شرخٌ في التاريخ تجسّد في الجغرافيا بعد الاحتلال الأوروبي لإفريقيا، قسّم دولا قائمة، وخلق أخرى جديدة، وهو ما استمر حتى بعد الاستقلال، حيث تمسّكت كثير من الدول الرافضة للاستعمار بمكتسباته الحدودية، رافضة أي مناقشة لـ”الحدود المتوارثة عن الاستعمار”.

المغرب كان أبرز دول القارة التي رفضت هذا المبدأ المستند إلى شرعنة حصيلة عمل الاحتلال الأجنبي، وهو ما لم يكن موقفا رسميا فقط، بل موقفا جمع أبرز أقطاب المعارضة، في جلّ انتماءات طيفها السياسي والفكري، وما حديث دفاع “الحزب الشيوعي المغربي” فـ”التحرّر والاشتراكية” عن “حدود المغرب الحقّة” ببعيد، وسجن ثلاثة من قادة “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي كان “الاتحاد الوطني”، بما في ذلك زعيمه، لرفضهم قرار الملك الحسن الثاني الاستفتاء؛ لأن “لا استفتاء على مغربية أرض مغربية”، فضلا عن مواقف أخرى من بينها على سبيل المثال لا الحصر موقف حركة “23 مارس” ثم “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، لخير دليل على ذلك.

واليوم، في منعطف تاريخي جديد شهدته قضية الصحراء المغربية، إثر تصويت مجلس الأمن الذي يقر خطة الحكم الذاتي في ظلّ سيادة المملكة، توالت مواقف من مختلف مناحي الطيف السياسي والفكري بالبلاد.

“العدل والإحسان”

من بين هذه المواقف، ما عبّرت عنه أبرز الجماعات الإسلامية المعارضة بالبلاد “العدل والإحسان”، التي قالت: “نُذَكّر بموقفنا الثابت من قضية الصحراء، الذي انطلق دائما من إيمان راسخ بضرورة وحدة الدولة المغربية، ورفض كل مشروع يؤدي إلى مزيد من التجزئة في المغرب الكبير. فقوة المغرب تكمن في وحدته وتماسك نسيجه الاجتماعي والترابي، ورفض جميع ما يؤدي إلى مزيد من التفرقة والتفتيت، الذي لا يستفيد منه إلا أعداء أمتنا”.

وأضافت الجماعة الصوفية: “نقدر جهود الأمم المتحدة ومجلس الأمن في الحفاظ على وقف إطلاق النار وتجديد ولاية بعثة المينورسو، كضرورة لتجنب شبح الحرب، ونعتبر أن مقترح الحكم الذاتي، إذا تم تفعيله بشكل ديمقراطي وعادل وشفاف وحكامة جيدة، يمكن فعلا أن يكون فرصة لتنمية الأقاليم الجنوبية ومنح ساكنتها صلاحيات واسعة في تدبير شؤونها المحلية، وينهي مشكلة مفتعلة طال أمدها وصارت عبئا على الجميع محليا ودوليا”.

وقدّرت العدل والإحسان أن “أي حكم ذاتي حقيقي يجب أن يكون جزءا من مشروع ديمقراطي شامل يضمن العدل والحرية والمشاركة الفعلية لجميع المغاربة” كما سجّلت أن “عدالة هذه القضية لا تحتاج إلى ‘صكوك غفران’ من الكيان الصهيوني المحتل والساقط إنسانيا والمطارد من طرف العدالة الدولية”، ونادت بـ”استثمار هذه الخطوة المهمة لإحداث انفراج كبير في الملفات الحقوقية والسياسية، التي تبدأ من الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وتدشين مصالحة وطنية واسعة، لترسيخ وحدة داخلية حقيقية تستطيع استثمار المنجزات والرقي بالوطن نحو مستقبل واعد لكل أبنائه وبناته”.

“النهج الديمقراطي”

إلى حدود الساعة، وبعد ثلاثة أيام من تصويت مجلس الأمن، يغيب أي موقف رسمي لحزب النهج الديمقراطي العمالي، الذي ينتصر في مواقف سابقة له لتأويل خاص لـ”تقرير المصير”، لا يرى إشكالا في انفصال جزء من الساكنة وجزء من تراب البلاد.

