القرض الإسباني للمغرب.. دعم مالي أم استراتيجية اقتصادية للفوز بصفقات المونديال؟

في خطوة تعكس الدينامية الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، وافقت الحكومة الإسبانية على تقديم قرض ميسر بقيمة 754.3 مليون يورو لتمويل شراء 40 قطارا فائق السرعة، هذه الخطوة، التي تأتي بشروط تفضيلية عبر صندوق تدويل الشركات (FIEM)، تطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التمويل، فهل هو مجرد دعم مالي لتعزيز البنية التحتية للنقل في المغرب، أم أنه استراتيجية إسبانية لتحفيز أنشطة شركاتها المتخصصة في السكك الحديدية؟
ورغم أن إسبانيا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب، إلا أن الاستثمار الإسباني في المملكة لا يزال متواضعا مقارنة بفرنسا، وهنا يبرز التساؤل: هل سيساهم هذا القرض في تعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين، أم أنه مجرد وسيلة لتمكين الشركات الإسبانية من الظفر بعقود تصنيع وتوريد القطارات؟ كما أن وجود شركات عالمية تنافس في هذا المجال يثير احتمال دخول لاعبين آخرين على خط الصفقة، مما يضع هذه الشركات أمام اختبار حقيقي للفوز بمشاريع مستقبلية.
في هذا الإطار أكد يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن التمويل الإسباني جاء في سياق استعدادات المغرب لتنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، ما أدى إلى بروز استثمارات إسبانية ضخمة في المملكة، وهو ما يعكس اهتمام مدريد بالمغرب كدولة إفريقية رائدة من جهة ومنظمة لكأس العالم إلى جانبها هي والبرتغال من جهة أخرى.
رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أوضح أن إسبانيا لا تكتفي بدعم المغرب لإنجاح المونديال، بل تطمح أيضا إلى الاستفادة من الاستثمارات المرتبطة بالمشروع، وليس فقط من العروض المتعلقة بتنظيم الحدث، مسجلا أن الصفقات المتعلقة بمجموعة من المشاريع تبرم بشكل مستقل، مع الحرص على تحقيق تكافؤ بين الشركات المتنافسة.
وأشار الفيلالي إلى أن التجارب السابقة أثبتت هذا التوجه، مذكرا بالصفقة الكبرى المتعلقة بالهاتف السلكي في الستينيات والثمانينيات، التي لم تمنح لجهة واحدة، بل تم توزيعها بين عدة شركات وبلدان ساهمت في المشروع.
وأضاف أن النهج نفسه سيتم اتباعه في المشاريع المرتبطة بالمونديال، حيث لا يمكن لجهة واحدة الاستحواذ على جميع الصفقات، كما لا يمكن إقصاء الشركات الإسبانية التي تتمتع بالكفاءة والجودة.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن المشاريع المرتبطة بالحدث، خصوصا مشروع الربط السككي فائق السرعة، ستمنح لشركات مؤهلة سواء كانت إسبانية أو من دول أخرى، وفقا للمساطر المعمول بها، وفي إطار تنافسي عادل.
وختم الفيلالي حديثه بالتأكيد على أن استضافة المغرب للمونديال ستعزز تنافسية الجهات، وتسرع مشاريع البنية التحتية، خاصة في مجال النقل، ما سيسهم في تحقيق تكامل اقتصادي وانفتاح ترابي يشمل جميع جهات المملكة، ويفتح آفاقا جديدة للتنمية بعد انتهاء الحدث العالمي.
هذا، واستبعد المغرب قبل أسابيع كل من شركة “تالغو” الإسبانية من المرحلة الأولى لمنح عقد توريد 150 قطارا، التي يسعى إلى تشغيلها قبل كأس العالم 2030، الذي ينظمه بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، إلى جانب إقصاء كل من شركة “ألستوم” الفرنسية، الفائزة مؤخرا بصفقة 18 قطارا فائق السرعة لصالح المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF)، والمصنع الصيني “CRRC Zhuzhou Locomotive Co”.
وحسب ما كشفت عنه جريدة “El economista” الإسبانية فإن استبعاد كل من “تالغو” و”ألستوم”، حصر المنافسة على هذا العقد الضخم بين شركتين فقط، ويتعلق الأمر بـ”CAF” الإسبانية و”Hyundai Rotem” الكورية، واللتين تتنافسان على تزويد المغرب لتغطية الخطوط الإقليمية (Intercity)، وقطارات مخصصة للخطوط المكوكية (TNR)، وقطارات لخدمة شبكة النقل الإقليمي السريع (RER).
ومن جانبه يرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن تأثيره سيظل محدودا بالنظر إلى قوة العلاقات التجارية والاقتصادية القائمة بين الرباط ومدريد.
وأوضح ساري أن إسبانيا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب، لكنها ليست المستثمر الأول في المملكة، حيث تظل الاستثمارات الفرنسية الأكثر حضورا.
وأضاف قائلا إن العلاقات بين البلدين قائمة على أسس متينة في مجالي التجارة والاقتصاد، ما يجعل هذا القرض مجرد دعم إضافي وليس عنصرا حاسما في تعزيز هذه الروابط.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن تطوير العلاقات الاقتصادية لا يعتمد فقط على التمويلات الخارجية، بل يستوجب استراتيجية فعالة لتسويق الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب، سواء في علاقاته مع إسبانيا أو مع باقي دول العالم، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
جدير بالذكر أن العديد من الشركات الإسبانية حلت قبل أيام بالعاصمة المغربية الرباط ضمن أيام عمل نظمتها الهيئة الإسبانية للتجارة الخارجية (ICEX)، بهدف استكشاف فرص الاستثمار والمشاركة في المشاريع الكبرى التي أطلقتها المملكة استعدادا للتظاهرة الكروية المقررة في 2030.
وتشمل خطط المغرب توسيع جميع الملاعب التي ستحتضن مباريات البطولة، بالإضافة إلى بناء أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، كما تتضمن المشاريع الكبرى كتطوير المطارات، وشبكة السكك الحديدية، وتعزيز القدرة الفندقية، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
المصدر: العمق المغربي