أثار قرار جماعة الدار البيضاء رفض تسلم مشروع “كورنيش عين السبع” من شركة الدار البيضاء للتهيئة، الشركة المفوضة للإشراف على الأشغال، حالة من الاستياء والتساؤل وسط ساكنة المدينة ونشطاء المجتمع المدني.
ويأتي هذا القرار في سياق سلسلة من التحديات التي تواجهها المدينة في تنفيذ مشاريعها الهيكلية الكبرى، رغم الطموحات الكبيرة لتحويل العاصمة الاقتصادية للمملكة إلى قطب دولي بمعايير جودة عالية.
يعد مشروع تهيئة كورنيش عين السبع من بين المشاريع الحضرية المهمة، التي كان ينتظر أن تسهم في إنعاش السياحة المحلية وتوفير فضاء ترفيهي راق لساكنة الأحياء الشرقية من الدار البيضاء، والتي عانت لعقود من الإهمال والتهميش مقارنة بباقي المناطق الساحلية للمدينة.
غير أن رفض الجماعة الحضرية تسلم المشروع بعد انتهاء الأشغال، بدعوى وجود اختلالات تقنية ومعمارية لا تتماشى مع دفتر التحملات، شكل صدمة للرأي العام المحلي.
ففي الوقت الذي انتظر فيه السكان افتتاح المشروع بفارغ الصبر، جاء القرار ليُثير علامات استفهام حول طبيعة العيوب التي تم رصدها، ومدى مسؤولية الشركة المفوضة في احترام المعايير المتفق عليها.
في السياق ذاته، لا تزال حديقة الحيوان بعين السبع، التي شغلت الرأي العام البيضاوي منذ سنوات، مغلقة في وجه العموم رغم الوعود المتكررة بقرب افتتاحها، وبعد سلسلة من التأجيلات، أعلنت عمدة الدار البيضاء منح مهلة ثلاثة أشهر إضافية من أجل فتح الحديقة، مع التهديد بإلغاء الاتفاقية في حال استمرار التأخير.
في خضم هذا الواقع، برزت أصوات من هيئات حقوقية تطالب بالمزيد من الشفافية والمحاسبة في حق شركة الدار البيضاء للتهيئة، وبفتح تحقيقات تقنية دقيقة لتحديد أسباب الخلل، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار نفس الأخطاء مستقبلا.
كما دعت فعاليات محلية إلى إعادة النظر في طريقة تدبير المشاريع الحضرية الكبرى، عبر إشراك فعلي للمواطنين والمهنيين في عملية التقييم والتتبع.
صرح محمد عماري، نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب، بأن كورنيش عين السبع يعد من بين أبرز المشاريع السياحية التي يعول عليها لإحداث نقلة نوعية في المجال البيئي والترفيهي بمدينة الدار البيضاء.
وسجل عماري، في تصريح لجريدة “”، أن هذا المشروع الطموح يمتد من شاطئ “ميموزا” بمنطقة عين السبع، مرورا بشواطئ “السعادة”، و”الشهدية”، و”النحلة”، وصولا إلى منطقة زناتة، المتاخمة لآخر نقطة ضمن تراب مقاطعة البرنوصي.
وأوضح المتحدث ذاته أن الميزانية المخصصة لهذا المشروع، والتي تصل إلى 70 مليون درهم (ما يعادل 7 مليارات سنتيم)، تعد كافية لتأهيل هذا الفضاء الساحلي وتحويله إلى وجهة متميزة للاستجمام والترفيه، ومتنفس بيئي حيوي يفتح المدينة على واجهتها الأطلسية بشكل يليق بطموحات ساكنتها.
وأشار نائب المنسق الجهوي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب إلى أن تأخر افتتاح عدد من المشاريع في المنطقة، ومن بينها حديقة عين السبع، يثير العديد من التساؤلات حول وتيرة الأشغال، ومدى نجاعة آليات التتبع والمراقبة الميدانية المعتمدة من طرف الجهات المسؤولة.
وأبرز الفاعل الحقوقي أن مثل هذه المشاريع، بما لها من طابع هيكلي وأهمية مجتمعية، تستدعي وجود نظام رقابي فعال يتمتع بالكفاءة والصرامة، بما يضمن رصد أي انحرافات أو اختلالات على مستوى الالتزام بالجدول الزمني أو المواصفات التقنية، وذلك منذ المراحل الأولى للتنفيذ.
وأكد عماري على أن الاكتشاف المبكر لأي تعثر أو خلل في التنفيذ يشكل فرصة حقيقية للتدخل السريع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح المسار، مما يساهم في تفادي تفاقم الأوضاع والوصول إلى مرحلة قد يصبح فيها احترام الآجال المحددة أمراً غير ممكن.
وشدد نائب المنسق الجهوي على أن الهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية تتابع بقلق بالغ التأخر الذي يطال هذه المشاريع، لا سيما وأنها تحمل آمالاً كبيرة في تحسين جودة الحياة وتعزيز الجاذبية السياحية للمنطقة.
ولفت عماري إلى أن الشفافية تمكن مختلف الفاعلين، وفي مقدمتهم المجتمع المدني وساكنة المدينة، من الانخراط الفعلي في تتبع تقدم الأشغال وتحديد مكامن القصور، مما يرسخ ثقافة المساءلة ويعزز ثقة المواطنين في المؤسسات.
وختم عماري تصريحه بالتأكيد على أن المطالبة بالشفافية والمحاسبة في تتبع إنجاز المشاريع العمومية ليست ترفا، بل واجب ديمقراطي ومطلب شعبي يعكس حرص المواطنين والهيئات المدنية على حماية المال العام وضمان توظيفه بشكل أمثل في خدمة التنمية المحلية. فالمشاريع الهيكلية لا يمكن أن تحقق أهدافها التنموية إلا إذا أُنجزت في إطار من الشفافية، والفعالية، والاحترام الصارم للآجال والمواصفات المعتمدة.
المصدر: العمق المغربي