قرر المجلس الوطني لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب حمل الشارة السوداء من طرف جميع الصيادلة عبر التراب الوطني، ابتداءً من يوم الإثنين 18 غشت 2025 إلى غاية 9 شتنبر 2025، بالإضافة إلى تنظيم وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالرباط يوم الثلاثاء 9 شتنبر 2025، داعيا كافة الصيادلة إلى “تعبئة قوية وموحّدة”، في ظل “تجميد كل مخرجات الحوار الذي دام سنوات مع الوزارة”.
المجلس الوطني للهيئة المهنية حمّل في بلاغ توصلت به جريدة هسبريس “الحكومة الحالية ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية كامل المسؤولية عن تداعيات هذا التعطيل الممنهج”، مع التأكيد على أن “المساس باستقرار القطاع الصيدلاني هو مساس مباشر بالأمن الدوائي للمغاربة”، وبقطاع “يعتبر بمثابة مرافق صحية إستراتيجية لخدمة المريض المغربي واستقرار المنظومة الصحية الوطنية”.
وقال محمد الحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إن الصيادلة قرروا الكفّ عن التزام الصمت الذي استمرّ لشهور عديدة، مبرزًا أنه “منذ أبريل 2023 تمت موافاة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بملف مطلبي كامل يتضمن ضرورة القيام بإصلاحات أساسية لضمان استقرار المهنة وحماية الأمن الدوائي؛ كما تم العمل، منذ ذلك الوقت، ضمن لجنة مشتركة مع الوزارة”.
وأشار الحبابي، ضمن تواصله مع جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن الوزارة لم تشرع في تنزيل المخرجات، رغم انتهاء الأشغال، “ما يعني تملصًا من الوعود؛ مع أن الوزير السابق خالد آيت الطالب أكد أن مطالب الصيادلة مشروعة جدًا ولا تُكلّف الدولة درهمًا واحدًا”، وتابع: “التنفيذ غائب حتى اليوم، رغم اجتماعاتنا مع الوزير الحالي أمين التهراوي، الذي بدوره لم يتنكر لأشغال هذه اللجنة، لكنه أيضًا اكتفى بتقديم الوعود”.
وشدد النقابي عينه على أن “المهنة تختنق بسبب قوانين إما تُطبّق بشكل سيئ أو لا تُطبّق أساسًا”، مورِدًا: “مرسوم تحديد أسعار الأدوية متجاوز، والوزير بصدد تحيينه، لكننا نلاحظ أن مشروع المرسوم الجديد يرتكب أخطاء مرسوم 2013 نفسها، وسيكون صعبًا أن يحقق الأهداف المنشودة منه، وهي تسهيل ولوج المواطنين إلى الدواء، والحفاظ على التوازنات الاقتصادية لصناديق التأمين الاجتماعي، وأيضًا الحفاظ على التوازن الاقتصادي للصيدليات. هنا نواجه تهديدًا حقيقيًا لكل هذه التوازنات”.
وواصل المتحدث: “من بين مطالبنا كصيادلة إجراء انتخابات مجالس الهيئة فورًا، لأن المهنة اليوم تحتاج إلى هيئة قوية تمثلها تمثيلًا حقيقيًا”، وزاد: “نطالب أيضًا بالتطبيق الصارم للقوانين المنظمة لمسار الدواء، لأن الأدوية تُباع في الإنترنت وفي الأسواق. هناك أدوية مزورة، وأخرى منتهية الصلاحية، وهناك أدوية لا تُخزّن وفق المعايير المطلوبة”؛ كما وضّح أن “بعض الأدوية تحتاج إلى الحماية من الرطوبة، وأخرى من أشعة الشمس، وبعضها يجب تخزينها في درجة حرارة تتراوح بين درجتين وثماني درجات مئوية”.
وذكّر الحبابي بأن “الفيدرالية المغربية لحماية المستهلك أصدرت بلاغًا بلائحة تضم 600 دواء مفقود من السوق الوطني”، مردفا: “هذا يسبب لنا إحراجًا مع المواطنين، فعندما يذهب المريض إلى الصيدلية ولا يجد الدواء يجد الصيدلي نفسه في وضع محرج، مع أن هناك حلًا نسبيًا، وهو منح الصيدلي حق استبدال الدواء، كما هو معمول به عالميًا”.
هسبريس استفسرت النقابي: “هل يملك المساعدون التقنيون في الصيدليات صلاحية استبدال الدواء، بما أن الطبيب الصيدلي، كما تبين التجربة، لا يلزم صيدليته دائمًا، وهو ما قد يعارضه الطبيب؟”، فردّ بالقول: “هذا من بين الذرائع الواهية التي يقدمها بعض الأطباء، مع العلم أننا نعرف التعامل الموجود بين بعضهم وشركات الأدوية”، وقال: “بعض هذه الشركات تخاطب بعض الأطباء: (أمنحك هذا القدر لوصفه للمرضى بهذا المقابل)”.
وأورد المتحدث، في تصريح من المرتقب أن يثير “حربًا مهنية جديدة”: “ليس من مصلحتهم أن يكون للصيدلي حق استبدال الدواء”، واسترسل: “نحن لا نعارض القانون، فإذا كان هناك طبيب صيدلي غائب عن صيدليته فإن للوزارة ما يكفي من الترسانة القانونية لزجره. نحن لا ندافع عن العبث، وإذا كان الشخص لا يمارس مهنته بنفسه يجب إخضاعه للمساءلة وفق التدابير والإجراءات التي تمتلكها السلطات العمومية”.
وتفاعلا مع سؤال آخر يتعلق بـ”رغبة الصيادلة في الدفاع عن مصالحهم ووضع المريض والمواطن في واجهة ملفهم المطلبي، كما ترى أصوات”، ذكر المصرح أن “هذا التشويش المتواصل كلما ظهر ملف مطلبي بات مألوفًا ويستهدف كل مطلب مشروع للصيادلة”، واستطرد: “نحن نتذكر جيدًا أكذوبة أن الصيادلة يربحون نحو 60 بالمائة من سعر الدواء. هذا مجرد تجييش للرأي العام ضد الصيادلة حتى لا يتكلموا عن حقوقهم، التي هي حقوق مشروعة”.
وبخصوص حقيقة هوامش الربح المرتفعة، التي ظلت “شبهة” تلاحق الصيادلة منذ تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2021 (صدر في مارس 2023)، كشف المهني عينه أن “الوزير التهراوي عرض على المهنيين، مؤخرًا، نتائج دراسة خلصت إلى وجود مشكلة في 157 دواء تستنزف 57 بالمائة من مجموع نفقات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتعلقة بالأدوية”، وواصل: “هذه الأدوية كلها ضمن الشريحة الرابعة، أي التي يتجاوز سعرها 3000 درهم”.
وتابع الحبابي: “لا يُعقل، ونحن كصيادلة نكررها، أن يكون دواء ثمن بيعه في المغرب 10 آلاف درهم، بينما في إسبانيا أو تركيا أو فرنسا لا يتجاوز 600 درهم”، وأردف: “هنا يجب أن نطرح سؤالًا: ‘من المستفيد من هذه الأسعار المرتفعة؟ هل هو الصيدلي؟’ طبعًا لا؛ لماذا؟ لأن مرسوم تحديد الأسعار لسنة 2013 حدد هامش الربح الخام للصيادلة في الشريحة الرابعة بشكل جزافي، وهو 400 درهم. فإذا كان ثمن الدواء 3000 درهم ينال الصيدلي 400 درهم ربح كحد أقصى، وإذا كان ثمنه 10 آلاف درهم يحصل أيضًا على القيمة نفسها”.
ومضى المهني شارحًا: “قلنا للوزير: ‘كيف يعقل أن تكون لدينا في المغرب أدوية باهظة الثمن، بينما هي في دول أخرى أرخص بكثير؟’ إذن، من لا يحترم القانون؟ إنها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية لكونها تتولى تحديد ثمن الدواء عند منحه رخصة التسويق في المغرب؛ فلماذا لا تقوم الوزارة بالمقارنة مع الدول المشابهة وتطبّق المرسوم بحذافيره؟ لأن المستفيد الأول هو المصنع أو المستورد لذلك الدواء، الذي يستورده بـ600 درهم من الخارج، ويوزّعه في السوق الوطنية بـ10 آلاف درهم، بمباركة الوزارة”.
المصدر: هسبريس