نحو ولوج التكوينات الجامعية بمصداقية وشفافية

بصفتي رئيسًا لجامعة محمد الأول وجدة، لا يسعني إلا أن أثني على القرارات الحكيمة التي اتخذها السيد عزالدين ميداوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والتي تمثلت في المصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلكي الإجازة والماستر.

إنني من منصبي هذا أعتبر أن هذه القرارات خطوة أساسية وجريئة نحو تجويد منظومتنا الجامعية وتعزيز تنافسيتها، وتؤكد على الرؤية الاستراتيجية للسيد الوزير للنهوض بالتعليم العالي بما يخدم طموحات شبابنا ومسار التنمية الشاملة لبلادنا، التي ينشدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، الذي ما فتئ يؤكد على عنايته الخاصة بقطاع التعليم والنهوض به، مؤكداً على أهميته كقاطرة للتنمية الشاملة في المغرب. ففي الرسالة الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس سنة 2020، أكد جلالة الملك على أن التعليم هو “الركيزة الأساسية لتأهيل الرأسمال البشري كي يصبح أداة قوية تساهم بفعالية في خلق الثروة، وفي إنتاج الوعي، وفي توليد الفكر الخلاق والمبدع”.

لقد جاءت هذه الضوابط الجديدة لتعزز وضوح شروط الولوج والتكوين في سلك الإجازة والماستر بما يقطع الطريق عن أي تجاوزات. ففيما يتعلق بشروط الولوج إلى سلك الإجازة، تفتح التكوينات في وجه الحاصلين على شهادة الباكالوريا أو ما يعادلها على مستوى الفصل الأول، مع مراعاة اختيارات حاملي الباكالوريا، وشعب ومسالك الشهادة، والنقط المحصل عليها في المواد ذات الصلة بالمسلك المراد التسجيل به. كما تتيح هذه الضوابط إمكانية الولوج إلى الفصول المتقدمة بناء على دراسة الملفات أو عبر اختبارات ومباريات، مع الأخذ بعين الاعتبار المعارف المكتسبة مسبقا. إن هذا النظام يضمن العدالة والشفافية في عملية الانتقاء، ويكافئ التفوق الأكاديمي.

تجدر الإشارة إلى أن مسالك الإجازة تضم وحدات معرفية ولغات أجنبية ومهارات أفقية، تركز على تزويد الطالب بالمهارات الحياتية والذاتية والرقمية، وتشمل منهجية العمل الجامعي، والذكاء الاصطناعي، والثقافة المقاولاتية، مما يعزز قابلية توظيف الخريجين وإدماجهم في سوق الشغل. كما سيتم اعتماد نظام الجسور لضمان حركية الطلبة، وإعادة توجيههم بمرونة داخل المؤسسات أو بينها، مع ترصيد المكتسبات.

أما بالنسبة لسلك الماستر، فإن القرارات الجديدة تضع أسسا متينة لتكوين يجمع بين العمق الأكاديمي والتوجه المهني. ذلك أن هذه التكوينات ستفتح في وجه الحاصلين على شهادة الإجازة في الدراسات الأساسية أو المهنية أو ما يعادلها، مع استيفاء معايير القبول المحددة في الملف الوصفي للمسلك. فيما سيتم الانتقاء بناء على دراسة ملفات الترشيح، دون مباريات كتابية أو مقابلات شفهية. وسيعتمد الانتقاء على المعدلات العامة والنقط المحصل عليها في بعض المواد الأساسية التي تدخل في تخصص الماستر. مع أهمية الإشارة إلى أن ولوج خريجي “مراكز التميز” إلى سلك الماستر الذي تحتضنه هذه المراكز سيكون تلقائيا، وهو ما سيشجع على التميز ويحتفي بالكفاءات.

وانسجاماً مع التوجه الذي أعلن عنه السيد وزير التعليم العالي في البرلمان، والقاضي بالتدرج نحو نظام الولوج المفتوح، سيعرف عدد المقاعد بسلك الماستر ارتفاعاً ملحوظاً، حسب الطاقة الاستيعابية للمؤسسة وما تم تسطيره في الملف البيداغوجي، مما سيفتح فرصا أكثر للطلبة لاستكمال مسارهم الأكاديمي. وسيظل التسجيل مجانيا بالنسبة للطلبة، فيما سيكون مؤدى عنه بالنسبة للموظفين، في إطار نظام “الزمن الميسر” الذي سيتم تعميمه.

إن القرار الوزاري رقم 1891.25، الصادر في الرسمية عدد 7430، والقاضي بالمصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الماستر، يمثل منعطفا استراتيجيا متميزا في مسار إصلاح التعليم العالي بالمغرب. إنه ليس مجرد إجراء إداري تقني، بل إعلان عن رؤية واضحة تضع الجودة والشفافية في صلب المنظومة الجامعية.

إن من أبرز ما يحمله هذا القرار توحيد معايير الولوج إلى سلك الماستر على المستوى الوطني، مما يحد من التفاوتات بين الجامعات ويضمن تكافؤ الفرص أمام جميع الطلبة. وهو التوحيد الذي يسهم في بناء ثقة حقيقية في مصداقية الشهادات الجامعية المغربية، ويجعلها أكثر قدرة على المنافسة في الفضاءين الأكاديمي والمهني العالمي.

إننا نعلم جميعا كم عانت جامعاتنا، من حين لآخر، من بعض الظواهر المسيئة والتجاوزات المصاحبة لعملية الانتقاء والولوج، وهو ما أثر سلبا على سمعة التعليم العالي. اليوم، وبفضل هذا القرار، نؤمن بأن الوزارة وضعت آلية شفافة وموحدة تحد من أي تلاعب أو تجاوز، الأمر الذي سيعيد الاعتبار للشهادة الجامعية المغربية كرمز للكفاءة والجدارة.

إن هذه الإصلاحات، التي أقرها السيد الوزير المحترم، لا تعكس فقط حرص الوزارة على تحديث الإطار البيداغوجي، بل تجسد أيضا التزاما راسخا بجودة التعليم العالي وتلبية احتياجات سوق العمل. من خلال هذه الضوابط نرى بوضوح سعيا دؤوبا لتمكين الطلبة من المعارف والكفايات الضرورية، وتطوير مهاراتهم الحياتية والرقمية والثقافية.

في الأخير، نؤكد على أننا في جامعة محمد الأول وجدة نُثمن عاليا هذا التوجه، ونؤكد التزامنا التام بتطبيق هذه الضوابط الجديدة، بما يضمن توفير تعليم جامعي ذي جودة عالية، مرن وقادر على إعداد أجيال من الخريجين المؤهلين للمساهمة بفعالية في بناء مستقبل مزدهر لوطننا.

المصدر: هسبريس

شاركها.