صورة: هسبريس

عبد الحق عزوزي*الجمعة 7 نونبر 2025 19:06

اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2797 بشأن الصحراء المغربية بعد تصويت 11 دولة لصالحه من بين الدول الـ15 الأعضاء فيه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (صاحبة القلم)، وبريطانيا وفرنسا واليونان وبنما وكوريا، مع امتناع روسيا والصين وباكستان، وعدم مشاركة الجزائر في التصويت. وأعرب القرار عن دعمه الكامل للأمين العام الأممي ولمبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء المفاوضات، استنادا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي قدمه المغرب لأول المرة سنة 2007.

واحتشد المواطنون في الساحات العمومية في كل المدن المغربية، رافعين الأعلام الوطنية احتفالا بالقرار الأممي. ولم تتخلف مدن الأقاليم الجنوبية عن هذه اللحظة التي اعتبرها المغاربة “يوما تاريخيا”، وهو ما عبّر عنه جلالة الملك محمد السادس في خطابه بالقول: “ما قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول) ليس هو ما بعده”.

إن ليلة الحادي والثلاثين من أكتوبر 2025 هي ليلة مشهودة في تاريخ المملكة المغربية، وتنطبق عليها الآية الكريمة التي بدأ بها جلالة الملك محمد السادس نصره الله خطابه بعد القرار الأممي “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”، وللذكر فإن الجمهور يعنون بها في سورة الفتح صلح الحديبية الذي وقع قرب مكة في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، الموافق لشهر مارس عام 628 م، وجعلوا إطلاق اسم الفتح عليه مجازا مرسلا باعتبار أنه آل إلى فتح خيبر وفتح مكة، أو كان سببا فيهما. واليوم قد وقع فتح مبين بهذا القرار الأممي بفضل الحكمة الدبلوماسية الملكية التي مأسست لمسيرة دبلوماسية حكيمة حقق بها المغرب نجاحات متتالية، وهاته الآية الكريمة أفضل ما يمكن أن يستشهد به من آي القرآن في مثل هذا الانتصار التاريخي الذي يعلو وما يعلى عليه.

وإذا كان هذا القرار يكرس فيه مجلس الأمن الدولي وجاهة مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحلّ وحيد للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء، فإنه يعترف بالقوة الدبلوماسية الناعمة لسياسة جلالة الملك محمد السادس القائمة على الوضوح والحزم والثبات، وهي التي تعززت بافتتاح العديد من القنصليات العامة في مدينة العيون والداخلة، كتعبير رسمي عن اعتراف الدول بمغربية الصحراء، وتكريس لدور الأقاليم الجنوبية كبوابة للمغرب نحو أفريقيا، وهي التي جعلت ثلثي دول المعمور وما يزيد في المنظمة الأممية تعترف بمغربية الصحراء، وعلى رأسها دول عظمى لها مقاليد الفيتو في مجلس الأمن كأمريكا وفرنسا وبريطانيا. كما أن كل هذا يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بأن المنظومة الدولية تعتقد يقيناً بجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي للحل السياسي للنزاع المفتعل حول صحرائه، وأنه ليس هناك حل غيره، وذلك بتكريس حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، وفي إطار الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

كما أن الخطاب الملكي الذي جاء مباشرة بعد القرار الأممي جاء جامعا بين العقلانية والواقعية والبعد الإنساني، إذ أكد جلالته أن المغرب كان دائما حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، وهو لا يستغل هاته الانتصارات المشروعة لتأجيج الصراع والخلافات. ونستشف الجانب الإنساني من هذا الخطاب عندما وجه جلالته نداء صادقا لإخواننا في مخيمات تندوف، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، في إطار المغرب الموحد، وأيضا عندما دعا الجزائر إلى حوار أخوي صادق، من أجل تجاوز الخلافات، وإحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس. وأي بعد إنساني أكبر من هذا؟ فهذا يجسد نبل جلالته وحرصه على الوحدة ومستقبل البلد والمنطقة بأكملها لما فيه خير الشعوب ومستقبل البلدان والأوطان.
وموازاة مع هذا الانتصار الدبلوماسي التاريخي في بيئة دولية معقدة يواصل المغرب على أرض الواقع لجعل الأقاليم الجنوبية منارة عمرانية وقبلة حضارية متميزة، وقطبا للتنمية الدائمة بالمنطقة، من خلال إجراءات واقعية وملموسة، بما في ذلك مواصلة الجهود لتنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية والاستمرار في تنزيل ورش الجهوية المتقدمة كخيار إستراتيجي للمملكة.

والمغرب بشهادة الخبراء الإستراتيجيين العالميين هو حامل لرؤية سلام وتعاون، في إطار قاعدة إستراتيجية تتلاءم والنظام العالمي المنشود، وأعني بذلك قاعدة رابحرابح في مجال علاقاته الدولية…

  • رئيس كرسي الأمم المتحدة لتحالف الحضارات عضو مجلس إدارة الجامعة الأورومتوسطية بفاس

الحكم الذاتي الصحراء المغربية الملك محمد السادس

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة البريدية للتوصل بآخر أخبار السياسة

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

المصدر: هسبريس

شاركها.