع المعتصم وعبد العالي حامي الدين من السباق، في اللحظات الأخيرة من المؤتمر، هو تعبير واضح عن محاولة لتجنب تفاقم المواجهة المباشرة مع بنكيران، وفي نفس الوقت محاولة من هذه الأسماء للتعبير عن رفضها الضمني للاستمرار تحت مظلة قيادته التي يتهمونها أحيانا بالتفرد بالقرار وعدم التشاور الكافي. كما أن المنافسة الشرسة التي احتدمت بين الازمي وبن كيران لم تكن فقط مجرد منافسة شخصية، بل هو تجاذب حقيقي بين من يريد إعادة هيكلة الحزب مؤسساتيا، وبين من يراهن على شخصية بنكيران لإعادة البناء، مستندا إلى ما يمتلكه من قدرات خطابية وتواصلية. لكن عودة بنكيران إلى زعامة الحزب ليست نهاية الصراع بل بدايته، فهو مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بالبحث عن صيغة توافقية تعيد التماسك والوحدة داخل الحزب. فاستمرار الانقسامات الداخلية وتهميش تيارات أساسية قد يؤدي في المستقبل إلى نزيف داخلي أكبر، وربما إلى موجات جديدة من الاستقالات أو الانسحابات. إذ أن ما سيحدد نجاح بنكيران من فشله هو قدرته على إدارة هذه الصراعات بشكل احترافي وديمقراطي، وابتعاده عن أسلوبه التقليدي في حسم الخلافات الداخلية الذي يراه البعض استبداديا. فأمام بن كيران فرصة  سياسية جديدة للملمة الحزب وإعادة توحيده، لكن ذلك يتطلب منه تنازلات سياسية كبيرة لم يتعود بنكيران تقديمها بسهولة. ولعل وعيه بهذا الوضع هو الذي دفعه إلى التصريح  بعد إعادة انتخابه بأن قيادته للحزب ستكون قيادة جماعية ، لكن توجهه سيكون متمحورا حول رهانه في خوض غمار الاستحقاقات الانتخابية القادمة  قائلا: “نحن حزب سياسي، وهناك رهان انتخابي بقوة، وإلى معندكمش هاد الرهان خليوني نمشي فحالي”. مشددا على أن حزبه لن يسكت على أي تجاوز قد يتم في الانتخابات المقبلة، مؤكدا في هذا الصدد أنه “غادي ندخلو الانتخابات وإلى داو لينا حقنا ما نسكتوش”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *