لا يزال الغموض يحيط بملف ما بات يسمى بـ”دعم الفراقشية” (دعم استيراد المواشي) داخل مجلس النواب، مع استمرار الجدل حول آلية الرقابة المناسبة. ففي الوقت الذي تتمسك فيه فرق الأغلبية بتشكيل لجنة مهمة استطلاعية، تصر فرق المعارضة على ضرورة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق. وتصاعدت حدة التوتر بين الأغلبية والمعارضة، لتصل إلى اتهامات متبادلة بـ”خرق الدستور” و”محاولة إقبار” الآليات الرقابية.
وأفادت مصادر برلمانية لجريدة “العمق” أن موضوع تشكيل المهمة الاستطلاعية لم يطرح خلال اجتماع مكتب مجلس النواب الأخير الذي عقد يوم الاثنين الماضي. كما أشارت مصادر أخرى إلى أن مكتب لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب لم يتلق أي قرار من مكتب المجلس بخصوص مصير تشكيل المهمة الاستطلاعية، ولم يثر الموضوع أيضا خلال اجتماع مكتب اللجنة.
وأكد مصدر من المعارضة تشبث هذه الأخيرة بمطلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق بدلا من المهمة الاستطلاعية التي اقترحتها فرق الأغلبية، مضيفا أن تشكيل هذه اللجنة لا يمكن أن يتم دون مشاركة المعارضة، التي كانت قد انسحبت مؤخرا من اجتماع مكتب لجنة القطاعات الإنتاجية، بعد أن قامت الأغلبية بحشد برلمانييها لرفض طلبات المعارضة بهذا الخصوص.
في سياق متصل، اتهم رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، عبد العزيز لشهب، المعارضة بمحاولة “إقبار” آلية المهمة الاستطلاعية من خلال إصرارها على الانسحاب من تشكيلها، مضيفا أن المهمة الاستطلاعية كفيلة بكشف الحقيقة إذا كانت المعارضة جادة في سعيها إليها، مشيرا إلى أن “محاولة إقبار المهمة الاستطلاعية” تثير تساؤلات حول نوايا المعارضة.
وكانت فرق ومجموعة المعارضة قد انسحبت من الاجتماع الذي عقدته لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، مساء الاثنين 19 ماي 2025، للحسم في طلب تشكيل مهمة استطلاعية حول دعم استيراد الماشية أو ما عرف إعلاميا بـ”دعم الفراقشية.”
وشهد الاجتماع، الذي ترأسه عبد العزيز لشهب عن حزب الاستقلال، مشادات وملاسنات بين نواب المعارضة والأغلبية التي عبأت برلمانييها من أجل الحضور المكثف لأشغال لجنة القطاعات الاجتماعية، في خطوة تهدف إلى حشد التأييد لطلب الأغلبية تشكيل مهمة استطلاعية حول دعم المواشي، مقابل استبعاد طلبات المعارضة بهذا الشأن، بحسب ما أفادت مصادر برلمانية حينها.
وأمام إصرار الأغلبية على التشبث بطلبها الذي جاء متأخرا عن مبادرة فرق من المعارضة بشأن استطلاع دعم “الفراكسة”، قررت مكونات المعارضة الانسحاب من الاجتماع، احتجاجا على ما وصفته بـ”تغول وهيمنة الأغلبية ومحاولة فرض اختياراتها خارج القواعد القانونية والعرفية للبرلمان”.
ورفض رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، عبد العزيز لشهب، الطعن في قرارات اللجنة بخصوص عدم اعتماد تاريخ الإحالة للتوافق على المهمة الاستطلاعية المتعلقة بدعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، مشيراً إلى أن الأخيرة تنتظر حسم مكتب المجلس في مصيرها بعد إحالة الطلب عليه في وقت سابق.
وفسر رئيس اللجنة عبد العزيز لشهب، في تصريح لـ”العمق” يوم انعقاد اللجنة، اللجوء إلى التصويت للحسم في المهمة الاستطلاعية بأنه خضوع لمبدأ التناوب بين الأغلبية والمعارضة، قائلا إن المهمة الاستطلاعية السابقة مُنحت للمعارضة في ملف برنامج “فرصة”، وهو “ما كان يفرض عليها التوافق من أجل منح المهمة الاستطلاعية الجديدة للأغلبية.”
وأوضح أن اللجوء إلى التصويت جاء بعدما رفضت المعارضة التوافق، مشيرا إلى أن طلب تشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة حول دعم استيراد المواشي حظي بتأييد 17 برلمانيا، كلهم في صفوف الأغلبية، عقب انسحاب فرق ومجموعة المعارضة من الاجتماع.
وكشف لشهب في تصريح لجريدة “العمق”، أن اللجنة توصلت بمراسلة من رئاسة المجلس من أجل اختيار موضوع واحد من ضمن سبعة مواضيع للقيام بمهام استطلاعية، مضيفا أنه على إثرها تقرر عقد اجتماع للجنة وبعد استيفاء الفرق والمجموعة النيابية لمداخلاتها، وكذا اقتراح الارتكان إلى مبدأ التناوب بين الأغلبية والمعارضة، تم اللجوء إلى مسطرة التصويت.
وأضاف البرلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، أن مكونات المعارضة “تشبثت برأيها، وفضلت الانسحاب أثناء عملية التصويت بدل ممارسة أدوارها المنصوص عليها في الفصل 10 من الدستور”.
وحسب المعطيات التي حصلت عليها جريدة “العمق” من مصادر مطلعة، فقد أدان لشهب في شكاية وجهها إلى رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي، ما وصفها بـ”التصرفات غير المسؤولة والهجمة غير المبررة” التي تعرض لها خلال جلسة الأسئلة الأسبوعية بتاريخ الاثنين 2 يونيو 2025، من لدن رئيس الفريق الحركي.
يأتي ذلك، ردا على اتهام الفريق الحركي بمجلس النواب، رئيس لجنة القطاعات، عبد العزيز لشهب، بـخرق الدستور، عندما لجأ إلى الحسم عن طريق التصويت لفائدة المهمة الاستطلاعية التي طلبتها الأغلبية، بخصوص دعم استيراد المواشي، واستبعاد المهمة الاستطلاعية للفريق الحركي.
ودعا رئيس الفريق الحركي ادريس السنتيسي، في طلب وجهه لرئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، إلى “تصحيح الوضع، احتراما لحقوق المعارضة”، وهو الموضوع ذاته الذي أثاره السنتيسي في نقطة نظام خلال جلسة عمومية للأسئلة الشفهية يوم الاثنين 2 يونيو 2025.
واتهم لشهب المعارضة بالسعي لـإقبار المهمة الاستطلاعية البرلمانية المتعلقة بدعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، وقال إنها “لا تريد الوصول إلى الحقيقة بل تسعى إلى استغلال الملف سياسياً والركوب عليه من أجل تحسين صورتها أمام الرأي العام، وذلك بعد عجزها عن القيام بدورها الدستوري في المراقبة الفعالة على عمل الحكومة وإغفال القضايا الحقيقية التي تستأثر باهتمام الرأي العام”.
واعتبر رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب أن “الدفع ما هو إلا هجوم مجاني سياسوي فارغ، ومجانبا للصواب والحقيقة، ومخلا بمقتضيات النظام الداخلي، مسجلا أنه “يضرب في الصميم مصداقية أجهزة المجلس، في الوقت الذي تقيدت فيه لجنة القطاعات الإنتاجية بإعمال مقتضيات النظام الداخلي”.
كما اعتبر رئيس لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، أن تصرفات رئيس الفريق الحركي “لا يليق البتة بهذه المؤسسة الدستورية ويضرب بعمق مقتضيات نظامها الداخلي عرض الحائط، ويخل بأعرافها وتقاليدها، والذي وصل حد الهجوم العلني، مستغلاً بشكل غير مقبول منبر الجلسة العامة”.
المصدر: العمق المغربي