القطيع الوطني أٌبيد والدعم وُجّه لغير أهله
حذر المسؤول في النقابة الوطنية للقطاع الفلاحي، بمنطقة دكالة، مصطفى مول الضهري، من تفاقم أزمة الثروة الحيوانية في المغرب وما يمكن أن ينجم عنها من “انتفاضة جوع” إن لم تُتخذ إجراءات جادة وسريعة لدعم الفلاحين والكسَّابَة، الذين يعانون من غياب الدعم الملائم والقرارات المناسبة لإنقاذ القطيع الوطني.
وأشار مول الضهري في تصريح لجريدة “العمق” إلى أن هناك تهميشًا للفلاحين في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة القطاع الزراعي، حيث لا توجد مجالس محلية أو وطنية تنبه الوزارة إلى التحديات التي يواجهها المربون.
وأوضح المتحدث أن الوطن شهد سنوات طويلة من الجفاف، خاصة في مناطق مثل الرحامنة، دكالة، عبدة، الصحراء، وجدة، مما أثر بشدة على استمرارية القطيع الوطني. وأضاف أن الذبح المتزايد لإناث المواشي، بما في ذلك الأبقار والأغنام، ساهم بشكل كبير في تراجع حجم القطيع، حيث بدأ الفلاحون في بيع إناث القطعان للذبح عوض الحفاظ عليها لتربية الأجيال المستقبلية، وذلك نتيجة غياب حلول ناجعة من قبل وزارة الفلاحة لحماية هذه الثروة الحيوانية.
وأكد المسؤول النقابي أن الدولة كان من المفترض أن تضطلع بدورها في حماية القطيع الوطني، مشددًا على أن هذه الثروة ليست مجرد مصدر للحوم، بل تشكل جزءًا من الأمن الغذائي الوطني. وأشار إلى أن أسعار المواشي بلغت مستويات خيالية، حيث يصل سعر أنثى الغنم الحامل إلى 10,000 درهم، وهو ما يعكس حجم الأزمة ويؤكد أن القطيع الوطني قد تعرض للتدهور نتيجة الإهمال.
وانتقد مول الضهري سياسات وزارة الفلاحة، معتبراً أن الاستيراد الذي لجأت إليه الوزارة لم يُسهم في تحسين أوضاع الكسَّابَة، بل اتجه لخدمة مصالح رجال الأعمال والمستثمرين الكبار، حيث أصبحت الأغنام المستوردة موجهة للاستخدام في المناسبات الكبرى والفنادق الفاخرة، في حين يُترك الفلاحون الصغار دون دعم، ليجدوا أنفسهم مضطرين إلى ترك العمل أو الهجرة إلى المدن بحثًا عن مصدر رزق.
وشدد على أن استيراد الأغنام يجب أن يوجه مباشرة لدعم الفلاحين، لا إلى تجار يتلاعبون بالأسعار. وأشار إلى أنه بات من الضروري إعادة النظر في السياسات الفلاحية وجعل الفلاح في صلب اهتماماتها، مع ضرورة تأسيس جمعيات تتكفل بتطبيق هذه السياسات ووصولها إلى الفئات المستهدفة، وليس إلى أصحاب النفوذ والمصالح الخاصة.
إلى ذلك حذر المتحدث من احتمالية تفاقم الأزمة مع اقتراب عيد الأضحى المقبل إذا لم تتضافر جهود المواطنين والمؤسسات لحماية القطيع وتوفير الدعم اللازم للفلاحين، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تطال الجميع.
في سياق متصل أكد نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، إدريس عدة، أنه ليس من المنتظر اليوم تقييم السياسة الفلاحية التي “أثبتت فشلها بالملموس، بل السعي نحو توجيه السياسة الفلاحية للدفاع عن السيادة الوطنية الغذائية والتأسيس لمنظور وطني قوامه إصلاح زراعي شامل وديمقراطي، والتخلي عن المنظور الرأسمالي”.
وأضاف عدة ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أن سؤال السيادة الغذائية في المغرب كموضوع أساسي أضحى يثير اهتمام المواطنين، وليس فقط الخبراء أو المهتمين بالقطاع الفلاحي، مشيرًا إلى أن المغرب يعيش حاليًا “أزمة غذائية حقيقية”، سواء فيما يتعلق بالمنتجات البحرية أو الزراعية، مسجلاً أن “هذه الأزمة تعكسها أسعار المواد الغذائية في الأسواق التي ارتفعت بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ارتفاع كبير وغير مسبوق في واردات المواد الغذائية، ونسب البطالة المرتفعة”.
وأشار عدة إلى أن هذه الأزمة لها جانب آخر مرتبط بصحة الغذاء، حيث يطرح الإنتاج الفلاحي التصديري وتسويق المواد الغذائية في الأسواق العديد من الأسئلة حول مدى جودتها وصحتها، موضحًا أن “الأمن الغذائي لا يعني فقط توفير الغذاء بكلفة مناسبة، بل يتطلب أيضًا ضمان صحته وجودته”.
ويرى عدة أن السياسة الفلاحية المتبعة في المغرب، تخلت عن الأمن الغذائي لصالح الفلاحة التصديرية منذ عام 2008، رغم ما تدعيه من شعارات مغايرة، لافتًا إلى أن الموارد المالية الكبيرة التي تم تعبئتها لهذا القطاع تم توجيهها للفلاحة التصديرية، مما أدى إلى نقص في المنتجات الطازجة في السوق المحلية، وإن وجدت فهي بأسعار مرتفعة جدًا.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هذا النهج الفلاحي، “لم يحافظ أيضًا على فرص العمل، حيث فقدت مئات الآلاف من الوظائف في العالم القروي، خصوصًا في النشاط الفلاحي، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على البيئة، خاصة فيما يتعلق باستنزاف الموارد المائية”.
وسجل المسؤول النقابي، أن السياسات الحالية، “أثبتت فشلها بوضوح، إذ يشهد المواطن المغربي يوميًا ارتفاعًا مستمرًا في أسعار اللحوم، الخضروات، الحبوب، والقطاني، مؤكدًا أن المغرب يحتاج إلى سياسة فلاحية جديدة تتخلى عن النهج الرأسمالي التبعي، وتركز على الفلاحة الأسرية والمعاشية، التي من شأنها حماية السيادة الغذائية الوطنية”.
المصدر: العمق المغربي