القرآن الكريم أحدث تحولا مهما في الفلسفة السياسية للسلطة

فسر المفكر السوداني المحبوب عبد السلام قلة كتب السياسة الشرعية في التاريخ الإسلامي بأن “كثيرا من الفقهاء كانوا يريدون حرمان الفقيه الوارث من الشرعية بالحرمان من التنظير، فكان سكوتهم موقفا (…)، ومقارنة بفقه الطهارة أو الميراث أو الزكاة نجد فقها قليلا حول كيف تختار الأمير وكيف تحاسبه وما مدة ولايته وكيف ينصح”.
جاء هذا في أحدث حلقات برنامج “في الاستشراق”، الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان على “منصة مجتمع”، وقال فيها المحبوب عبد السلام إن المسلمين كانوا في حالة نهضة حضارية وطاقات زائدة تبدع في كل مجال، لكن كتابا مثل “المدينة الفاضلة” للفارابي “فيه تنظير كثير ولم يجد أي اهتمام لأن الفلسفة مثل أدب المرايا مجال بعيد عن الجمهور، وكان قادة المجتمع هم الفقهاء فكانوا يستغلون أحيانا غضبة العامة ليعبّئوهم ضدهم”.
وتابع قائلا: “كان الإنتاج واسعا جدا في الفلسفة، لكن تأثير هذه الريادة العقلية الفلسفية التي كان يمكن أن تنقذ المسلمين من ضيق الفقه ومحدوديته حوربت وحوصرت”. ثم زاد: “لقد وصف المفكر الجزائري مالك بن نبي العقل المسلم بالذَّرِّية، أي العقل التجزيئي غير القادر على التفكير الكلي، وهذا حدث للأوروبيين في مرحلة حضارية وحدث للمسلمين أيضا، لكن من الأفكار الجوهرية في الاستشراق التمييز بين الرومان واليونان وبقية العالم، فلم يرَ المستشرقون الجوانب الحية عند المسلمين، وقيادة الفقهاء لم تستطع أن تمنع المجتمع من التفكير بطريقة حرة، وأن يكون له إسهام أحيانا متجاوز بشكل كبير، وكان في المجتمع نقاش وحرية كبيرة جدا”.
وأضاف أن “المفكر المغربي عبد المجيد الصغير بيّن أن واحدا من دوافع الشافعي لكتابة الأصول بالطريقة التي كتب بها أدب المرايا الهندي والفارسي، وهو أدب متعلق بالسياسة والإمبراطور نقل إلى العالم الإسلامي في القرن الإسلامي، فخشي أن تُطمس أصول القرآن والسنة فحاول أن يعمل منهجا للفقه، وهو منطق الفقه وفق مصطفى عبد الرازق (…) وأضاف المفكر الإسلامي حسن الترابي أصلا سادسا للأصول الخمسة هو (الأمر) المتعلق بالمسائل التي تنظر للسلطة ومجمل القوة”.
وزاد شارحا: “اشتغل حسن الترابي على (الأمر) ليحفظ مجال الحرية الواسعة للمسلمين في بقية الحياة، فمجال الطاعة للحاكم محدود من ضابط المرور إلى السجن، ومجال الحرية واسع مثل الفكر والفقه اللَّذَين لا يلتزمان بما يراه الحاكم والحوار والتنظير للشريعة وغير ذلك”.
وذكر المتدخل أن القرآن أحدث تحولا مهما في الفلسفة السياسية للسلطة، حيث “جعل السلطة للمؤمنين، وهو ما انتبه إليه الصحابة. وهذا الأصل هو الذي أخرج منه فقهاء الأصول الإجماع، لكن الأمر الذي لم يكن محسوما، نظرا للظرف النفسي والتاريخي، هو كيفية اختيار الخليفة أو الحاكم أو الأمير أو الرئيس، ومدة حكمه”.
ويرى المحبوب عبد السلام أن المستشرقين قسموا العالم إلى قسمين: “شرق وغرب، وجعلوا للشرق معالم محددة واضحة في ثقافة نصية، من بينها عدم استطاعته الحكم بالشورى والديمقراطية، ولو أن أحد مصادر جون جاك روسو اتصاله بالسفارة السويسرية بتركيا حيث تعرف على الإسلام وأخذ فكرة العقد الاجتماعي من “عقد البيعة”، المسمى على عقد البيع، أي أعطيك سلطة وتعطيني شورى وديمقراطية”.
وواصل: “عمر بن الخطاب وصف بيعة أبي بكر الصديق بالفلتة، لكن لما مات عمر اختار لجنة من ستة لا يكون من بينها الخليفة، وكان هذا تطورا كبيرا في ممارسة السلطة (…)، لكن السياق التاريخي حكم التجربة مع ما فيها من مبادئ (…)، وكانت الوراثة انقلابا على الفكرة الجوهرية: السلطة للمؤمنين. لكن في ظرف وجيز اتسعت الدولة اتساعا كبيرا، وارتفعت مداخيل الموارد المالية وأثري كثير من المسلمين، وكان هناك اتصال بحضارة الفرس (…) وسكت الفقهاء في أصول الفقه منذ الشافعي عن السلطة لأنهم لم يريدوا إعطاء الميراث الشرعية”.
وذكّر المتحدث بأن الحركة القومية العربية في العالم العربي كانت رد فعل على الحركة العثمانية والتتريك الذي تلاها، وأنه مع إلغاء الخلافة “حدثت هزة ونقاش وحوار في العالم الإسلامي، والمستشرقون لم يكونوا بعيدين عن هذا، وغالبا ما كانوا يبحثون في الأصول فيما يتعلق بالثقافة والحضارة الإسلاميتين والحضارات الأخرى في النصوص القديمة والتراثيات، لكن البحث في المجتمع والسياسة كان نادرا، وتم في جيل المستشرقين الناضجين”.
ومع وصفهِ المؤرخ ألبرت حوراني بأنه “مستشرق أكثر إنصافا ووعيا بتفاصيل الإسلام الداخلية”، قال المحبوب عبد السلام إنه في فصل الإمامة من كتابه “الفكر العربي في عصر النهضة” أبرز أن المشكلة التي يدور حولها التاريخ الإسلامي هي الإمامة، وانفصال الشيعة والسنة كان حولها، وكذلك استمرار الصراع الفكري.
المصدر: هسبريس