كشفت الوكالة القضائية للمملكة، في تقريرها السنوي، عن معطيات دقيقة تهم القضايا المرتبطة بالطعن في القرارات التأديبية الصادرة عن الإدارات العمومية، خاصة تلك المتعلقة بعقوبة العزل بسبب ترك الوظيفة، مسلطة الضوء على الإشكالات القانونية والعملية التي أفرزتها بعض الأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن.
وأوضح التقرير أن الوكالة القضائية تضطلع بدور محوري في تدبير ملفات الطعون بالإلغاء المرفوعة ضد القرارات الإدارية التأديبية، حيث نجحت في عدد مهم من القضايا في استصدار أحكام قضائية تقضي برفض طلبات الإلغاء المقدمة بدعوى الشطط في استعمال السلطة، بعدما اعتبر القضاء أن العقوبات التأديبية المتخذة في حق الموظفين المعنيين كانت سليمة من الناحية القانونية، ومشروعة، وتتناسب مع خطورة وجسامة الأفعال المرتكبة.
غير أن التقرير أقر، في المقابل، بصدور أحكام قضائية ضد بعض الإدارات، رغم المجهودات المبذولة في الدفاع عن مشروعية قراراتها، وهو ما دفع الوكالة إلى إجراء دراسة تحليلية لهذه الأحكام، خلصت من خلالها إلى رصد إشكالات بنيوية تستوجب المعالجة، حماية لمبدأ المشروعية وصونا لمصالح الإدارة.
وأشار التقرير إلى أن أغلب القرارات التأديبية التي تم إلغاؤها قضائيا تتعلق بحالات تعذر فيها تطبيق مقتضيات الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الذي ينظم مسطرة عزل الموظف بسبب ترك الوظيفة. ففي هذه الحالات، تلجأ الإدارات إلى توجيه إنذارات للمعنيين بالأمر من أجل استئناف عملهم، إما عبر عناوينهم المدلى بها في الملفات الإدارية أو من خلال توقيف أجورهم لمدة ستين يوما في حال تعذر التبليغ، غير أن المعنيين لا يستجيبون لهذه الإجراءات، ما يدفع الإدارة إلى إصدار قرارات العزل.
غير أن المفارقة، بحسب التقرير، تتمثل في لجوء بعض الموظفين المعزولين إلى الطعن في هذه القرارات أمام القضاء الإداري، معززين طلباتهم بشواهد طبية تفيد معاناتهم من أمراض نفسية أو عقلية أفقدتهم الإدراك خلال الفترة التي تم فيها تطبيق مسطرة العزل. وبعد إخضاعهم لخبرة طبية بأمر من المحكمة، وتأكيد إصابتهم بهذه الأمراض، يقضي القضاء بإلغاء قرارات العزل بعلة أن الموظفين لم يكونوا في وضعية إدراك تسمح باعتبار انقطاعهم عن العمل “تركًا متعمدًا للوظيفة”.
وسجل التقرير أن القضاء الإداري المغربي استقر، في العديد من اجتهاداته، على أن تطبيق الفصل 75 مكرر يقتضي ثبوت تعمد الموظف الانقطاع عن العمل، وأن الإصابة بمرض، خاصة إذا كان عقليا أو نفسيا، تشكل مبررا قانونيا للغياب، وتحول دون إعمال مسطرة العزل المنصوص عليها في هذا الفصل.
وأمام هذه الإشكالات، أوصت الوكالة القضائية للمملكة بمجموعة من التدابير الوقائية الرامية إلى الحد من إلغاء القرارات التأديبية مستقبلا، داعية الإدارات العمومية إلى تعزيز المراقبة الإدارية عبر المعاينة الميدانية لوضعية الموظف المنقطع عن العمل داخل أجل معقول، واتخاذ الإجراءات الملائمة بناء على نتائج هذه المعاينة.
كما شددت الوكالة على ضرورة لجوء الإدارات، بمجرد استظهار الموظف المعني بشواهد طبية تفيد إصابته بمرض نفسي أو عقلي، إلى إخضاعه لخبرة طبية مضادة، واعتماد نتائجها في إطار الدفاع أمام القضاء، بما يضمن تحقيق التوازن بين حماية حقوق الموظفين وصيانة مشروعية القرارات الإدارية.
المصدر: العمق المغربي
