العفو الملكي
غمرتني رغبة جامحة للكتابة عن العفو الملكي العلوي (ليس ملك السويد) وانا أستنتج، من آخر تصريحات سي عزيز النويضي رحمه الله، أنه كان يبغي ويحلم ويسعى لتحقيق عفو ملكي عن معتقلي الريف. يكون عفوا كرمز عنفوان انطلاقة وانتعاشة حقوقية مغربية جديدة بعد انتعاشة مرحلة الانصاف والمصالحة التي دبرها اخوه المرحوم إدريس بنزكري و المرحوم شوقي بنيوب وغيرهما.
١ العفو الملكي هي سلطة ملكية عرفية عريقة. منها يطل الملك على رعاياه وشعبه باعتباره بنية فوققضائية و سلطة فوق القانون تدعمه من خارجه بدون ان تسقط في شراكه. طبعا الإشارة هنا ليس لشخصية Billy The Kid الذي يسعى لتقويض القانون خدمة للهمجية. حاشا ما عاذ الله. بل صفة ملك يعي ثغرات اكثر الاحكام ديمقراطية واكثرها انحيازا للقانون. صفة لها دلالة تعني انه حتى القانون يمكن ان يكون اكثر ملوحة من ماء بحر واكثر برودة من الثلج. العفو صفة ملكية تبعث الروح من جديد في قرارات قضائية أعوزتها المقايسة الانسانية والارتكاس الحقوقي. صفة ربما تعيد تشغيل حواسيب القضاء لما تتراكم على القضاء بعض الاخطاء البرمجية وتجعله يحكم على الثعلب الذي فقد ذيله بإرجاع العنب للكروم.
٢ العفو الملكي سلطة مرعية. ربما تتمة للبيعة او لنقلها صراحة انها سلطة استثنائية لملك يعفو ولا يغفو عن واجب إحقاق الحق. هنا حساسبة الصفة والدور والرمز المنوط بالعفو الملكي. لذلك يرتكس وينطق العفو قليلا وهامسا وليس منهجيا مدويا. ويتكلم انتقائيا، وليس تلقائيا …وبالتالي فهو ممارسة لسلطة فكرية فوق بنيوية وتحتسماوية هدفها مراجعة تجاوزات قضائية وتخفيف افراط في تنزيل قوانين وضعية انسانية قابلة للأخطاء. والاهم هي تلك الدلالة السياسية للعغو كمصالحة و مسامحة “كفار الوطن” حتى تستمر الحياة بيننا بدون مركب نقص وبدون احاسيس بالذنب كيفما كانت وبدون اللجوء لتبرير الجور والقمع.
٣ العفو الملكي قوة الملك وليس ابدا علامة على تردده ولا مدخلا لمساومته. العفو يعفي الجميع من الاعتذار البعدي عن شطط محتمل. ويلزم الجميع بمعاودة قراءة القانون ويحرج الجميع امام اشارات ملكية توحي دوما بأن “مغاربة سجون الرأي” هم في الاصل مغاربة يحظون كما سواهم وغيرهم برعاية ملكية وان لأولادهم وذويهم الحق في وضعية مكفولي الأمة والوطن والملك.
ازعجني تردد اليوسفي في طلب عفو الملك عن معتقلي حراك الريف…. في ذلك قراءات اهمها ان اليوسفي كان في وضعية شك من ان جلالة الملك سيصد طلبه. ولم لا نقول ان الملك ربما كان سيقبل بأريحية لو صدر التماس العفو من هرمين وطنيين هما اليوسفي وآبت ايدر…الكبار دوما ما تعيقهم مبررات صغيرة…لكن كم سبحرجني لو سار المغرب سريعا في العفو عن مزارعي القنب الهندي بالريف (وفق نهج مأسسة الكيف) قبل العفو عن مزارعي الحرية والكرامة بالريف المضياف الجميل، وجهتنا للشرق والشمال.
جلالة الملك ارجوكم.
المصدر: العمق المغربي