منذ قرون طويلة، ارتبط الطب الشعبي المغربي بالحكمة والتجارب المتوارثة جيلاً بعد جيل، حيث اعتمد الإنسان على ما يوجد في الطبيعة من نباتات وأعشاب، وعلى طرق تقليدية تُمارس بالإيمان أكثر مما تُمارس بالعلم. وقد شكّل هذا الطب جزءًا من الهوية الثقافية المغربية.

يُعد العلاج بالأعشاب من أقدم وسائل التطبيب التي عرفها المغاربة. فـ“الشيح” يُستخدم لعلاج نزلات البرد، و“الخزامى” للاسترخاء والتعطير، و“الزعتر” لتقوية المناعة. وكانت النساء في القرى يحتفظن بخزائن صغيرة تحوي أنواعا متعددة من الأعشاب، لكل منها استخدام محدد، سواء في شكل شاي أو بخور أو كمادات تُوضع على مواضع الألم.

الكي بالنار، أو ما يُعرف في الثقافة الشعبية بـ“الطّب بالنار”، يُعد من أكثر أساليب العلاج التقليدي إثارة للجدل. فهو علاج مؤلم يعتمد على حرق مواضع محددة في الجسم بهدف وقف المرض أو “حرق الداء” كما يُقال.

ويُمارس عادة من طرف أشخاص ذوي خبرة ميدانية طويلة، يُعرفون بمواقع الكي في الجسد ويعتبرون هذه الطريقة علاجًا نهائيًا لبعض الأمراض المزمنة مثل آلام المفاصل أو مشاكل الأعصاب.

يبقى الطب الشعبي المغربي مرتبطًا بالإيمان ارتباطًا وثيقًا، إذ يرى الكثيرون أن الشفاء بيد الله، وأن الأعشاب والكي ليست سوى وسائل وأسباب. ولهذا، فإن هذه الممارسات تجمع بين الطب والروح، وتُجسّد نظرة المغاربة القديمة إلى التداوي بوصفه مزيجًا من التجربة والإيمان، من المادة والمعنى.

تبقى بعض مظاهر العلاج الشعبي مثارَ تساؤل في المجتمع المغربي، خصوصًا تلك التي ترتبط بما يُعرف بالعلاج بلعاب الإنسان. فقد روت بعض الشهادات الواقعية أن سيدة كانت تعاني من حروق شديدة في وجهها، فقصَدت رجلًا يُعرف بقدرته على “النفث”، حيث نفث لعابه على مواضع الحروق وأعطاها إناءً فيه شيء من لعابه لتدهن به المناطق المصابة.

والمفاجأة حسب الشهود أن الحروق شُفيت تمامًا واختفت آثارها.

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يحتوي اللعاب فعلًا على خصائص علاجية خارقة، أم أن الأمر لا يتعدى قوة الإيمان والاعتقاد الشعبي بالبركة؟

بين الإيمان والتجربة، يبقى الجواب معلّقًا بين العلم والموروث، في انتظار تفسير يجمع بين الطب الحديث والروح الشعبية التي ما زالت تسكن تفاصيل الحياة المغربية.

يظل الطب الشعبي المغربي مزيجًا فريدًا من الحكمة الطبيعية العميقة وقوة الإيمان المتوارثة. ورغم أن بعض ممارساته (كالأعشاب) تستحق التوثيق العلمي، إلا أن الأخرى (كالكي و”النفث”) تبقى معلقة بين قوة الاعتقاد والحاجة إلى التفسير العلمي. يكمن الموقف في تقدير الإرث مع ضرورة تصفية تحت ضوء العلم الحديث لضمان سلامة وشفاء الإنسان.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.