اخبار المغرب

“العمق” تكشف تفاصيل أضخم مشروع لرقمنة أزيد من 38 مليون سجل للحالة المدنية

شرعت وزارة الداخلية في إطلاق أحد أضخم المشاريع الوطنية في مجال تحديث الإدارة، يهدف إلى رقمنة سجلات الحالة المدنية بمختلف عمالات وأقاليم عشر جهات من المملكة. ويأتي هذا المشروع، الذي يندرج ضمن برنامج تحديث الحالة المدنية، في سياق الرؤية الاستراتيجية للوزارة الرامية إلى تعزيز التحول الرقمي بالإدارات العمومية وتسهيل ولوج المواطنين إلى الخدمات الإدارية الحيوية.

وقد أعلنت المديرية العامة للجماعات الترابية عن فتح طلب عروض دولي، يهدف إلى رقمنة وإدخال بيانات الحالة المدنية في 1,821 مكتبا تابعا للجهات المعنية، وذلك يوم 29 ماي 2025، بمقر قسم الدعم وتدبير النفقات التابع للمديرية، ويُتوقع أن يمكّن هذا الورش من رقمنة أزيد من 38 مليون سجل للحالة المدنية، يعود بعضها إلى ما يقارب قرن من الزمن، منذ إرساء نظام الحالة المدنية في المغرب سنة 1915.

ويبلغ الغلاف المالي المخصص لهذا المشروع الوطني الضخم أكثر من 194 مليون درهم،(19.4 مليار سنتيم) موزعة على خمس حصص جغرافية رئيسية، وفقا لحجم وعدد المكاتب والسجلات في كل جهة. وتُعتبر الحصة الخامسة، التي تضم جهتي طنجةتطوانالحسيمة والجهة الشرقية، الأعلى من حيث التكلفة، إذ رُصد لها مبلغ يفوق 45.5 مليون درهم، بينما توزعت باقي الحصص على كلف مالية تتراوح بين 33 و39 مليون درهم لكل منها، حسب ما تضمنه دفتر تحملات الصفقة.

وينقسم المشروع إلى 5 حصص جغرافية كبرى، تشمل جهة فاسمكناس، وجهة مراكشآسفي، إضافة إلى جهات سوسماسة، الداخلةوادي الذهب، كلميمواد نون، والعيونالساقية الحمراء التي تشكل حصة موحدة. كما تضم الحصص جهتي بني ملالخنيفرة ودرعةتافيلالت ضمن حصة واحدة، إلى جانب جهة طنجةتطوانالحسيمة والجهة الشرقية في الحصة الخامسة. وتختلف الحصص من حيث عدد المكاتب والسجلات المستهدفة، حيث من المنتظر أن تشمل الحصة الخامسة وحدها، على سبيل المثال، رقمنة ما يفوق 9 ملايين سجل، بينما تغطي باقي الحصص سجلات متفاوتة من حيث الحجم حسب كثافة السكان وعدد المكاتب التابعة لكل جهة.

ويُرتقب أن تتم هذه العملية على مرحلتين أساسيتين: الاستعادة الكاملة، التي تهم السجلات الورقية القديمة التي لم يتم بعد إدراجها في قاعدة البيانات الرقمية، وتشمل عمليات الترقيم (المسح الضوئي)، والإدخال اليدوي، والمراجعة الدقيقة، ويبلغ عددها حوالي 27 مليون سجل. أما المرحلة الثانية، فهي الاستعادة الجزئية، وتخص السجلات الموجودة فعليا بصيغ رقمية، والتي سيتم فقط إخضاعها لعمليات الفهرسة والتحديد والمسح الضوئي لتأمين حفظها وضمان تطابقها مع الوثائق الأصلية، ويبلغ عددها أكثر من 11 مليون سجل.

ولتأمين تنفيذ هذا الورش الوطني وفق أعلى معايير الجودة، سيتم اعتماد تطبيق معلوماتي خاص باسم “تطبيق استعادة التاريخ على مستوى مقدم الخدمة”، إضافة إلى دليل إجراءات مفصل أعدّته وزارة الداخلية لتوحيد طرق الإدخال وضبط معايير المسح الضوئي والتحكم في جودة البيانات. كما يُلزم دفتر التحملات الشركات المتقدمة للمشروع بضمان سير العمل بطريقة صناعية ومنظمة، مع احترام شروط السلامة الرقمية والمحافظة على السجلات الورقية خلال مراحل الإنجاز.

وتقوم منهجية العمل على آلية تكرارية وتزايدية، حيث يتم إدخال كل سجل على حدة بشكل متتابع، مع تسليم الدفعات بشكل تدريجي ومتزايد حسب وتيرة الإنجاز، بما يضمن تغطية شاملة لجميع المكاتب المعنية. كما سيتم إعطاء الأولوية، خلال المراحل الأولى، لسجلات المواليد التي وقعت بعد سنة 1950 وسجلات الوفيات المسجلة بعد سنة 2003، على اعتبار أهميتها الإدارية والعملية.

وتعكس هذه الخطوة الجديدة رغبة السلطات في تجاوز الممارسات الورقية التقليدية، والانتقال نحو إدارة عصرية تستند إلى قاعدة بيانات إلكترونية موحدة، تضمن السرعة والشفافية والدقة في تقديم خدمات الحالة المدنية. وستمكّن هذه المنظومة الجديدة من تحسين علاقة المواطن بالإدارة، من خلال تقليص آجال الحصول على الوثائق، وتسهيل التحقق من صحة المعطيات، وربط الإدارات المختلفة بقواعد بيانات موثوقة ومشتركة.

ويُعد هذا المشروع امتدادا للجهود التي بذلتها وزارة الداخلية خلال السنوات الماضية، والتي شملت رقمنة قرابة 15 مليون سجل في جهتي الرباطسلاالقنيطرة والدار البيضاءسطات. ومع هذا المشروع الجديد، تتجه الوزارة نحو استكمال رقمنة الرصيد التاريخي الكامل لسجلات الحالة المدنية، بما يعزز من تأسيس السجل الوطني للحالة المدنية، الذي سيكون ركيزة محورية في السياسات العمومية المرتبطة بالهوية، والخدمات الاجتماعية، والتخطيط الترابي.

كما تراهن الوزارة على الاستفادة من هذا النظام المعلوماتي الجديد لربط جميع مكاتب الحالة المدنية بنظام مركزي آمن وعالي الأداء، يتيح تبادل المعطيات في الزمن الحقيقي مع باقي المؤسسات العمومية، مما سيؤدي إلى تحسين مؤشرات الحكامة، ودعم التحول الرقمي، وتيسير تنفيذ البرامج الوطنية المعتمدة على المعطيات الديمغرافية الموثوقة.

وفي ظل هذا التوجه، تؤكد وزارة الداخلية وفقا لوثائق الصفقة أن هذا الورش ينسجم مع التوجيهات الملكية الداعية إلى رقمنة الإدارة العمومية وتقريبها من المواطن، كما يشكل أحد الأعمدة الأساسية في مشروع الحكومة الرامي إلى تحديث البنية التحتية الرقمية وتحسين فعالية الأداء الإداري على مختلف المستويات.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *