الشاعر سرحان يقيس أهوال الزلزال.. ارتعاد فرائص الحجر وانطفاء أرواح البشر
يعود الشاعر سعد سرحان إلى زلزال الحوز ليرسم لحظات العجز والذعر الذي أعقب الهزة الأرضية، ليرصد ارتداداتها بالنثر والشعر.
كما يوثق سرحان، ضمن شذرات توصلت بها هسبريس بعوان “ارتدادات”، نبل وسخاء “صاحب الدراجة” ليخلص إلى حقيقة مفادها أن الصورة كانت أبلغ من ألف كلمة.
(عجز)
ليس الزلزال مِمّا يوصفُ فيوصفَ كالشّجر والطّير والحجر والبحر وسوى ذلك مِمّا اجترح له الإنسان الأداةَ السحرية وشحذها على مِسنِّ البيان، ولا هو مِمّا يُصدُّ فيصدَّ كالسّباع والمَرَدَة والوحوش وأضرابها مِمّا أنجب له الحابلَ وربّى له النابلَ قبل أن يرفع إلى رأسه الفوّهةَ وينصب لقوائمه الكمين، ولا هو بسليل الخرافة فيُعشي كهفَه بما يملك من شموس…
ليس الزلزال مِمّا يُستطاع:
فهو أحد الوجوه الصقيلة لمرايا عجزنا المشروخة.
(غيض)
وكانَ
أنْ
زَلَّ
قلبُ
الأرضْ
فارتجّت منها العظام
وارتبك النبضْ
وارتعدت فرائص الحجرْ
فأُسْقِط
في
أرواح
البشرْ:
هل بِالعرضْ
أم بالطول المفرّْ؟
(عاهل)
الزلزالْ
عاهل الأهوالْ
من أمام أرواحنا
مرَّ بكلّ جلالْ
فجحظت أرواحنا
نحن الذين نجونا
أمّا الذين
زهقت أجسادهمْ
فأرواحهمْ
هذا
الماء
فجأةً
أجهشت
به
الجبالْ.
(ذعر)
إنه الزلزال:
لا أيْطلا الظبيِ
ولا ساقا النعامة
ينفعانِ
لا سداد الرّأيِ
ولا شجاعة الشجعانْ
لا الشِّعر ولا النثرُ
وقد تجلّى
الذعرُ
عميقًا
في الوجدان.
(جبروت)
في الأرحام الأربعة للحياة يتخلّق الموت الأكبر: فمن رحم النار البركان، ومن رحم الهواء الإعصار، ومن رحم الماء الفيضان، ومن رحم التراب الزلزال.
أبناء الحياة هؤلاء هم جبابرة الموت الذين لا مناص…
فهم غير الحرب حيث الترسانة تواجه الترسانة، وهم سوى الوباء حيث اللقاح يصدّ الفيروس… إنّهم القدرة المطلقة في مواجهة العجز المبين.
…
ومن بينهم جميعًا، يبرز الزلزال كولد شقيّ، إذ من غيره يرمي الناس تحت الحجر؟
(أثر)
أمِنْ أثر الفراشة
كلّ هذا الخرابْ؟
كيف إذن
يكون أثر الغرابْ؟
(نبل)
بملابس متواضعة وعلى درّاجة هوائية بسيطة، جاء الرجل إلى إحدى ساحات التبرّع مُردِفًا نصف كيس من الدقيق، سلّمه للزلزال، وغادر مطأطئًا… ولولا أنّ المكان كان مدجّجًا بالكاميرات لفاتنا جميعًا أن نشاهد الإنسان المغربي في نسخته الأنبل.
لكن، أين النصف الثاني؟
ما همّ، فالرجل تبرع بنصف ثروته على الأقل، وهو ما لم يفعله سواه. ففي موازين غير الموازين، نصف الكيس ذاك يعادل أطنانًا من المشاعر الناصعة.
…
لَكَمْ أتمنّى على مختبرات الاستنساخ أن تُخلّد هذا الرجل، فقد نحتاج أن نشهره في وجه المستقبل. مثلما أتمنّى على عباقرة وادي السيليكون أن يحوّلوه إلى تطبيق سهل التّحميل: فما أحوج البشر إلى الإنسان.
(زمن)
قالت: هي خمس دقائق.
قلت: بل هما اثنتان.
…
وحين انجلى الزلزال، كان الحديث يجري عن عشرين ثانية فقط.
حقًّا، زمن القيامة غير الزمن.
(ارتداد)
عقب الزلزالْ
يمّمَ الخلق
بأعمق
ما
فيهم
شطر الجبالْ:
فهذا بحليبِ الروح
وذاك بصديدٍ وأوحالْ.
(صورة)
من حقل الإعلانات تخلّق ذلك الكليشيه المعروف: “الصورة تغني عن ألف كلمة”. والأرجح أن الهدف منه كان هو استقطاب الجهل بوصفه زبونًا.
الصورة الآن غير صورة الكليشيه التي تعود إلى عشرينيات القرن الماضي. لذلك فهي، بالفصاحة التي صارت لها، تغني عن كلّ الكلمات، خصوصًا أن الأمر يتعلق بزلزال وليس بإعلان.
فشتّان بين جبل مكلّل بالثلوج في بطاقة بريدية وبين جبل حقيقي يجهش بالبكاءْ.
فبأي كلماتٍ
أصف سلسلة جبال
باتت خيامَ عزاءْ؟
المصدر: هسبريس