“القلق المرحلي” يغيب عن مستوى الدين الخارجي المغربي
![](https://alarabstyle.com/wp-content/uploads/2024/10/economie-maroc.jpg)
تتنامى تحديات الاقتصاد المغربي مع تنامي مستويات الدين الخارجي، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية في المواعيد المحددة؛ فبينما يشكل الدين الخارجي مؤشرًا على حجم التدخلات الاقتصادية والمالية التي تعتمدها الدولة لتمويل مشاريعها التنموية يبقى السؤال مفتوحًا حول متى يتحول هذا الدين إلى “عبء مقلق”، يؤثر على استدامة المالية العمومية والنمو الاقتصادي الوطني.
ويحظى تقييم إستراتيجية المغرب لسداد الدين الخارجي باهتمام المحللين الاقتصاديين، الذين يرون ضرورة دعم القطاعات المولدة للعملة الصعبة، مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات الخارجية؛ ذلك أن القدرة على توفير الغلاف الكافي من العملة الصعبة يعد عاملاً أساسيًا في ضمان سداد الديون في الآجال المحددة، ما يجعل من إدارة الدين الخارجي وتطوير السياسات المالية ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الوطني.
ويرى رشيد ساري، محلل اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، أن الدين الخارجي للمغرب “لا يُعد مقلقاً إذا كان موجهاً بشكل أساسي نحو الاستثمارات التي تدر قيمة مضافة”، مشيراً إلى أن الدين الخارجي يمثل حوالي 50 في المائة من مجموع الناتج الداخلي الخام الإجمالي الذي يبلغ اليوم نحو 145 مليار دولار، بينما يقارب هذا الدين 69.5 مليار دولار؛ فيما تُقدّر الفوائد، وفق توقعات قانون المالية لسنة 2025، بنحو 11 مليار درهم، أي ما يقارب المليار دولار.
وأوضح ساري، ضمن تصريح لهسبريس، أن توجيه الديون للاستثمارات “يُعد ضمانًا لخلق عوائد مستقبلية”، لافتا إلى أن العديد من الدول التي تتجاوز ديونها الخارجية نسبياً 60 في المائة إلى 80 في المائة من ناتجها الداخلي “لا تواجه مشاكل إذا كانت هذه الديون مستثمرة في مشاريع تدر قيمة مضافة”.
وأورد المحلل الاقتصادي ذاته أن المغرب يستعد لتنفيذ مشاريع ضخمة في مختلف القطاعات، خاصة في مجالات البنية التحتية والمواصلات والقطاعات الصناعية والسياحية، وهو ما يطرح السؤال، حسبه، حول ما إذا كانت وتيرة الاقتصاد المغربي والقيمة المضافة من القطاعات الصناعية والسياحية وصناعات الاستخراج كافية لتلبية احتياجات الاستثمارات الضخمة المتوقعة بحلول عام 2030.
كما أكد رشيد ساري على وجود إكراهات اقتصادية تتعلق ببعض القطاعات، إذ رغم تفوق المغرب في مجالات مثل صناعة السيارات والطائرات، والريادة السياحية إلى حد ما، إلا أن القطاع الفلاحي الذي يمثل أكثر من 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام “يشكل تحديًا كبيرًا”.
وحذر رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة من أن نقص القيمة المضافة والعائدات “قد يجعل من السهل على صندوق النقد الدولي فرض إملاءاته”، خاصة في ما يتعلق بتعويم الدرهم، وهو ما طالما طالبه به لأكثر من ست سنوات.
ورغم أنه يرى أن الوضع الحالي “قد لا يُعد مقلقًا بشكل فوري” فإن المحلل الاقتصادي ذاته يشدد على “ضرورة توخي الحذر لتفادي الوقوع تحت رحمة الشروط الصارمة التي قد يفرضها صندوق النقد الدولي في حال زيادة الاعتماد على الاستدانة”.
من جانبه أكد عبد الرزاق الهيري، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، أن المديونية الخارجية للخزينة “تستدعي توفر الدولة على غلاف كافٍ من العملة الصعبة” التي تتأتى من تنمية الصادرات وقطاع السياحة وجلب الاستثمارات الخارجية وتحويلات المغاربة في الخارج.
ونبّه الهيري، في حديث لهسبريس، إلى أن مستوى المديونية العمومية عامةً والديون الخارجية للقطاع العمومي خاصةً يعد من “المؤشرات الجوهرية التي نرتكز عليها لتقييم نجاعة تدخل الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية”، موضحاً أن “ارتفاع هذه المؤشرات يعكس سياسة إرادية للدولة لتمويل عدد من الأوراش الكبرى التي ينخرط فيها الاقتصاد الوطني”؛ وهو ما يستدعي، في المقابل، “تقييماً دقيقاً لمستوى المخاطر المرتبطة بها”.
وإلى اليوم، لا يمكن، وفق المحللين الاقتصاديين، الجزم ببلوغ المغرب مرحلة مقلقة في الدين الخارجي. ويعتبر عبد الرزاق الهيري أن الوصول إلى هذه مرحلة “يحدث عندما لا تتمكن الدولة والخزينة من سداد الديون ضمن الآجال المحددة”.
ومع ذلك أكد المصرّح ذاته أن السبيل الوحيد لتقليص الدين الخارجي يكمن في مواصلة دعم القطاعات التي تحقق عائدات مهمة من العملة الصعبة، إلى جانب العمل على استدامة المالية العمومية، مشيراً إلى “ضرورة تطبيق المبادئ الأساسية للقانون التنظيمي للمالية، التي تتمثل في حسن الأداء، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يتطلب عقلانية في النفقات”.
ويوصي المتحدث، في هذا السياق، بـ”عقلنة النفقات وتوسيع الوعاء الضريبي دون المساس بحيوية الاقتصاد الوطني (..) ففي المحصلة اللجوء إلى الاستدانة، سواء كانت داخلية أو خارجية، مرتبط بمستوى العجز في ميزانية الدولة؛ وبذلك فإن تحقيق الاستدامة المالية يتطلب استخدام الموارد بأمثل شكل ممكن”.
وبعد أن ذكّر بأن اللجوء إلى الاستدانة “يعد في بعض الأحيان أمرا ضروريا بالنظر إلى الطابع الاستعجالي لمجموعة من العمليات المالية التي تقوم بها الدولة لتمويل الأوراش الكبرى وسداد الديون التي تم الاستفادة منها في الفترات السابقة”، شدّد الأستاذ الجامعي ذاته على “ضرورة الوعي بأن دين اليوم هو ضريبة الغد”.
المصدر: هسبريس