اخبار المغرب

القفطان المغربي.. دبلوماسية ناعمة تعيد رسم ملامح الهوية وتعزز الحضور الثقافي عالميا

سلطت مجلة “جون أفريك ” الفرنسية الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه الأزياء في دبلوماسية الدول باعتبارها مؤشرا عميقا للحضارة والهوية والثقافة، مستشهدة بكتاب للمؤرخ الفرنسي ميشيل باستورو أشار فيه إلى أن “الملابس هي أول لغة وأول مرآة للإنسان، فهي تعبر عن انتمائه، ومرتبته، ومعتقداته، وتاريخه”.

وأشارت الصحيفة أن هذا الاستنتاج أدركته المملكة المغربية منذ سنوات. ففي خطابه الملكي بتاريخ 30 يوليو 2014، شدّد الملك محمد السادس على أهمية تثمين التراث الثقافي غير المادي وأطلق عدة مبادرات في هذا الاتجاه. ورغم أن “الصراع الثقافي” بين المغرب والجزائر، حول نسب الكسكس، الزليج، موسيقى كناوة، أو حتى بعض الأزياء التقليدية قد يُضحك البعض أحيانا، إلا أن الرهانات وراء هذا الصراع كبيرة.

وفيما يتعلق بالكسكس، تمكنت تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا في عام 2021 من تقديم ملف مشترك لليونسكو، مما يعكس وجود تراث مغاربي وشمال إفريقي مشترك تأثر بالأمازيغ والفينيقيين والرومان والعثمانيين. لكن الأمور تأزمت في عام 2022 عندما كشفت شركة أديداس عن قميص جديد للمنتخب الجزائري مستوحى من “الزليج”. حينها، ندّد وزير الثقافة المغربي، مهدي بنسعيد، بما أسماه “استيلاء ثقافيا” ووجه إنذارا رسميا للشركة الألمانية مطالبا بسحب المجموعة المستوحاة من “الزليج المغربي”. ورغم أن الشركة لم تسحب المجموعة، فإنها أعربت عن أسفها وأشارت إلى “مناقشات بنّاءة” مع الوزارة.

وفي شتنبر 2022، وجه المحامي مراد العجوطي، إنذارا قضائيا، للممثل القانوني لشركة “أديداس” الألمانية، بعد استعمال أنماط التراث الثقافي المغربي “الزليج المغربي”، في تصاميم خاصة بأقمصة رياضية مع نسبها لبلد آخر في إشارة إلى الجزائر.

وأوضح مراد العجوطي، في تدوينة نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنه “نبه الشركة المذكورة إلى هذا الاستعمال غير القانوني بتكليف من وزارة الثقافة والشباب والتواصل، باعتبارها المسؤولة الأولى على حماية التراث المغربي من القرصنة الأجنبية”.

وأشار رئيس نادي المحامين بالمغرب إلى أن “الأمر يتعلق بعملية استيلاء ثقافي ومحاولة السطو على أحد أشكال التراث الثقافي المغربي التقليدي واستخدامها في خارج سياقها مما يساهم في فقدان وتشويه هوية وتاريخ هذه العناصر الثقافية”.

وذكرت “جون أفريك” أن الخلاف وصل إلى ذروته في 31 مارس 2023 عندما قدمت الجزائر طلبا لليونسكو لإدراج زي نسائي تقليدي من الشرق الجزائري كجزء من التراث الثقافي غير المادي، مدعية أن الملف يتضمن عناصر مثل القفطان التقليدي من فاس المعروف بتطريزه بخيوط الذهب على المخمل. حينها، قدم المغرب اعتراضا على الفور وحصل على حكم لصالحه.

وفي هذا السياق، أعلنت الرباط في فبراير 2023 عزمها تقديم طلب لإدراج القفطان المغربي ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو لعام 2025، مع العلم بأن القوانين تفرض فترة انتظار تبلغ عامين بين كل تقديم وآخر.

وأشارت المجلة إلى أن القفطان كان في البداية زيا رجاليا قبل أن يتسلل إلى خزائن النساء في القرن الرابع عشر. تطور هذا الزي على مدار العصور ليصبح مرآة للتغيرات الاجتماعية والثقافية. بدء من السبعينيات، ساهمت أولى المصممات المغربيات في تحديث القفطان، معتمدات على تقنيات جديدة وتصاميم أكثر حداثة. بحلول عام 2000، ومع تولي الملك محمد السادس الحكم، شهد المغرب طفرة ثقافية واجتماعية ساهمت في إبراز القفطان كرمز للمرأة المغربية العصرية.

وعبر العقود، ساهم العديد من المصممين المغاربة مثل ألبرت أوكنين وسارة شريبي في إدخال القفطان إلى عالم الأزياء الراقية. ورغم أنه لم يحقق انتشارًا واسعًا في الغرب بعد، إلا أنه أصبح رائجا بين النخب الثرية في الشرق الأوسط، وفق تعبير المجلة الفرنسية.

وفي السياق ذاته، قال وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، دجنبر الماضي بالدوحة، إن تظاهرة “عرض أزياء القفطان” التي نظمت بـ “دار المغرب” بقطر تجسد قوة الدبلوماسية الثقافية المغربية في شقها اللامادي.

وأكد بنسعيد، في تصريح للصحافة على هامش هذه التظاهرة التي ترأستها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، في إطار العام الثقافي (قطر المغرب 2024)، أن هذا العرض الاستثنائي يحتفي بعراقة القفطان وتجدد هذا الموروث المغربي الأصيل في مختلف جهات المملكة.

وأشار إلى أن الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وفعاليات المجتمع المدني والعاملين في المجال على إدرج “القفطان المغربي” كتراث لا مادي ضمن قائمة “اليونسكو” في 2025.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *