أسهمت الإصلاحات الجبائية المتعاقبة المؤطَّرة بمشروع قانون إطار للإصلاح الجبائي (إثر مناظرات وطنية جرت سنة 2019)، في ارتفاع واضح للمداخيل الضريبية للدولة من 201 مليار درهم سنة 2021 إلى أكثر من 300 مليار درهم بمتم هذه السنة، أي بزيادة فاقت 63 في المائة، حسب معطيات رسمية، ومن المرتقب أن يتضمن آخر مشروع قانون مالية في الولاية الحكومية الحالية، المنتظر عرضه قبل 20 أكتوبر الجاري أمام أعضاء البرلمان، تدابير هامة وحاسمة وضرورية تستكمل صرح الإصلاح الجبائي في المنظومة الاقتصادية المغربية.
ومنذ إصدار القانونالإطار، اعتُمد التدريج كمقاربة في “التنزيل الفعلي لأهداف الإصلاح الجبائي” بموجب قوانين المالية لسنوات 2022 و2023 و2024 وكذا 2025.
تدابير ضريبية وجمركية مرتقبة
من بين التدابير الرئيسية للسياسة الضريبية والجمركية في المغرب، المبرمجة ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2026 والمتضمنة في التقرير الصادر مؤخرا عن وزارة الاقتصاد والمالية المتعلق بـ”تنفيذ الميزانية والتأطير الماكرو اقتصادي لثلاث سنوات”، يبرز “تعزيز الإجراءات الحكومية الرامية إلى تسهيل دمج وحدات الإنتاج غير المهيكلة في الاقتصاد المهيكل”، مقترحة “توسيع وتحسين آلية الاقتطاع من المنبع لتحفيز الشفافية الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي بشكل فعال”.
كما تعتزم السلطات الحكومية الوصية على القطاع المالي “تحسين مناخ الأعمال من خلال مراجعة الحوافز الضريبية المرتبطة بعمليات إعادة هيكلة المقاولات، وخاصة من خلال التبسيط وإرساء الضمانات وآليات التتبع”.
ولم يخل التقرير من العمل على “ملاءمة النظام الضريبي ومواءمة القواعد الضريبية من خلال التدابير الهادفة إلى توضيح وإعادة ضبط بعض قواعد القاعدة الضريبية، لتجنب الاختلافات في التفسير وتحسين علاقات الثقة مع دافعي الضرائب، وكذا لملاءمة بعض المعالجات الضريبية مع المعايير والممارسات الفضلى الدولية”.
وفي شق “السياسة الجمركية”، يُنتظر تضمين مشروع القانون المالي 2026 “إحداث آلية لوضع علامات على المنتجات النفطية بالتعاون مع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بهدف الاستجابة للرهانات الضريبية المرتبطة بالمحروقات والوقاية من مختلف أشكال الغش في هذا القطاع”، مع “توسيع نطاق العلامة الضريبية المطبقة على المشروبات والتبغ لتشمل أيضا منتجات أخرى (المرتبطة بالتبغ وتلك التي تحتوي على السكر)، بهدف حماية المستهلك وملاءمة الآليات القانونية مع المعايير الدولية من حيث تتبع ومراقبة المنتجات الخاضعة للضريبة الداخلية على الاستهلاك”.
كما سيتم، حسب المعلن رسميا ضمن التقرير، “مواصلة تطبيق الإصلاح الضريبي برسم الضريبة الداخلية على الاستهلاك المطبقة على السجائر للعام الخامس على التوالي”، والمفترض أن ينتهي سنة 2026.
العدالة الجبائية واستدماج القطاع غير المنظَّم
تعليقا على الموضوع، قال عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد مدير مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن “الإصلاح الجبائي الذي انبثق عن المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات، تأطر عبر قانونإطار شكّل مرجعية استراتيجية واضحة المعالم، ارتكزت على خمس أولويات و14 هدفا أساسيا، من أبرزها تشجيع الاستثمار، تعزيز العدالة الاجتماعية والحد من الفوارق عبر إعادة التوزيع، إضافة إلى إرساء العدالة المجالية وتحقيق التنمية الترابية”.
واستحضر الهيري، مصرحا لهسبريس، “أهمية محورية لتعبئة الموارد الكفيلة بتمويل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على تبسيط وتخفيض العبء الجبائي وترشيد رسوم الجماعات الترابية، إلى جانب إعادة النظر في التحفيزات الضريبية وفق معايير نجاعة وأثر ملموس أكبر، مع إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد المنظم كأولوية ملحة”، وهي من الأوراش الحاسمة المرتقب فتحها مع نقاشات مالية 2026”.
واليوم، “بعد مرور أربع سنوات على تنزيل هذا القانون الإطار، تبرز الحاجة الملحّة إلى تقييم فعالية السياسة الضريبية ومدى انعكاسها على التنمية والعدالة الاجتماعية”، حسب أستاذ الاقتصاد ذاته، الذي تابع قائلا: “إذا كانت الإصلاحات الجزئية التي همّت الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة قد ساهمت في تخفيف العبء وتحسين المداخيل وتعزيز جاذبية الاستثمار، فإن مشروع قانون المالية لسنة 2026 محطة مفصلية لاستكمال هذا المسار؛ غيْر أن نجاحه يظل رهينا بوجود إرادة واضحة لتعزيز الأداء المالي العمومي، وتحقيق التوازن الدقيق بين متطلبات الإصلاح الجبائي، ودعم القدرة الشرائية، وتمويل القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة، خاصة مع ارتفاع المطالب الاجتماعية والشبابية لإصلاحهما، بما يضمن مزيجا متكافئا من العدالة الاجتماعية والتماسك المجالي”.
رهان مزدوج بـ”هامش اجتماعي ضاغط”
في السنة الأخيرة من الولاية الحكومية الحالية، يبرز النقاش حول الإصلاح الجبائي باعتباره رهانا مزدوجا بين مطلب العدالة الضريبية والحفاظ على التوازنات المالية. وشرح الهيري ذلك بقوله: “العائدات الجبائية تمثل عماد تمويل النفقات العمومية، وأيُّ تخفيض ضريبي غير مقترن بتوسيع الوعاء قد يهدد الاستدامة المالية ويزيد من عجز الميزانية. هذا التحدي يتقاطع مع ضيق الزمن السياسي، ما يقلص من هامش التدخل ويضع الحكومة أمام معادلة دقيقة: الاستجابة لمطالب اجتماعية متصاعدة في ظل ضغوط الشارع من أجل تحسين القطاعات الاجتماعية، وفي الوقت نفسه ضمان حماية القدرة الشرائية، خصوصا لدى الطبقات المتوسطة والضعيفة”.
الرهان الأكبر يتمثل إذن في صياغة إصلاح متوازن، يوفّق بين الحاجة إلى موارد مستدامة لإرساء دعائم الدولة الاجتماعية، وبين مطلب تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية. ويظل تقييم حصيلة السنوات الماضية في تنزيل القانون الإطار خطوة أساسية لتقويم الاختلالات وضمان جاذبية الاقتصاد الوطني عبر سياسة جبائية مشجعة على الاستثمار وخلق فرص الشغل. الإصلاح الجبائي في هذه المرحلة ليس مجرد إجراء مالي، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على المزاوجة بين العدالة الاجتماعية والاستدامة المالية.
من جانبه، شدد خالد حمص، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط، على أن “العدالة الجبائية رهان وتحدٍ كبير ينتظر الحكومة في آخر قوانينها المالية في ولايتها”، مبرزا أنه بُعد ضمن ثلاثة أبعاد كبرى تؤطّر الإصلاح الجبائي في شمولِه”.
وتتعلق هذه الأبعاد، بحسب المحلل الاقتصادي نفسه، في تصريح لهسبريس، بـ”العمل على استكمال مراجعة نسَب وأشطر الضريبة، واستدامة عمليات المراجعة الضريبية وتوسعة الوعاء الجبائي لديمومة تمويل مشاريع اجتماعية وأخرى ضمن التزامات تأهيل البنيات التحتية واستثماراتها الضخمة”.
وأوضح حمص أن “المغرب من أكثر البلدان التي مازالت فيها نسب الضريبة تعد من الأعلى إقليميا ودوليا”، لافتا إلى أن ذلك يجب أن يستحضر “التأثير بشكل سلبي على دينامية الطلب الداخلي ودوران العجلة الاقتصادية”، منوها إلى إيجابية العمل على استدماج القطاع غير المهيكل عبر المدخل الضريبي.
وفي مواجهة تصاعد ضغط الاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بإصلاح جوهري لقطاعي الصحة والتعليم، أكد المصرح ذاته “حاجةَ الحكومة إلى اقتراح آليات تمويل مبتكرة وسبل رفع العائدات الضريبية بما يضمن استجابة دائمة تواكب إصلاح القطاعين، لكن دون ضغط ضريبي إضافي”.
المصدر: هسبريس
