اللعبة الجديدة
الثلاثاء 10 شتنبر 2024 08:12
في الفيلم الكوميدي “اللعبة الجديدة” للمخرج جيمس هوث، وبطولة دانيل أوتوي وجمال الدبوز، يحاول أب فاحش الغنى إرضاء طفله الوحيد الذي دخل في نوبة حزن كبيرة بعد وفاة أمه، لكن الطفل لا يهتم يملأ عينيه أي شيء، حتى العجائب التي وفرها له أبوه في قصره الواسع. ويوم تدشين سوق عملاق لرجل الأعمال، سقطت عينا الطفل على موظف بسيط يشتغل حارس أمن، فأشار إلى أبيه: “أريد هذا”.
رفض الموظف أن يكون لعبة في يد الطفل، لكن الإغراءات الهائلة للأب والحاجيات الكبيرة لحارس الأمن الفقير جعلته يتنازل ويتحول إلى لعبة جديدة للطفل. غير أن الرغبات الغريبة لهذا الطفل المدلل وصلت إلى حدود خطيرة حين طلب من الحارس أن يتحول إلى أرنب ويهرب في الغابة ويتبعه هو مع أعوانه مطلقين النار عليه لاصطياده، برصاص حقيقي. وانتهت قوة الإغراء بمخاطرة الحارس بحياته.
نحن اليوم، في المغرب، تحولنا بشوارعنا وأزقتنا وحياتنا إلى لعبة جديدة لأبناء الأقوياء، جاها ومالا وسلطة، يلعبون بدراجاتهم وسياراتهم الخطيرة في كل مكان، ولا سلطة تستطيع ردعهم. يخرجون بآلاتهم المزعجة صوتا وسرعة ويتسابقون ويتفحطون و”يتفطحون”، يؤذون الناس أو يقتلونهم ليلا ونهارا، ولا يُتعامل معهم سوى كوْن الأمرِ حدثا استثنائيا لمراهقين متهورين، تقام من أجل ردعهم حملة قصيرة ثم يرجعون إلى ممارسة لعبهم.
ما أثارني أخيرا هو الحزم الذي شهدته مدينة مراكش وحدها مع هذه الظاهرة دون المدن المغربية، لماذا؟ لأن السيل بلغ الزبى في هذه المدينة؟ لقد بلغ السيل الزبى في كل المدن المغربية، حتى التي لا توجد بها طبقة من الأغنياء غناء فاحشا. أشباه ميسورين يشترون لأبنائهم آلات القتل أو يتنازلون لهم عن آلياتهم في المساء والليل، ثم “آرا برّع”، حتى أن الناس لا تأمن على نفسها خارج البيت، أما داخله فهي لا تأمن على آذانها من التلوث الفظيع لهذه الآليات التي يتم تغيير خصائص محركاتها لتقلب الليل انفجارات لا تحتمل في قلب الظلام.
سيلاحظ أي مواطن في المدن المغربية أن شبابا كثيرين يسوقون سيارات أكثر، مرة للتباهي ومرة لإغراء البنات ومرات للعب في الشوارع والأزقة، يتبارزون في السياقة الخطيرة ويتنافسون في تحدي شرطة السير والجولان، التي غُلبت على أمرها، من كثرة اللاعبين القتلة ومن قلة أفراد هذه القوة العمومية التي من مهامها الحفاظ على احترام القانون.
والحقيقة أن شرطة المرور لم تعد قادرة على مراقبة جميع شرايين المدن وملتقيات السير الخانقة، وقد كانوا فيما مضى من تاريخ البلاد يُدخلون الأمن والأمان في قلوب المغاربة أينما حلوا وارتحلوا. هل نطمع في زيادة أعداد شرطة المرور أم نطمع في تطبيق القانون على الجميع، فلا يفلت من سطوته حتى والي الجهة أو والي الأمن أو وكيل الملك أو الضباط الكبار أو المحامون طويلو اليد أو أي جبار من الجبابرة الذين لا تطولهم يد القانون.
لا أفهم كيف يتطور المغرب إلى الأحسن في الكثير من المجالات ويتخلف في مراقبة المنحرفين من جميع الأعمار. لا يمكن أن نقبل تحوّل وسائل النقل إلى أدوات اعتداء على المغاربة في أرواحهم وراحتهم، هل غُلبنا على أمرنا إلى هذا الحد؟ وعلى كل حال، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فما علينا إلا حمل أكفاننا معنا وقراءة الشهادة دون انقطاع.
المصدر: هسبريس