الحزب الماركسي اللينيني غير الممثل في البرلمان سبق أن أصدر بعد مؤتمره الوطني الخامس (سنة 2022) بيانا يدافع فيه عن وحدة التراب الصيني، مشددا على أن “تايوان جزء من التراب الصيني”، وفي أحدث بيانات مكتبه السياسي، بتاريخ 30 أكتوبر الماضي، يعبر الحزب عن “تضامنه المطلق مع الشعب السوداني وقواه الثورية والديمقراطية، وإدانته للتدخلات الخارجية المغذية للحرب الرجعية”.

ويبقى الموقف الوحيد الذي اطلعت عليه هسبريس لقيادي في حزب “النهج”، هو موقف الحبيب التيتي، نائب الكاتب العام السابق عضو المكتب السياسي الحالي رئيس تحرير الناطقة باسم “النهج”، الذي كتب: “أن يفرح الشخص لذبح الإمبريالية والرجعية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، فهو ليس بديمقراطي فما بالك أن يكون شيوعيا”، وفق تعبيره.

“فدرالية اليسار”

قالت فيدرالية اليسار الديمقراطي إن “صدور قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بالصحراء المغربية يأتي تتويجا لمسار طويل من نضال الشعب المغربي وقواه الوطنية والديمقراطية، دفاعا عن وحدته الترابية في مواجهة المخطط الانفصالي”.

وتابع الحزب الممثل في البرلمان: “إذ يثمن الحزب هذا القرار الأممي باعتباره خطوة متقدمة نحو تثبيت الاعتراف الدولي بالسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية، فإنه يؤكد على أن تحصين هذه المكتسبات لا ينفصل عن معركة بناء الدولة الديمقراطية الحقيقية التي تكرس سيادة القانون، وتضمن المشاركة الشعبية وتحقق العدالة الاجتماعية والمجالية”.

ومع دعوتها إلى “إطلاق انفراج سياسي شامل، وفتح حوار وطني صادق حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يعزز مكتسب الاعتراف الدولي بمقترح الحكم الذاتي”، ناشدت الفيدرالية “المغاربة الذي انخدعوا بالأطروحة الانفصالية الالتحاقَ بوطنهم والمساهمة في بنائه على قاعدة الحرية والديمقراطية والكرامة”.

“الاشتراكي الموحد”

بدوره، ثمن “الحزب الاشتراكي الموحد” المستجد الأممي، واصفا إياه بـ”القرار التاريخي في المسار الطويل لملف وحدتنا الترابية داخل مجلس الأمن، الذي ينصف الشعب المغربي الذي قدم تضحيات جساما، وآلاف الشهداء سواء إبان الاستعمار أو بعد الاستقلال”.

تابع الحزب الممثل في البرلمان: “قضية الصحراء المغربية هي قضية الشعب المغربي بأكمله، كما يجب أن تكون هذه اللحظة التاريخية قطيعة تامة مع المقاربة السابقة في تدبير الملف، وأن تشكل بداية مرحلة جديدة للتأسيس لتعاقد مجتمعي سياسي جديد لتحصين بلادنا بالديمقراطية الحقة، وخلق نهضة اقتصادية ومجتمعية لربح الرهانات والتحديات في عالم متغير على أسس الحرية، والكرامة، والمساواة، والعدالة الاجتماعية والمناطقية، والمناصفة الحقة”.

ونادى “الحزب الاشتراكي الموحد” بـ”اعتماد مقاربة تشاركية في تدبير ملف وحدتنا الترابية”، و”تهيئة مناخ سياسي جديد، يسمح بإنجاز الانتقال الديمقراطي الحقيقي، يبدأ بتصفية الأجواء عبر إطلاق سراح معتقلي الرأي والحراكات الشعبية، وفي مقدمتهم معتقلو الحراك الشعبي بالريف، وشباب جيل (ز)، والصحافيون المدونون، ومناهضو التطبيع”، كما توجه بدعوته “الصادقة لجميع اللاجئين في مخيمات تندوف من أصول مغربية للعودة إلى أرض الوطن”، ودعا “قيادة البوليساريو إلى طي صفحة صراع امتد لنصف قرن، والعودة لوطنهم للمشاركة بفعالية في بناء مغرب يتسع لجميع أبنائه، ومتصالح مع جميع جهاته ومناطقه”.

المصدر: هسبريس

شاركها.