جاء عفو الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخرا عن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بطلب من نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير ليكشف، وفق مهتمين، عن تخبط النظام الجزائري في زمن الحقيقة الممنوعة التي نطق بها صنصال يوما، حين أشار إلى وجود أراض جزائرية مستقطعة من المغرب، ليتم سجنه بعدها انتقاما منه ومن موقف فرنسا التي يحمل جنسيتها، الداعم لسيادة الرباط على أقاليمها الجنوبية.
وعلى الرغم من محاولات أحزاب وشخصيات سياسية في الجزائر إضفاء الطابع الإنساني، بل والسيادي، على هذا الإفراج، فإن الواقع يشير، وفق المهتمين أنفسهم، إلى أن قرارات السلطة في هذا البلد تكون غالبا ردود فعل على ضغوط خارجية أكثر منها تعبيرا عن استراتيجية واضحة، معتبرين أن هذا العفو الرئاسي ليس سوى مجرد أداة لإعادة تموضع الجزائر على الخريطة الدبلوماسية الفرنسية، مع محاولة تهدئة التوتر مع باريس وفتح مسار جديد للتقارب، خاصة بعد انقلاب الضغوط التي حاول النظام ممارستها على باريس عليه هو نفسه.
قال رفيق بوهلال، محلل سياسي جزائري، إن “العفو الرئاسي عن الكاتب بوعلام صنصال بطلب ألماني هو إهانة جديدة للنظام الجزائري، خاصة أن المعني بالأمر لا يحمل الجنسية الألمانية، ووُصف من لدن عبد المجيد تبون في وقت سابق باللص ومجهول الهوية، بعد أن تم إيداعه السجن بتهم ثقيلة جدا”.
وأضاف بوهلال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “سجن صنصال كان انتقاما من مواقفه وتصريحاته ومن مواقف فرنسا الداعمة لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية؛ وبالتالي فإن اضطرار النظام إلى الإفراج عنه، بعد فشله في تغيير موقف باريس، هو انتكاسة جديدة تنضاف إلى سلسلة الانتكاسات التي راكمها هذا النظام”.
وأبرز المحلل السياسي الجزائري سالف الذكر أن “الإفراج عن صنصال هو أيضا رضوخ جزائري مُذل لفرنسا، رغم محاولة أبواق النظام الترويج لغير ذلك”.
وأوضح المتحدث عينه أن “الأحزاب ووسائل الإعلام الموالية سارعت إلى محاولة تبييض وجه النظام الجزائري الذي يملك المسؤولون من داخله، سواء المدنيون أو العسكريون، وكذا أبناؤهم عقارات وممتلكات بالملايين في فرنسا، وهناك توجه دائم لدى الحكومة الفرنسية لفتح هذا الملف؛ وهذا ما يفسر أيضا، جزئيا، العفو الرئاسي الأخير عن الكاتب صنصال”.
من جهته، ذكر شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، أن “النظام الجزائري يعيش عزلة تاريخية ترسخت بعد القرار الأخير لمجلس الأمن حول قضية الصحراء، التي تعتبرها الجزائر محور سياستها الخارجية ودبلوماسيتها ودخلا في صراعات مع عدد من الدول بسببها؛ ومنها فرنسا”.
وأبرز بن زهرة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إطلاق سراح بوعلام صنصال كان مطروحا منذ مدة؛ لكن ما عجل به هو أن النظام يبحث، الآن، عن إعادة العلاقات مع باريس عبر الوسيط الألماني كي لا يُقال إن الجزائر قدمت تنازلات للطرف الفرنسي أو أنها في موقف تفاوضي ضعيف، وهو واقع الحال”.
وسجل المتحدث ذاته أن “الغريب هو أن الأحزاب السياسية، التي كانت تعتبر سجن صنصال مسألة سيادية، خرجت اليوم لتقول إن العفو عنه قرار سيادي وحكيم؛ في محاولة لرفع الحرج عن النظام”.
وفي هذا الصدد، لفت الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى هذا الوضع “يدل على طبيعة الطبقة السياسية في الجزائر، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التطبيل ومحاولة تبرير سلوكيات النظام وسقطاته”.
المصدر: هسبريس
