الغلاء والإحصاء.. تحديات تواجه الدخول المدرسي ومخاوف من عودة الاحتقان
مع بداية كل موسم دراسي تتجدد النقاشات حول التحديات التي تواجهها المنظومة التربوية في المغرب، ولعل أبرزها الخصاص في الموارد البشرية التي ينتج عنها اكتظاظ في الفصول الدراسية، فضلا عن البنية التحتية التي يعتبرها العديد من متتبعي الشأن التعليمي متهاكلة وتحتاج إلى إعادة تأهيل، وهو ما تسعى إليه الوزارة من خلال تبني نموذج مدرسة الريادة الذي تقوم بتوسيعه ليشمل هذا الموسم أزيد من 2000 مؤسسة.
ويتزامن هذا الموسم مع الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي انطلق أمس الأحد ويستمر إلى غاية 30 من شتنبر الجاري وهي العملية التي أثارت النقاش بسبب مشاركة الأساتذة فيها، وهو ما سيعمق أزمة الخصاص في صفوف الأساتذة والأستاذات بحسب متتبعين للشأن التعليمي، بينما يؤكد آخرون أن عدد المشاركين من الأساتذة لا يتجاوز 6 في المائة من العدد الإجمالي لأساتذة المغرب، وهو رقم لن يؤثر على الموسم الدراسي.
وينضاف إلى ما سبق إلغاء مبادرة “مليون محفظة” التي كانت تهدف إلى دعم الأسر المغربية من خلال توفير المحافظ والكتب المدرسية للتلاميذ، مما ساهم في تخفيف الأعباء المالية عن الأسر ومحاربة الهدر المدرسي. ومع إلغاء هذه المبادرة، واستبدالها بنظام الدعم المالي المباشر، يتوقع الكثيرون أن يكون لذلك تأثير مباشر في رفع نسبة الهدر المدرسي.
الإحصاء نقاش مفتعل
وحول تأثير موضوع الإحصاء على الدخول المدرسي، قال رئيس فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ بالمغرب، نورالدين عكوري إن عملية الإحصاء لن تؤثر على الدخول المدرسي على اعتبار أن عملية الإحصاء انطلقت في فاتح شتنبر أما الانطلاق الفعلي للدراسة فسيكون في التاسع من شتنبر الجاري، مضيفا أن تتبعه للعملية أثبت أن عددا قليلا من الأساتذة هم المشاركون في هذا الاستحقاق الوطني. كما أن مديري الأكاديميات وجهوا تعليمات للمديرين الإقليميين ولرؤساء المؤسسات التعليمية قصد تدبير الخصاص.
من حانبه أوضح الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم fne، عبدالله غميمط أن النقاش حول عملية الإحصاء هو نقاش مفتعل للهروب من المشاكل الحقيقية التي يعاني منها القطاع والتي ليست وليدة اللحظة والممتدة لعقود بقرار رهن المدرسة العمومية بخيارات السوق والرأسمال وربط المدرسة والشأن التعليمي بالهواجس المالية.
وقال غميمط في تصريح لجريدة “العمق” إن الدخول المدرسي الحالي لا يختلف عن السنوات السابقة، من حيث الارتباك والاختلالات المسجلة، وقال إن ذلك راجع بالدرجة الأولى لغياب تخطيط محكم وغياب إرادة سياسية للدولة في النهوض بالمدرسة العمومية لتقوم بمهامها الكبرى في التأطير والتثقيف والتوعية والتنمية بمفهومها الشامل، وفق تعبيره.
وأضاف أن أبرز مشكل ستعيشه المنظومة خلال هذا الموسم وسيحرم أبناء وبنات الشعب المغربي من حقهم في التعلم هو الخصاص في أطر هيئة التدريس بسبب سياسة التقشف التي تمارسها الدولة التي لم تعد توظف العدد الكافي لسد هذا الخصاص، الذي ينضاف إلى الخصاص في الأطر الإدارية وهيئة المراقبة التربوية وأطر التدبير الإداري.
وقال النقابي ذاته إنه بالرغم من تحذيرات الحركة النقابية بخصوص الوضع الذي تعيشه المنظومة وبالرغم من مخططات الإصلاح المتتالية لم تفلح الوزارة في وضع حد لهذه الاختلالات وتوفير مدرسة موحدة تتيح مقعدا دراسيا لكل تلميذ مغربي، محملا المسؤولية فيما يحدث للدولة.
الريادة وتأهيل المؤسسات
وبخصوص تأهيل المؤسسات التعليمية وتوفير وسائل العمل، أشار عكوري إلى نماذج مؤسسات الريادة التي اعتبر أن أهم ركن فيها هو الفريق التربوي والإداري الذي يجب أن تكون له الرغبة في إنجاح هذه المؤسسات، وفق تعبيره، مضيفا أن “الوزارة تعمل على تأهيل هذه المؤسسات التي ستعمم خلال السنوات القليلة المقبلة والتي من شأنها أن تحارب ظاهرة الاكتظاظ التي يعاني منها المغاربة في المؤسسات التعليمية العمومية”.
أما النقابي غميمط، فقد عبر عن عدم تفاؤله بهذا النموذج الجديد الذي اعتبره امتدادا موضوعيا للبرامج السابقة “الفاشلة” والتي أوصلت المنظومة إلى مربع “العقم والعجز”، على حد قوله، وسجل أن ما يروج له في هذا الإطار عبارة عن برنامج فرض من المؤسسات المانحة وهو برنامج للدعم التربوي ولا يجيب عن حاجيات المتعلمين، لافتا إلى أن هذا البرنامج لا مكان فيه للمتميزين والمتفوقين.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أنه لا رهان على المدارس الرائدة، لأنها ستعزز التمييز داخل المنظومة وستكرس الضعف وستخلق تراجعات في المنظومة التربوية، مشيرا إلى أنه في غياب حوار وطني حقيقي يشارك فيه الجميع دون خطوط حمراء ودون توجيه من المؤسسات المالية التي لا تريد الخير للبلاد ولا تريد تطوير المنظومة ببلادنا لن يكون هناك تغيير حقيقي في قطاع التعليم، وفق تعبيره.
مليون محفظة
وقلل نورالدين عكوري، من أهمية قرار إلغاء مليون محفظة، مؤكدا على أن ما كان يحصل عليه التلاميذ في إطار هذه المبادرة تتراوح كلفته ما بين 150 و 300 درهم، علاوة على المشاكل التي كانت ترافقها من قبيل عدم توصل التلاميذ بالمقررات الدراسية في الوقت المحدد والنقص في بعض المقررات، والمشاكل النفسية التي كانت تسببها عملية التوزيع لدى بعض المتعلمين، مفضلا الدعم المباشر للأسر المستحقة الذي تبنته الحكومة.
وفي السياق ذاته، أشار غميمط إلى أن ما وصفها بالحلول الترقيعية في التعاطي مع أبناء وبنات الفئات الشعبية الفقيرة ومن بينها مبادرة “مليون محفظة” لا ترقى لانتظارات الفئات الاجتماعية، وبالرغم من ذلك فإن إلغاء هذا البرنامج وتعويضه بدعم مالي مباشر هو تنصل الدولة من التزاماتها تجاه المجتمع وخاصة الفئات الهشة المتضررة في توفير تعليم عمومي مجاني موحد على غرار العديد من الدول التي لها إرادة في إصلاح تعليمها، وفق تعبيره.
وقال إن الدعم الذي خصصته الدولة للأسر والمحدد في 200 درهم و300 درهم لا يحفز هذه الأسر ولا يعوض مبادرة المليون محفظة على علاتها، مشيرا إلى أن إلغاء هذا البرنامج من شأنه أن يفاقم ظاهرة الهدر المدرسي خاصة في صفوف الأسر الفقيرة التي لا تستطيع أن توفر المبالغ الكبيرة التي يتطلبها الدخول المدرسي، على حد تعبيره.
وأضاف أن إلغاء برنامج مليون محفظة هو تعبير عن عجز الدولة في توفير تعليم عمومي مجاني موحد لأبناء وبنات المغاربة وتعبير من الدولة على توجهها النيوبرالي وعلى رفعها اليد عن كل القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم وأنها توجه رسالة للمؤسسات الدولية على أنها تليمذ نجيب في ترجمة هذه الاختيارات وتنزيلها على أرض الواقع، يضيف غميمط.
وقررت الحكومة المغربية في وقت سابق تعويض مبادرة “المليون محفظة” بدعم مباشر من خلال صرف مبالغ مالية إضافية للأسر المستفيدة من نظام الدعم الاجتماعي المباشر، وذلك برسم كل دخول مدرسي جديد، والتي كانت تصرف فيما قبل عينيا ضمن المبادرة الملكية “مليون محفظة”.
وستستفيد الأسر التي تضم أولادا متمدرسين في السلك الابتدائي أو السلك الثانوي الإعدادي من 200 درهم، بينما ستسفيد الأسر التي تضم أولادا متمدرسين في السلك الثانوي التأهيلي من 300 درهم، علما أن هذا المبلغ لن يتم احتسابه في المبالغ التي يتم صرفها عادة للأسر المستفيدة برسم كل شهر، والتي تدخل قيمتها في تحديد الحد الأدنى الشهري لمبالغ الدعم الاجتماعي المباشر.
سيناريو الاحتقان
وتزامنا مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد، أثار نواب بالبرلمان ما بات يُعرف بملف “أساتذة الزنزانة 10″، محذرين في السياق ذاته من تكرار سيناريو الموسم الماضي الذي عرف إضرابات دامت حوالي 12 أسبوعًا بسبب مطالب الشغيلة التعليمية.
وقال البرلماني عن حزب الحركة الشعبية، عادل السباعي، في سؤال كتابي وجّهه لوزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، إن السنة الدراسية 20232024 شهدت احتقانات غير مسبوقة ترجمتها الاحتجاجات والإضرابات التي استمرت لمدة غير يسيرة، مما أثر على الزمن المدرسي الذي اتسم بالهدر والانقطاع المتكرر.
وفي هذا الإطار، أضاف برلماني “السنبلة”، وتفادياً لتكرار نفس سيناريو السنة الفارطة، نسائلكم عن التدابير المتخذة لتأمين موسم دراسي سليم، والاستجابة للملفات المطلبية لأسرة التعليم، وضمنها مثلاً ما بات يُعرف بأساتذة الزنزانة 10، وبالتالي تطبيق المادة 81 من النظام الأساسي الجديد التي تمنحهم خمس سنوات اعتبارية للترقي إلى الدرجة الأولى.
وأشار البرلماني ذاته إلى أن تأمين الموسم الدراسي يتطلب حوارًا قطاعيًا استباقيًا مع هذه الفئة ومع فئة المتصرفين التربويين وباقي الملفات المطلبية، تفاديًا لتكرار ما حدث خلال السنة الفارطة، وفق تعبيره.
من جهتها، أثارت برلمانية التقدم والاشتراكية مريم وحساة، في سؤال كتابي إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، حول كيفية تفعيل المقتضى المتعلق بتسوية الملف المشهور بـ”أساتذة الزنزانة 10″، إن بوادر تراجعات مقلقة وتفسيرات سلبية في هذا الملف بدأت تطفو على السطح بعد نهاية الحراك التعليمي في الموسم المنصرم.
وأشارت البرلمانية إلى “المعاناة الطويلة لهذه الفئة التي أفنت زهرة شبابها في خدمة البلاد والناشئة”، موضحةً أنها “بعد استنفادها كافة أساليب الاحتجاج السلمي، استبشر المتضررون من هذا الملف خيرًا في المادة 81 من النظام الأساسي التي تمنحهم 5 سنوات اعتبارية للترقي إلى الدرجة الأولى”.
وأضافت: “إلا أننا، وبعد نهاية الحراك التعليمي، بدأت تطفو على السطح بوادر تراجعات مقلقة وتفسيرات سلبية من شأنها إطالة أمد تسوية هذا الملف إلى غاية 2028 عوض 2025 التي وعدت بها الوزارة عند الاتفاق مع ممثلي نساء ورجال التعليم”.
وتساءلت النائبة وحساة، الوزير الوصي عن هذه السنوات الاعتبارية، و”ما الذي قد يجعلها موجبة للتسقيف سنة 2019 في مرسوم سابق متعلق بملف ضحايا النظامين، وكذلك في اتفاق قطاع الصحة، وعكس ذلك بالنسبة لأساتذة الزنزانة 10″.
وطالبت النائبة الاشتراكية من بنموسى “جوابًا صريحًا وتفسيرًا واضحًا ودقيقًا للمادة 81 وكيفيات تفعيلها عمليًا، بما يفي بوعودكم وينصف هذه الفئة وينهي هذا الملف في أفق 2025، ولما لا قبل ذلك”، وفق السؤال البرلماني الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه.
المصدر: العمق المغربي