أعلنت المفوضية الأوروبية، على لسان كوستاس كاديس، المفوض الأوروبي لشؤون الصيد البحري، الثلاثاء الماضي أمام اللجنة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الإسبانيين حول الاتحاد الأوروبي، عن اعتماد اقتراح لفتح مفاوضات بشأن اتفاقية جديدة للصيد البحري بين الرباط وبروكسل، حسب ما أفادت به وكالة “إيفي” الإسبانية.
وأوضح المسؤول الأوروبي ذاته أن المفوضية قدمت “تفويضا تفاوضيا” يجب أن توافق عليه حكومات الدول الأعضاء في هذا التكتل الأوروبي لبدء المحادثات مع الجانب المغربي بشأن هذه الاتفاقية، مبرزا في الوقت ذاته أن “هذه الخطوة تمثل تطورا مهما جدا في العلاقات مع المغرب، خصوصا بعد حكم محكمة العدل الأوروبية”، وذلك جوابا على سؤال لنائب برلماني أثار الاتفاق الأخير الذي وقعه المغرب مع روسيا في مجال الصيد البحري.
وعبر ممثلو تنظيمات مهنية في قطاع الصيد البحري بإسبانيا، منذ انتهاء البروتوكول الملحق باتفاقية الصيد البحري الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي، الذي كان يسمح لهم بالصيد في المياه المغربية بعد حكم محكمة العدل الأوروبية، عن امتعاضهم من عدم تجديد الاتفاق مع المغرب. وقد سبق أن دعا الاتحاد الإسباني للمصايد (سيبيسكا) كلا من الرباط وبروكسل إلى التفاوض حول شروط فنية جديدة لتجديد الاتفاق.
وحسب الوكالة الإسبانية ذاتها، كان البروتوكول منتهيُّ الصلاحية يمنح تراخيص لـ138 سفينة أوروبية للصيد في المياه المغربية، منها 92 إسبانية، معظمها من أسطول مناطق الأندلس وجزر الكناري وغاليسيا.
ضغوط مغربية
قال لحسن أقرطيط، أستاذ جامعي باحث في الشؤون الدولية، إن “إعادة فتح المفاوضات بين الرباط وبروكسل بشأن اتفاق الصيد البحري بمبادرة من المفوضية، جاءت لمحاولة تجاوز المأزق الداخلي الذي وقع فيه الاتحاد الأوروبي على إثر اختلاف الرؤى بين مؤسساته؛ إذ من جهة تدفع المفوضية والبرلمان والمجلس الأوروبي باتجاه تطوير الشراكات مع المغرب وتوقيع اتفاقيات جديدة معه، مقابل موقف محكمة العدل التي رأت غير ذلك من جهة ثانية”.
وأضاف أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن “هذا الوضع وضع الاتحاد الأوروبي أمام إشكال كبير، خاصة وأن مصالح الدول الأعضاء لم تُؤخذ بعين الاعتبار، وبالتحديد إسبانيا التي كانت المستفيد الأكبر من اتفاق الصيد مع المغرب، وبالتالي كان من الضروري على بروكسل أن تجد مخرجا لهذه الأزمة الداخلية من خلال إعادة إطلاق مفاوضات جديدة مع الرباط”.
وذكر المتحدث أن “المغرب بدوره مارس ضغوطا على بروكسل حينما اعتبر أن قرار محكمة العدل هو مشكل أوروبيأوروبي لا يعنيه، واعتبر أن الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يعالج الخلافات ما بين مؤسساته الداخلية إذا ما أراد فعلا المضي قدما في تطوير الشراكة مع المملكة وتوقيع اتفاقيات معها”.
وخلص أقرطيط إلى أن “ما عجل أيضا بإطلاق مفاوضات جديدة بشأن اتفاق الصيد البحري مع المغرب هو أن هذا الأخير طالما أكد أنه غير مضطر لانتظار أوروبا وأن لديه بدائل أخرى، على رأسها روسيا التي تم تجديد اتفاقٍ معها في هذا الشأن، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي عبرت في أكثر من مناسبة عن رغبتها في بناء شراكة مع المغرب في هذا الاتجاه”.
مصالح أوروبية
أوضح محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “المغرب يمتلك قدرة تفاوضية قوية بفضل إدارته الفعالة لمصايده البحرية والبنية التحتية المرتبطة بقطاع الصيد في إطار المفاوضات المرتقبة بين الجانبين، إضافة إلى خبرته في ضمان الاستدامة والرقابة على الموارد البحرية، ما يجعله شريكا أساسيا للسوق الأوروبية”.
من الناحية الدبلوماسية، يضيف المتحدث لهسبريس، فإن “المغرب يمتلك قدرة على بناء شراكات متنوعة، بما في ذلك التعاون البحري مع دول أخرى، ما يمنحه مرونة استراتيجية من جهة، ومن جهة أخرى يشكل المغرب عنصر استقرار إقليمي مهم للاتحاد الأوروبي من خلال مساهماته في مجالات مراقبة الهجرة والأمن البحري والتعاون الاقتصادي، وهو ما يزيد من وزنه التفاوضي”.
وتابع بأن “قرار فتح المفاوضات مع الرباط يعكس مزيجا من الضغوط الداخلية والخارجية، بما في ذلك مصالح الصناعات الأوروبية والالتزامات القانونية، إضافة إلى الحاجة للحفاظ على علاقات استراتيجية متوازنة مع شريك رئيسي في جنوب المتوسط”، مبرزا أن “هذه الخطوة تعكس أيضا اعترافا بأهمية المغرب كشريك استراتيجي، مع مراعاة تباين المصالح الاقتصادية والسياسية بين الدول الأوروبية المختلفة ورغبتها في إيجاد صيغة اتفاقية مستدامة”.
وبين الأستاذ الجامعي ذاته أن “المغرب يظل في موقع تفاوضي قوي يمكنه من حماية مصالحه الوطنية وضمان الاستدامة الاقتصادية والبيئية للقطاع البحري، مع تعزيز التعاون الاستراتيجي الذي يخدم مصالح المنطقة كلها”.
المصدر: هسبريس
